مباشر - سالي إسماعيل: كانت القفزة الأخيرة في المعروض النقدي الواسع ملحوظة، ولكن هذا يرجع بشكل أساسي إلى زيادة في احتياجات السيولة خلال فترة الإغلاق.
لكن احتمالات ارتفاع معدل التضخم خافتة، حيث إن الفرص الاستثمارية من المرجح أن تظل ضئيلة عندما تتراجع احتياجات السيولة.
وهناك بعد ذلك علاقة ضعيفة بين النقود والتضخم أيضاً، وفقاً لتقرير نشرته مجموعة "آي.إن.جي" الهولندية لكبير اقتصادي منطقة اليورو "بيرت كوليجن" والاقتصادي المتخصص في المالية الرقمية والتنظيم "تيونيس بروزينس".
إيجابيات أزمة كورونا - نمو النقود يصل لمستويات قياسية مرتفعة
ما لم يكن البنك المركزي الأوروبي قادراً على فعله لسنوات بسياسة نقدية استثنائية، قد حدث في غضون بضعة أشهر فقط من أزمة فيروس كورونا، وهو ما يتمثل في تسريع وتيرة نمو النقود.
وكانت سنوات من شراء الأصول ذو تأثير صغير نسبياً على كمية الأموال المتداولة في الاقتصاد.
وبالطبع، تسبب برنامج التيسير الكمي في زيادة نمو النقود ولكن بشكل أكثر وضوحاً في هيئة زيادة احتياطيات البنوك التجارية لدى القاعدة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي.
وتأثر المعروض النقدي الواسع "إم 3" بشكل قليل نسبياً، حيث ظل الطلب على الائتمان ضعيفاً، أو كما صاغه بعض النقاد، ظل التيسير الكمي عالقاً في النظام المالي وفشل في الوصول إلى الاقتصاد الحقيقي.
بيد أن أزمة فيروس كورونا قد غيرت الصورة بشكل تام.
ومنذ تشكيل منطقة اليورو، لم تكن هناك زيادة شهرية كهذه في المعروض النقدي الواسع كما شهدنا خلال مارس/آذار، مع حقيقة أن شهري أبريل/نيسان ومايو/آيار من بين الأشهر التي سجلت أسرع وتيرة نمو في المعروض النقدي الواسع على الإطلاق، هل هذا يعني أن تضخم أسعار المستهلكين احتمال قائم؟
نمو المعروض النقدي الواسع في منطقة اليورو - (المصدر: مجموعة "آي.إن.جي")
دعونا نحلل ما حدث خلال الأشهر الأخيرة
تُعد الزيادة المفاجئة في المعروض النقدي الواسع نتيجة لأزمة فيروس كورونا، حيث تركت عمليات الإغلاق الشركات تكافح من أجل السيولة مع إيرادات منخفضة واستمرار ارتفاع التكاليف.
وقامت الحكومات بتوفير مساعدات السيولة بصورة رئيسية في شكل تأجيل الضرائب ودعم الدخل للشركات والمستهلكين.
ويعتبر حوالي نصف الزيادة الملحوظة في ودائع الأسر والشركات بالبنوك في منطقة اليورو ذو صلة بتدابير الدعم تلك.
ويأتي النصف الآخر عبر زيادة قروض البنوك، والتي تكون بدورها مدعومة بخطط ضمان حكومية سخية ومستحدثة بشكل سريع.
وصعدت ودائع الأسر والشركات بنحو 529 مليار يورو في الفترة من مارس/آذار الماضي وحتى مايو/آيار الماضي، في حين أن القروض لكلاهما نمت بنحو 256 مليار يورو، وهذا أيضاً رقماً قياسياً.
وهذا بالتالي، ليس الارتفاع المعتاد في المعروض النقدي الواسع والذي قد يؤدي إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي وتسارع التضخم.
بل على العكس تماماً، يبدو أن هذه زيادة مرتبطة بشكل أساسي بتخزين السيولة والإدخار التحوطي وتأجيل الإنفاق وإلغائه.
ويكمن السبب الرئيسي وراء ذلك في عمليات الإغلاق وحالة عدم اليقين.
وفي الواقع، أشار أحدث مسح صادر عن البنك المركزي الأوروبي حول الإقراض المصرفي إلى أن الطلب على القروض لأغراض الاستثمار آخذ في الانخفاض، وهو أمر منطقي بالنظر إلى عمق الاتجاه الهبوطي في الاقتصاد وعدم اليقين السائد.
