مباشر - محمد فاروق: مما لا شك فيه أن مسألة التصنيف الائتماني للدول أمر يهم الحكومات والساسة وخبراء الاقتصاد؛ نظراً لأهمية عملية التصنيف من الوكالات والمؤسسات العالمية المُعتمدة في هذا المجال وانعكاسها على الوضع الداخلي والخارجي لأي دولة تكون محل التصنيف.
وتقوم عملية التصنيف الائتماني على عدة معايير أبرزها الوضع المالي للدولة، مناخ الاستثمار، الحوكمة والقدرة التنافسية وتوقع النظرة المُستقبلية، بالإضافة إلى مراقبة عملية الإقراض والاقتراض وحجم الدين، والإيرادات والمصروفات بمصادرها المختلفة، ومتابعة مشاريع البنية التحتية في كل دولة.
وتُعد درجة التصنيف (AAA) هي الأفضل لأن الحاصل عليها يكون مؤهلاً لسداد قروضه دون صعوبات، بينما درجة التصنيف (D) تعني أن الجهة المُصنفة بهذه الدرجة ليست قادرة على سداد الدين، كما يُستخدم هذا التقييم في حالة الإفلاس أيضاً.
من بين وكالات ومؤسسات التصنيف الائتماني المُعتمدة عالمياً، هناك 3 مؤسسات شهيرة تُؤخذ بعين الاعتبار للتصنيفات التي تصدرها وهي "موديز"، و"فيتش"، و"ستاندرد آند بورز".
"موديز" تخفض تصنيف الكويت تحت وطأة "كورونا" وهبوط النفط
في العام الماضي (2020)، شهدت دولة الكويت تقييمات متفاوتة على مدار العام؛ نظراً للتغيرات التي طرأت على العالم ابتداءً من النزاع التجاري العالمي والحروب السياسية الدائرة في المنطقة، فيما كان الحدث الأبرز خلال العام هو جائحة فيروس كورونا التي ضربت كافة أرجاء المعمورة.
وكالة موديز للتصنيف الائتماني قالت في مطلع العام الماضي إن اقتصادات الخليج تقع تحت ضغوط عديدة أبرزها تباطؤ عملية الإصلاح المالي وضعف النمو وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، بالإضافة إلى انخفاض العوائد النفطية التي تُعد عصب الاقتصاد لدول الخليج وخاصة الكويت التي يعتمد اقتصادها بنسبة 90% على النفط.
وذكرت "موديز" أن ميزانية الكويت التي تواجه ضغوطاً كبيرة دفعت الحكومة إلى اللجوء لصندوق الأجيال القادمة لتمويل العجز الناجم عن تراجع انخفاض إيرادات النفط.
وأكدت الوكالة تصنيف الكويت الائتماني في مطلع 2020 عند الدرجة (Aa2) مدعوماً بقوة اقتصاد الدولة النفطية عند مستوى (a2)، والناتج عن المستويات الاستثنائية للثروة المرتفعة للكويت والاحتياطيات النفطية الكبيرة، مبينة أن التصنيف المؤسسي وقوة الحوكمة في الكويت عند مستوى (baa2)، يدعمه إطار السياسة النقدية الموثوقة، والرقابة القوية على النظام المصرفي.
لكن مع بدء ذروة جائحة كورونا في الكويت في أواخر النصف الأول تزايدت حالة عدم اليقين بالنظر إلى عاملين مهمين، الأول، يتمثل في الانخفاض الكبير في الإيرادات الحكومية للكويت والناتج عن الهبوط الحاد في أسعار النفط. أما العامل الثاني، فيتمثل في ضعف الحكومة في قدرتها على الوصول إلى مصادر تمويل كافية في وقت زادت فيه احتياجاتها بشكل ملحوظ.
