TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

جهود مصرية لحظر أكياس البلاستيك في ظل وباء كورونا

جهود مصرية لحظر أكياس البلاستيك في ظل وباء كورونا
تلويث المخلفات البلاستيكية للمسطحات المائية يضر بصور الحياة البحرية والنظم البيئية وسلاسل الغذاء

القاهرة – مسلم علي: نستخدم جميعًا الأكياس البلاستيكية بشكل يومي وخاصة عند التسوق، وتشير إحصاءات الصندوق العالمي للطبيعة إلى أن خمسة وعشرين دقيقة هو متوسط مدة استخدام الأكياس البلاستيكية، تتحول بعدها إلى مخلفات، ويحتاج الكيس الواحد لنحو عشرين عامًا لكي يتم تحلله بشكل طبيعي، فيما تصل المدة اللازمة لتحلل بعض أنواع الزجاجات والأكواب البلاستيكية إلى 400-500 عامًا، لأن البلاستيك رغم سهولة وشيوع استخدامه يتكون من مواد عضوية مصنعة من مشتقات البترول.

ويخلق الاستخدام المفرط للمواد البلاستيكية أطنانًا من المخلفات غير الصديقة للبيئة ينتهي بها المسار إلى تلويث المسطحات المائية، ما يضر بصور الحياة البحرية والنظم البيئية وسلاسل الغذاء وهو ما يؤثر سلبًا على صحة الإنسان.

 

كورونا تخلق تحديًا جديدًا

وجاء الواقع الجديد الذي فرضه التعامل مع جائحة كورونا، ليشكل ما اعتبره البعض فرصة لتعافي الطبيعة واستعادة التوازن البيئي، مع تراجع استهلاك مصادر الطاقة وخاصة الوقود، وما نتج عن ذلك من انخفاض مؤقت للانبعاثات الملوثة للجو والمسببة للتغير المناخي.

ولكن هذه المتغيرات حملت في طياتها تحديًا بيئيًا؛ تمثل في زيادة المخلفات الناتجة عن الارتفاع الكبير في استخدام أدوات الحماية الشخصية مثل الكمامات والقفازات الطبية، وكذلك الأكياس وأدوات المائدة المصنوعة من البلاستيك، والتي تصنف ضمن ما يسمى بالبلاستيك ذي الاستخدام الواحد أو أحادي الاستخدام.

 

جهود مجتمعية وإطار تشريعي جديد

وتعمل العديد من منظمات المجتمع المدني في مصر على زيادة الوعي البيئي وتحسين إدارة المخلفات، ومحاولة توفير بدائل أكثر استدامة. كما أعلنت وزارة البيئة المصرية أواخر العام الماضي عن وضع خارطة طريق للتقليل من انتشار البلاستيك أحادي الاستخدام مع صدور تشريع جديد ينظم إدارة المخلفات وهو القانون رقم 202 لسنة 2020، والذي يحدد ضوابط وشروط تصنيع واستيراد وتداول الأكياس البلاستيكية.

ويقول علي أبو سنة، مساعد وزيرة البيئة المصرية للمشروعات، إن المادة 27 من القانون تنص صراحة وللمرة الأولى في مصر على إمكانية حظر الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، موضحًا قرب البدء في تطبيق ذلك مرحليًا مع توفير البدائل، حيث توقع صدور اللائحة التنفيذية للقانون خلال شهر مايو المقبل. كما أشار إلى أن وزارة البيئة تقوم حاليًا بالتنسيق اللازم مع الوزارات المعنية، حيث تدرس مع وزارة المالية فرض رسوم على أكياس البلاستيك وتقديم الدعم لمنتجي البدائل صديقة للبيئة، والذي قد يتضمن إعفاءات ضريبية، فيما يسمى بالحوافز الخضراء.

وفي مدينة الغردقة الساحلية، ساهمت جهود وتوصيات جمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر (هيبكا)، في إصدار محافظ البحر الأحمر في أبريل 2019 قرارًا يقضي بمنع الأكياس والأدوات البلاستيكية أحادية الاستخدام في جميع المنشآت التجارية والسياحية مع فرض غرامة على من يخالف القرار وإمكانية غلق المنشأة حال تكرار المخالفات.

وتقول مريم الصادق، مسؤول التعليم والتوعية والتواصل في هيبكا، إن المحافظة شهدت مع بداية تطبيق القرار في يونيو 2019 التزامًا من الجميع باستخدام البدائل الصديقة للبيئة، مثل الأكياس الورقية والقماشية، ولكن ذلك الالتزام تراجع كثيرًا بمرور الوقت، مطالبة بالعودة إلى تطبيق القرار والالتزام بفرض غرامات على المخالفين.

كما تخطط الجمعية حاليًا، بحسب ما ذكرت مريم، للتعاون مع المتاجر لوضع حلول وبدائل علمية ذات جدوى اقتصادية بعد دراسة حجم استخدامها للبلاستيك، وزيادة وعي المواطنين بالبدائل المصنعة من الورق والقماش والخشب، مع استمرار جهود الجمعية في تنظيف الشواطئ وإزالة المخلفات من البحر بالتعاون مع الصيادين والمتطوعين.

وتعليقًا على ذلك، قال مساعد وزيرة البيئة إن البدء في تطبيق القانون الجديد سيعزز الالتزام بتلك الضوابط على مستوى الجمهورية في جميع المحافظات، خاصة مع إنشاء جهاز تنظيم إدارة المخلفات، والذي يتبع الوزارة ويشكل الجهة الرقابية والمنظمة للقطاع، كما يعني بتنظيم وتأهيل وحماية العاملين في جمع وإدارة المخلفات، فيما كانت مسؤولية القطاع في السابق موزعة على جهات مختلفة.

ومن الغردقة إلى الإسكندرية، يقول عبد القادر الخليجي الشريك المؤسس لمبادرة "بانلاستيك مصر" وهي شركة ذات مسؤولية مجتمعية، إن جائحة كورونا تمثل فرصة لزيادة الوعي بأهمية الأدوات الشخصية القابلة لإعادة الاستخدام مع الحرص على تجنب انتقال العدوى، حيث يمكن للمتسوق أن يستخدم الأكياس القماشية أو الورقية الخاصة به عند التسوق، بل واستخدام كوبه الخاص عند تناول مشروبًا في أحد المقاهي، كما يدعو عبد القادر إلى تقليل الاعتماد على الكمامات أحادية الاستخدام واستبدالها بأخرى يمكن استخدامها أكثر من مرة.

 

خطر المخلفات البلاستيكية

وشهدت الأعوام الماضية زيادة الوعي العالمي بضرورة تحسين التعامل مع المخلفات البلاستيكية، لتجنب آثارها السلبية التي قد تمتد إلى الأجيال القادمة، حيث يقدر ما تحتويه المحيطات حاليًا من المخلفات البلاستيكية بأكثر من 300 مليون طن، بحسب إحصاءات الصندوق العالمي للطبيعة، وهو قدر هائل من المخلفات يزداد سنويًا بنحو 8 ملايين طن، بما يعادل إلقاء حمولة شاحنة كبيرة من المخلفات البلاستيكية في المحيط كل دقيقة، وهو ما قد يؤدي بحلول عام 2050 حال استمرار تزايده إلى تجاوز وزن المخلفات البلاستيكية في المحيطات ما تحتويه من الأسماك.

ويشكل وصول المخلفات البلاستيكية إلى مياه الأنهار والبحار خطرًا على التوازن البيئي، بل وعلى الكائنات البحرية التي قد تأكلها بما يتسبب أحيانًا في اختناقها وموتها، كما تتسرب جزيئات دقيقة من البلاستيك إلى طعام الإنسان في صور مختلفة فيما يشكل خطرًا على الصحة العامة.

وتطالب مريم الصادق، الحاصلة على بكالوريوس علوم البحار من جامعة قناة السويس، بدراسة استخدام المواد الصديقة للبيئة والقابلة للتحلل على نطاق أوسع من قبل المنتجين لتقليل المخلفات البلاستيكية، مع ضرورة تحسين التعامل مع المخلفات بتجنب حرقها الذي يؤدي إلى انبعاثات ضارة، مشيرة إلى إجراء جمعية المحافظة على البيئة بالبحر الأحمر دراسة علمية ساهمت بالتعاون مع الجهات الرسمية في تحديد موقع مدفن آمن ثان بالمحافظة للتعامل مع النفايات وتجنب أخطارها البيئية، وكذلك التخطيط لتعديل تصميم شاحنات جمع القمامة لتتضمن آليات للتعقيم في ظل جهود مواجهة فيروس كورونا.

وتشرح مريم سبل التقليل من المخلفات البلاستيكية في أربع خطوات، أولها الامتناع عن استخدام المواد البلاستيكية عند وجود بدائل، فيما تتمثل الخطوة الثانية في تقليل وترشيد الاستخدام، وهو ما يتحقق كذلك بالخطوة الثالثة وهي إعادة الاستخدام، وأخيرًا الحرص على إعادة التدوير.