محركات المعروض النقدي الواسع في منطقة اليورو - (المصدر: مجموعة "آي.إن.جي")
ألن يكون لكل هذه الأموال تأثير ملموس على الاقتصاد؟
من المرجح أن تتلاشى الزيادة المفاجئة في الودائع الآن بعد أن تم تخفيف عمليات الإغلاق بشكل تدريجي.
ومع عودة فتح الاقتصاد، من المرجح أن تتراجع احتياجات السيولة الطارئة للشركات، كما سينخفض الطلب على قروض البنوك ويمكن للحكومات تحويل تركيزهم بعيداً عن دعم السيولة.
وبمرور الوقت، سيتم دفع تأجيلات الضرائب كما سيتم سداد القروض، ومن شأن ذلك أن يقلل من الودائع في النظام وبالتالي المعروض النقدي الواسع "إم 3".
وبالتالي، فإن الزيادة في المعروض النقدي تبدو وكأنها ذو طابع مؤقت.
ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تكون الشركات، وخاصة المؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم، قادرة على سداد القروض الإضافية على الفور، لأن العائد المفقود لن يتم استرداده إلا بوتيرة بطيئة، وبالنسبة لبعض القطاعات لن يتم استرداده نهائياً.
ويعني ذلك أن السيولة التي قدمتها الحكومات والمصارف خلال فترة الإغلاق ستبقى داخل النظام لبعض الوقت، وجزئياً للأبد، طالما أن القروض والضرائب لن يتم سدادها أبداً وستكون هناك حاجة لشطبها.
وتعني القفزة الأخيرة أن كميات كبيرة من الأموال قد دخلت النظام ويمكن أن تبقى داخله لبعض السنوات، وهو ما يعني أن هناك احتمالية لوجود بعض الضغوط الصعودية على التضخم.
ويتمثل السؤال الهام المتعلق بالضغوط التصاعدية المحتملة على التضخم فيما الذي ستفعله الشركات بالأموال الإضافية المتواجدة داخل البنوك بمجرد تلاشي الحاجة الفورية للسيولة.
أولاً، من المتوقع تلاشي مدخرات الشركات غير المالية المتزايدة التي ترجع إلى الضرائب المؤجلة في غضون الفصول القادمة، مع حلول موعد سداد الدفعات المؤجلة.
وإذا استخدمت الحكومات هذه الأموال لخفض عجز موازناتها، فإن هذه الأموال ستختفي من النظام.
ثانياً، إذا كانت هناك فرصة ضئيلة لاستثمار الأموال التي تم اقتراضها في الأساس بدوافع تحوطية، فسيكمن السيناريو المحتمل في أن تقوم الشركات بسداد هذه القروض لأننا لا نتوقع عودة الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات ما قبل الأزمة قبل حلول عام 2023.
ويترك ذلك مبالغ كبيرة من الطاقة الفائضة لفترة من الوقت قادمة، وهو ما يترجم بشكل عام إلى بيئة استثمار بطيئة.
وعلى الرغم من ظروف الاقتراض المواتية للغاية، سيكون هذا هو الخيار الأكثر منطقية، وهو ما سيؤدي بدوره لتدمير الأموال في النظام ويضع ضغوطاً هبوطية على نمو الأموال.
وسيبقى جزء بسيط من الزيادة في المعروض النقدي داخل النظام بشكل دائم، وهو الجزء الذي يعكس الضرائب والقروض التي لن يتم سدادها نهائياً مع انهيار الشركات والجزء الذي تقرر فيه الشركات الاستثمار فيه وعدم سداده.
ومن شأن ذلك أن يوفر بعض الضغوط التصاعدية على التضخم كما قد يشير الفكر الاقتصادي التقليدي.
ومن منظورنا - محللي "آي.إن.جي" – فإن هذا الجزء سيكون أصغر من أن يحدث فارق ملحوظ.
وبالنسبة للوقت الحالي، فإن المعروض النقدي الواسع "إم 3" أعلى تقريباً 3.5 بالمائة مقارنة مع المستويات التي كان سينمو بها قبل تفشي وباء "كوفيد-19".
لكن كذلك بسبب العلاقة بين نمو النقود والتضخم قد انهارت بشكل كبير في العقد الماضي، مع تلاشي الارتباطات البسيطة بين نمو النقود والتضخم.
وبشكل جزئي يُفسر ذلك من خلال شراء الأصول، ولكن العلاقة مع الإقراض المصرفي قد تراجعت كذلك.
ويشير ذلك إلى أن عوامل أخرى قد أصبحت ذو أهمية في تحديد التضخم أكثر من وفرة الأموال في النظام.
ومع إضافة قوى انكماشية إلى المزيج، فمن غير المحتمل أن تكون القفزة في المعروض النقدي ملحوظة للغاية في التضخم على مدى الفصول القادمة.