العوامل السابقة، دفعت وكالة "موديز" إلى الإعلان عن وضع تصنيف الكويت الائتماني "تحت المراجعة تمهيداً لخفض التصنيف السيادي"، وذلك بعد أن تعرضت الكويت بشكل مباشر خلال عام 2020 إلى تأثير تغييرات أسعار النفط بنسبة تصل إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي، لتحتل المرتبة الثانية بعد العراق التي بلغت النسبة لديها 6.8%.
وبالفعل، قامت "موديز" أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، بتخفيض التصنيف السيادي للكويت بواقع درجتين من (Aa2) إلى (A1)، مع تغيير النظرة المستقبلية إلى "مستقرة"، مشيرة آنذاك إلى أن هذا القرار يعكس زيادة مخاطر السيولة الحكومية، وتقييماً أضعف للقوة المؤسساتية ومعايير الحوكمة في الكويت.
لكن الوكالة عادت أواخر عام 2020، لتؤكد أن تقييمها للاقتصاد الكويتي عند مستوى (A1) مع نظرة مستقبلية "مستقرة" يعتبر تصنيفاً قوياً مع الأخذ في الاعتبار مستويات الثروة العالية بشكل استثنائي واحتياطيات الهيدروكربونات الكبيرة. إلا أن "موديز" أشارت إلى تباطؤ الكويت عن نظيراتها الإقليمية في تطوير قطاعات الأعمال غير النفطية والخاصة.
"فيتش": تصنيف الكويت عند (AA) سيبقى الأعلى لعدة سنوات
أما وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، لم تكن نظرتها تجاه الكويت في بداية عام 2020 مختلفة كثيراً عن وكالة "موديز"، حيث أكدت "فيتش" في مطلع العام أن تراجع أسعار النفط سيوسع العجوزات المالية في دول الخليج بشكل كبيرة، وخاصة دولة الكويت التي تعتمد على الاقتصاد النفطي؛ مما سيُفاقم العجز المالي لدى تلك الدول ومن ثم سيكون هناك اعتماد كبير على الصناديق السيادية وإصدار سندات الدين لتمويل هذا العجز.
ومع تفاقم جائحة فيروس كورونا وبدء تفشيها في الكويت، ذكرت "فيتش" أن المؤشرات المالية والخارجية للكويت شديدة الحساسية للتغيرات في أسعار ومستويات إنتاج النفط، مشيرة إلى أن تغير متوسط سعر برميل النفط بنحو 10 دولارات للبرميل عن مستوى الافتراضات الأساسية من شأنه أن يغير من رصيد الموازنة العامة بنحو 9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقامت "فيتش" في مطلع أبريل/نيسان 2020، بتأكيد التصنيف الائتماني السيادي للكويت عند الدرجة (AA) مع نظرة مستقبلية "مستقرة"، موضحة بأن الأوضاع المالية والخارجية القوية بشكل استثنائي للكويت تمثل نقاط القوة لتصنيفها الائتماني السيادي، يقابلها بشكل متزايد العجز المؤسساتي والبطء في معالجة تحديات تمويل الموازنة العامة الناشئة عن الاعتماد الكبير على النفط.
وقدرت الوكالة صافي الأصول السيادية الخارجية التي تديرها الهيئة العامة للاستثمار في الكويت آنذاك بنحو 529 مليار دولار، أو ما نسبته 472% من الناتج المحلي الإجمالي وهو الأعلى بين الدول المصنفة من قبل "فيتش".
لكن الوكالة على الرغم من ذلك، توقعت أن تسجل الموازنة العامة للكويت عجزاً مالياً بنحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي نحو 7.3 مليار دينار في السنة المالية 2021/2020، ما يعكس الافتراضات الأساسية للوكالة بأن يصل سعر خام برنت نحو 35 و45 دولاراً للبرميل في عامي 2020 و2021 على الترتيب.
