TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

2019 يكتب فشل البنوك المركزية في تفادي فخ "الأموال الرخيصة"

2019 يكتب فشل البنوك المركزية في تفادي فخ "الأموال الرخيصة"

مباشر - سالي إسماعيل: على النقيض تماماً للوضع في 2018، فإن العام الجاري شهد اتخاذ البنوك المركزية الكبرى منعطفاً إجبارياً عبر الابتعاد عن "سياسة الصقور".

وبالنظر إلى الحرب التجارية الممتدة لأشهر عديدة إضافة إلى التوترات الجيوسياسية وغيرها من حالات عدم اليقين، نجد أن كل ما سبق تكاتف معاً ليُشكل ضغوطاً أكبر على الاقتصاد العالمي وسط آفاق متشائمة وتحذيرات متتالية.

ولم يكن هناك خياراً أمام البنوك المركزية في عام 2019 سوى التدخل من جديد وعكس المسار، وهي "مجبرة"، نحو سياسات داعمة للاقتصاد وإتباع "نغمة حذرة"، لكن الأمر هذه المرة ذو طابع مختلف ألا وهو "محدودية الأدوات المتاحة وربما نفادها".

وببساطة، فإن النهج الحذر ينطوي على خفض معدلات الفائدة بمعنى تقليل تكاليف الاقتراض، مما يجعل الأمر سهل بما يكفي للشركات الحصول على الائتمان اللازم لتمويل مشاريع جديدة؛ نظراً لوجود حافز "الفائدة المنخفضة".

كيف كان التحرك في 2019؟

ومع ذلك، شهدت بدايات العام مقاومة من قبل أكبر بنكين مركزين حول العالم (الفيدرالي والمركزي الأوروبي) مع إعلان سياسة "الترقب والصبر" قبل التحول لإدخال تعديلات جوهرية.

وبعد أن ثبت المركزي الأمريكي معدل الفائدة لمدة 4 اجتماعات متتالية، نفذ ثلاث عمليات بالخفض في اجتماعات يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول لتقف حالياً عند مستوى يتراوح بين 1.50 و1.75 بالمائة.

وقام الفيدرالي بضخ سيولة بمليارات الدولارات خلال عام 2019 من أجل ضمان بقاء معدل الفائدة ضمن النطاق المستهدف عبر اتفاقيات إعادة الشراء "الريبو لليلة واحدة".

كما أن المركزي الأوروبي نفذ عملية خفض في معدل الفائدة على الودائع أكثر داخل النطاق السالب، مع إعلان العودة مجدداً لبرنامج شراء الأصول بوتيرة شهرية 20 مليار يورو والاستمرار هكذا طالما الوضع يتطلب ذلك.

ومع الذعر حيال وقوع ركود اقتصادي عالمي، اتبع السلوك نفسه حوالي 53 بنكاً مركزياً في كافة الأسواق المتقدمة والناشئة على حد سواء، لتكون النتيجة 137 عملية خفض في مجمل عام 2019 حتى نهاية 19 ديسمبر/كانون الأول.

وعند الحديث عن خفض الفائدة، لا يمكن عدم الإشارة إلى تركيا والتي قلصت معدل الفائدة بنحو 1200 نقطة أساس (12 بالمائة) ليتراجع من 24 بالمائة في عام 2018 إلى 12 بالمائة مع الاجتماع الأخير لعام 2019.

وفي الوقت نفسه خفض البنك المركزي في مصر معدل الفائدة بنحو 4.5 بالمائة كما أقر البنك المركزي في أوكرانيا تقليص الفائدة بنسبة 4 بالمائة طوال العام.

وتحركت الصين هذا العام لتحريك معدلات الفائدة على تسهيلات الإقراض وكذلك على القروض الأساسية.

وكل التحركات السابقة من قبل البنوك المركزية حول العالم تعني العودة من جديد إلى عصر "الأموال الرخيصة"، والتي تعني حرفياً القروض الممنوحة بمعدلات فائدة منخفضة للغاية أو بنفس معدل الفائدة الذي يحدده البنك المركزي.

ماذا عن الاستثناءات؟

وبطبيعة الحال يوجد استثناء في كل أمر، حيث قامت 9 بنوك مركزية بإقرار 19 عملية رفع بالفائدة هذا العام اعتماداً على ظروف اقتصادية خاصة بكل دولة على حدة، مع حقيقة أن هناك ثلاثة مصارف اتبعت كلا الأمرين.

وبغض النظر عن أن باكستان سجلت أكبر وتيرة زيادة في معدل الفائدة هذا العام والتي بلغت 325 نقطة أساس، إلا أن السويد كانت الحالة الأكثر شهرة مع تحريكها معدل الفائدة (25 نقطة أساس) إلى مستوى صفر؛ لتنهي بذلك خمس سنوات من البقاء تحت مظلة معدلات الفائدة السالبة.

يذكر أن هناك أربع دول حول العالم لا تزال تتبع نظام معدل الفائدة السالبة وهما اليابان (-0.1 بالمائة) وسويسرا (-0.75 بالمائة) ومنطقة اليورو (-0.5 بالمائة) والدنمارك (-0.75 بالمائة)، مع العلم أن الفائدة في آخر حالتين على الودائع.

مصيدة الفائدة المنخفضة؟

وبالعودة بالزمن للوراء، نجد أن الأزمة المالية العالمية دفعت البنوك المركزية إلى إتباع سياسات تيسيرية للغاية في مسعى لتحفيز الاقتصاد عبر تقليص معدلات الفائدة وبالتالي حث البنوك على استخدام أموالها في قروض للأفراد والشركات تجعل عجلة الاقتصاد تدور من جديد.

لكن محاولة البنوك المركزية الكبرى للخروج من تلك الدائرة أو الوظيفة التي حملتها على عاتقها، من خلال الابتعاد رويداً عن السياسات التحفيزية والتحول للنهج الحذر، وخاصةً في عام 2018، صاحبه إشارات بشأن ضعف النمو الاقتصادي تزايدت يوماً بعد يوم.

ويجدر الإشارة إلى أن عام 2018 كان شاهداً على قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع معدل الفائدة 1 بالمائة (100 نقطة أساس) في غضون أربع اجتماعات متفرقة.

ماذا عن البديل؟

وبفعل هذه الأوضاع الحذرة والقلق المتنامي، وفي ظل بيئة معدلات الفائدة التي تقف عند مستويات منخفضة بالفعل، باتت الأصوات تنادي بضرورة اللجوء إلى البديل والمتمثل في السياسة المالية عبر تعزيز الإنفاق الحكومي لمساندة البنوك المركزية الكبرى في الابتعاد عن ضغوط الركود.

وتشير "بلاك روك"، وهي أكبر شركة لإدارة الأصول حول العالم، إلى أنه بمقدور السياسة المالية تأدية مهام حيوية عندما تصبح السياسة النقدية غير كافية.

إلى أين سنتجه؟

ومع اقتراب 2019 من النهاية، كانت هناك تطورات إيجابية على الصعيدين التجاري والسياسي، حيث تم التوصل إلى اتفاق مبدئي فيما يتعلق بالأوضاع التجارية المشتعلة بين الولايات المتحدة والصين كما أن مأزق البريكست يستعد للخطوات الأخيرة في بداية العام الجديد.

وساهم التخلص من غيوم تلك الأزمتين، على حد وصف الخبير الاقتصادي محمد العريان، في ترك انطباع إيجابي داخل الأسواق العالمية، إضافة إلى توقعات متفائلة بعودة التعافي في النمو الاقتصادي مع الوصول للحد الأدنى في بداية 2020.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن الفيدرالي ألمح إلى وقف مؤقت في عمليات تحريك معدل الفائدة مع إشارات تعافي الاقتصاد الأمريكي، لكن منحنى "دوت بلوت" يشير لعدم زيادة الفائدة في 2020.

كما أن رئيسة المركزي الأوروبي "كريستين لاجارد" ترى أن معدلات الفائدة ستظل متدنية كما هي عند مستوياتها الحالية أو عند مستويات أقل حتى يشهد التضخم تحسناً.

وبحسب توقعات صادرة عن الاقتصاديين في وكالة بلومبرج لعام 2020، من المتوقع أن يثبت الفيدرالي الفائدة عند نطاق يتراوح بين 1.50 إلى 1.75 بالمائة حتى نهاية العام الجديد.

كما يتوقع أن تظل الفائدة على الودائع عند -0.5 بالمائة في المركزي الأوروبي وكذلك اليابان عند -0.1 بالمائة مع إبقاء بنك إنجلترا سياسته النقدية كما هي من خلال تثبيت الفائدة عند مستوى 0.75 بالمائة.

ورغم توقعات إبقاء معدل الفائدة في كندا عند 1.75 بالمائة لكن يتوقع أن تواصل الصين خفض الفائدة على معدل الريبو العكسي (عمليات إعادة الشراء لمدة 7 أيام) من 2.50 إلى 2.35 بالمائة.

كما يتوقع أن يخفض المركزي الهندي معدل الفائدة من 5.15 إلى 4.7 بالمائة بحلول نهاية عام 2020 مع تقليص الفائدة في روسيا بنحو 25 نقطة أساس إلى 6 بالمائة لكن من المتوقع أن تظل الفائدة في البرازيل ثابتة عند 4.5 بالمائة.

ومن المحتمل أن تخفض جنوب أفريقيا الفائدة إلى 6.25 بالمائة بنهاية العام الجديد مقارنة مع مستواها الحالي البالغ 6.5 بالمائة، وكذلك المكسيك الفائدة من 7.25 إلى 6.5 بالمائة.

كما يتوقع أن يشهد معدل الفائدة في تركيا هبوطاً بنحو 100 نقطة أساس فقط طوال العام إلى 11 بالمائة، على أن تقلص أستراليا الفائدة من 0.75 بالمائة إلى 0.25 بالمائة.

ويجدر الإشارة إلى أنه في ظل التداعيات السلبية لتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، قررت وكالة موديز لخدمات المستثمرين خفض النظرة المستقبلية للبنوك العالمية في العام المقبل إلى سلبية بدلاً من مستقرة.