 

تجارب ناجحة

ورغم أن البعض قد يتصور خطأ أن الكمامات الطبية تتكون من القماش أو الورق، فإنها عادة ما تتكون بنحو 50 بالمائة من البلاستيك، فيما يصنع كلا من الحامل الأذني والشريط الصلب من البلاستيك كليًا، ما يجعل المواد البلاستيكية تشكل نحو 70 بالمائة من مكونات الكمامة الطبية التقليدية، بحسب ما تشرح كيرستين كوشتا، الباحثة بمجال إدارة موارد المخلفات في جامعة هامبورج الألمانية، في تقرير دويتشه فيله الإلمانية.

ولا تبدو إعادة التدوير الخيار الأول الذي يرد إلى الأذهان عند التعامل مع الكمامات الطبية لما قد تحتويه من جراثيم أو فيروسات، ولكن ثمة تجربة تثبت عكس ذلك. حيث تقوم شركة ناشئة في فرنسا تسمى بلاكستيل بإعادة تدوير آلاف الكمامات منذ العام الماضي في عملية تضمن معايير الصحة والسلامة وتتنج العديد من المواد ذات النفع، بدلًا من إلقاء الكمامات المستعملة أو التخلص منها بصورة غير سليمة في مشهد بات شائعًا حول العالم.

حيث تقوم بلاكستيل بجمع الكمامات في سلات خاصة وعزلها لمدة أربعة أيام قبل طحنها لأجزاء صغيرة، ثم تتعرض لضوء الأشعة فوق البنفسجية لضمان تعقيمها، وبعد ذلك تضاف مادة لاصقة لتكوين عجين يمكن تشكيله تمامًا كما هو الحال مع خام البلاستيك، مع التركيز حاليًا على تصنيع منتجات طبية تستخدم بالأساس في مواجهة فيروس كورونا مثل دروع الوجه البلاستيكية، بحسب تقرير فرانس 24.

وتلفت تلك التجربة إلى وجود جدوى اقتصادية من تحسين التعامل مع المخلفات، ويروي عبد القادر تجربة شبيهة في الإسكندرية، فبجانب نشاط حماية البيئة والتوعية، تعمل شركة "بانلاستيك" على إنتاج بدائل لمنتجات البلاستيك أحادية الاستخدام، وتقوم باستغلال مخلفات لافتات الدعاية والإعلان في تصنيع منتجات صديقة للبيئة مثل الحقائب وغيرها، كما ساهمت في إعادة إحياء صناعة الكليم اليدوي في مدينة فوة بمحافظة كفر الشيخ عن طريق إعادة تدوير مخلفات الأقمشة.

 

نظرة إلى المستقبل

وأوضح أبو سنة أن عام 2019 شهد إقرار استراتيجية قومية تهدف لزيادة معدل تدوير المخلفات المنزلية إلى مستوى 60-80 بالمائة مقارنة بنحو 30 بالمائة حاليًا، وهو ما يتوقع تحقيقه بحلول عام 2025 مع استكمال البنية التحتية اللازمة من محطات وسيطة لفرز المخلفات ومصانع لإعادة التدوير ومدافن آمنة للنفايات، والذي يقول إنه سيتم بشراكات مع القطاع الخاص، مشيرًا كذلك إلى أن العمل يمتد ليشمل التعامل مع مخلفات الهدم والبناء، وكذلك المخلفات الطبية بالتعاون مع وزارة الصحة.

تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد العالمي يخسر سنويًا ما قيمته 80-120 مليار دولار سنويًا من هدر مواد التغليف والتعبئة البلاستيكية، والتي لا يعاد تدوير أكثر من 14 بالمائة منها، وبحساب تكلفة الفرز والمعالجة، فإن إجمالي القيمة التي تعود للاقتصاد العالمي تقدر بنحو 5 بالمائة فقط من الكلفة الإجمالية، طبقًا لتقرير منتدى الاقتصاد العالمي الصادر في يناير 2016.

ويشير التقرير إلى تشكل رؤية مستقبلية تهدف إلى تجنب تحول أية مواد بلاستيكية إلى مخلفات مع زيادة التدوير وإعادة الاستخدام كمواد أولية، بما يسمح باستمرار قيمتها المضافة في إطار ما يسمى بـ"الاقتصاد الدوار"، وهو ما يعظم من العائد الاقتصادي تزامنًا مع مراعاة البعد البيئي، وهو ما يمكن كذلك بالنظر إلى ما سلف عرضه من نماذج أن يتوازى مع جانب اجتماعي يتمثل في تعظيم مشاركة المجتمعات المحلية في تطبيق الحلول البيئية وسياسات التنمية المستدامة.

 

* فاز هذا المقال بجائزة المركز الأول في مسابقة صحافة التنمية المستدامة برعاية شركة لافارج مصر