وفي بداية الربع الثالث من العام الماضي، توقعت "فيتش" أن تتمكن الكويت من تجاوز العقبات السياسية التي تقف حائلاً أمام إصدار قانون الدين العام الجديد، وتوفير التمويل السلس للحكومة على الرغم من استنفاد سيولة الاحتياطي العام، موضحة آنذاك أن تصنيف الكويت عند (AA) سيبقى أعلى بكثير من متوسط التصنيفات السيادية للدول المصنفة بهذه الدرجة لسنوات عديدة قادمة.
"ستاندرد آند بورز": الاقتصاد الكويتي يستجمع زخمه اعتباراً من 2022
ثالث كبرى مؤسسات التصنيف الائتماني عالمياً، ستاندرد آند بورز، قامت بعدة تقييمات خلال عام 2020، ولم تخلُ القائمة بطبيعة الحال من دولة الكويت. حيث ثبتت الوكالة في مطلع العام الماضي التصنيف الائتماني السيادي للكويت عند المرتبة (AA) مع نظرة مستقبلية مستقرة.
وأكدت "ستاندرد آند بورز" أن اقتصاد الكويت سيبقى مُعتمداً على النفط لسنوات عديدة ما لم يحدث تغيير جذري في السياسة الاقتصادية العامة للدولة النفطية، وأن مسألة رفع التصنيف السيادي للكويت "ممكناً" لكن في حال نجاح الإصلاحات، مؤكدة أن ذلك الأمر لن يحدث قبل عام 2023.
ومع تفشي فيروس كورونا عالمياً، وبعد الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الكويت لتقليص تداعيات هذه الجائحة، قالت "ستاندرد آند بورز" إن الكويت أظهرت مرونة كبيرة في التعامل مع الجائحة وكانت سباقة في المواجهة قبل العديد من جيرانها في المنطقة.
لكن الوكالة قالت إن الموازنة الكويتية في حاجة إلى سعر تعادل للنفط يُقدر بـ 61 دولاراً للبرميل؛ لتحقيق توازن في ميزانية عام 2020، ونحو 60 دولاراً للبرميل في عام 2021، وذلك قبل التحويل الإلزامي لحصة الـ 10% من إجمالي الإيرادات لصندوق احتياطي الأجيال المقبلة وباستبعاد دخل الاستثمارات الحكومية.
كما أكدت الوكالة أن الكويت تظهر قوة واضحة لاجتياز الصدمات من حيث توافر الاحتياطيات لتغطية الأساس النقدي ومدفوعات الحساب الجاري على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وقالت "ستاندرد آند بورز" إن صافي الوضع الدائن الخارجي للكويت سيصل إلى نحو 600% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية عام 2020، من بين أقوى الدول التي حصلت على نفس التصنيف الائتماني.
وتوقعت الوكالة في أواخر يوليو/تموز الماضي، أن يسجل الحساب الجاري لميزان المدفوعات الكويتي عجزاً بنحو 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 مقارنة بفائض بنحو 16.4% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2019، مما يعكس أسعار النفط وديناميكيات كميات الإنتاج، متوقعة أن يعاود رصيد الحساب الجاري تسجيل فائض بنحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للكويت بحلول عام 2023.
وقرابة نهاية عام 2020، توقعت "ستاندرد آند بورز" عودة التعافي ليستجمع الاقتصاد الكويتي زخمه اعتباراً من عام 2022، بالإضافة إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المتوسط ليبلغ 7% خلال عامي 2022 و2023.
ترشيحات:
11 مليار دينار عجزاً متوقعاً في موازنة الكويت للعام 2021/202011
أداء سلبي لبورصة الكويت في 2020.. والقيمة السوقية تتراجع 9.6%
مُحلل: أداء بورصة الكويت في 2020 تأثر بجائحة "كورونا".. والقادم أفضل
"المركزي": بنوك كويتية تحصل على "الآيزو" لنظم إدارة أمن المعلومات
بورصة الكويت تعطل أعمالها اليوم بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة