مباشر – أحمد شوقي: يواجه العالم سيلًا محتملًا من حالات تخلف عن سداد الديون في وقت تحتاج فيه حكومات الدول النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة في سبيل الحفاظ على صحة مواطنيها.
ولتجنب نتائج كارثية، ينبغي على صندوق النقد الدولي تنسيق تأجيل واسع النطاق لسداد الديون.
ويرى "بيري أوليفر" أستاذ الاقتصاد في جامعة "كاليفورنيا" عبر تحليل لموقع "بروجيكيت سينديكيت" أنه بدون تعليق شامل لسداد الديون، سيؤدي وباء كورونا إلى موجة غير منضبطة من التخلف عن سداد الديون السيادية، خاصة بين الاقتصادات الناشئة والنامية.
وإذا حدث ذلك، سوف تفشل الجهود العالمية لاحتواء أزمة الصحة العامة، وقد يتحول الانهيار الاقتصادي الحالي إلى تراجع دائم.
وتواجه الدول الغنية والفقيرة على حد سواء أزمة اقتصادية غير مسبوقة مع إغلاق الشركات وفقدان العمال لأجورهم، مما قد يؤدي إلى إحداث ضرر هائل طويل المدى، حيث تختفي الروابط الاقتصادية الحاسمة.
كما سيتم إغلاق عشرات الشركات بشكل دائم ما لم يتم اتخاذ إجراء عاجل، ولهذه الغاية أقر الكونجرس الأمريكي مؤخرًا حزمة إنقاذ بقيمة 2.2 تريليون دولار، في حين تدعم الدنمارك وكندا على سبيل المثال 75 بالمائة من رواتب العمال في الشركات الصغيرة والمتوسطة في بلدانهم.
وفي الوقت نفسه، وسعت الصين الائتمان وألغت ضرائب الرواتب، وأعلنت حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها حوالي تريليون دولار.
لكن "كوفيد-19" يطرح مشاكل أكبر للاقتصادات الناشئة مثل الهند والمكسيك حيث أنه في هذه الدول تكون التكاليف الاقتصادية للتباعد الاجتماعي أعلى مما هي عليه في الولايات المتحدة وأوروبا، وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الاحتياطيات النقدية المنخفضة حصة أكبر بكثير من الاقتصاد.
كما يكون لدى هذه البلدان أيضًا أنظمة رعاية صحية غير مستقرة، ويمكن أن تكون الأموال المطلوبة لدعم العمال والشركات الضعيفة وكذلك لعلاج مصابي كورونا، تصل إلى 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.
من أين سيأتي ذلك المال؟ يمكن لبعض الاقتصادات المتقدمة مثل الولايات المتحدة أن تقترض أكثر بتكلفة إضافية قليلة.
لكن بعض هذا التمويل يأتي من مستثمرين أجانب يسعون إلى الأمان المالي، وبعضه من مستثمرين أمريكيين يقومون بتصفية ممتلكاتهم الأجنبية.
وبعبارة أخرى، فإن التمويل الذي تحتاجه الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى يأتي جزئياً من دول مثل المكسيك.
والأكثر من ذلك، على عكس الأزمة المالية العالمية لعام 2008 يحتاج كل اقتصاد ناشئ ونامي الآن إلى الاقتراض في نفس الوقت بالضبط، لذا حتى لو كانت المكسيك قادرة على إصدار السندات، فإنها سوف تتنافس مع العديد من الدول الأخرى في نفس الوضع.
إنها حقيقة مؤسفة، لكن الدول ليس لديها أي مصدر آخر تقترض منه سوى البلدان الأخرى.
إذا تُركت الأسواق المالية لتفعل ما تريد، فستختار الفائزين والخاسرين، وسيكون الفائزون هم الدول التي لديها القدرة الكافية لإصدار سندات آمنة، وستكون قادرة اقتراض مبالغ ضخمة بمعدلات فائدة منخفضة للغاية.
أما الخاسرون سيتمثلون في الدول الشبيهة بالمكسيك حول العالم، وسوف تعاني مثل هذه البلدان على نحو مضاعف، حيث لن تكون غير قادرة على جمع الأموال للتعامل مع الأزمة فقط، ولكن رأس المال سيبتعد أيضًا، كما بدأ بالفعل، على وجه التحديد بسبب الاقتراض من قبل الولايات المتحدة والصين والدول الأوروبية.
لا عجب إذن أن أكثر من 90 دولة قد تواصلت بالفعل مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة مالية.
ومن شأن موجة من حالات التخلف عن سداد الديون، مع احتياج حكومات البلدان النامية إلى إنفاق مبالغ ضخمة للحفاظ على صحة مواطنيها واقتصاداتها من أجل دعم الحياة، أن يكون لها تكاليف بشرية واقتصادية هائلة وتقلل بشكل كبير فرص احتواء الوباء.
بالطبع، احتواء الفيروس في أي مكان يتطلب احتوائه في كل مكان، ولتجنب نتيجة كارثية، يحتاج العالم على وجه السرعة إلى عمل جماعي قوي.
ويقدر صندوق النقد أن احتياجات تمويل الاقتصادات الناشئة تبلغ 2.5 تريليون دولار، ورغم أن هذا الرقم يبدو أقل من الحقيقة فإن موارد البنك الدولي وصندوق النقد محدودة للغاية في الوقت الحالي.
ولذلك يجب متابعة الجهود الرامية إلى تعزيز القدرة المالية لصندوق النقد والبالغة تريليون دولار فقط حالياً.
في هذه الأثناء، يجب على صندوق النقد أن يعمل على درء الموجة القادمة من التخلف عن سداد الديون السيادية من خلال الوقف الاختياري الذي سيعلق جميع مدفوعات الديون السيادية للدائنين من القطاعين العام والخاص من قبل الاقتصادات الناشئة والنامية التي طلبت مثل هذا التجميد، وستبقى هذه التدابير قائمة حتى تمر الأزمة الصحية.
وتشير التقديرات إلى أن تعليق سداد الدين لمدة عام واحد يمكن أن يحرر ما يصل إلى تريليون دولار أو 3.3 بالمائة من الدخل المجمع للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ما يزيد بكثير عن 14 مليار دولار التي سيتم تحريرها من قبل التعليق المقترح لسداد ديون الدول الفقيرة فقط.
ومن شأن ذلك أن يقطع شوطاً طويلاً نحو مساعدة دول مثل المكسيك والهند على معالجة الأزمة الحالية.
ورغم أن البعض قد يعترض على أن وقف سداد الدين سيوقف معظم الإقراض الخاص لهذه الدول، فإن مثل هذه التدفقات الرأسمالية قد توقفت أو انعكست بالفعل.
وعلى الرغم أيضاً من أن الوقف الاختياري يمكن أن يحجب مثل هذه الدول عن أسواق رأس المال الدولية لفترة طويلة، فإن الأثر السلبي لذلك في هذا الموقف يجب أن تكون أقل بكثير، لأن تعليق سداد الدين سيُفرض نتيجة لوباء عالمي بدلاً من الإسراف المالي.
ويجب أن يساعد دعم صندوق النقد ذلك أيضًا، فمن المرجح أن يوافق الدائنون من القطاع الخاص على الوقف الاختياري لسداد الديون بمجرد أن يفهموا أن البديل هو عدد كبير من التخلف عن السداد غير المتحكم فيه، والذي لن يساعدهم في تحقيق مبتغاهم الأصلي.
ويحافظ تعليق سداد الديون على خيار تجنب إعادة هيكلة الديون الرسمية إذا تحسنت الظروف الاقتصادية بعد الوباء.
في الوقت الحالي يتم إصدار جزء كبير من هذا الدين السيادي بموجب القانون المحلي، والذي يمكن تعديله، لكن الدين الصادر بموجب القانون الأجنبي وبدون شروط العمل الجماعي هو أكثر إشكالية.
وفي هذه الحالة، يمكن تغيير قوانين الحصانة السيادية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة مؤقتًا للسماح للقضاة بإنهاء الدعاوى القضائية من المخالفين ضد الدول التي يشهد صندوق النقد بأنها غير قادرة على خدمة ديونها الحالية بسبب الوباء.
ومثل هذا الحل سيكون في المصلحة الاجتماعية والاقتصادية للدول الغنية أيضًا.
وخلال أزمة ديون أمريكا اللاتينية في الثمانينيات، استغرق الدائنون عشر سنوات تقريبًا للدخول في مناقشات جادة في إطار ما يسمى بخطة "برادي"، لكن هذه المرة يجب أن تكون مختلفة.
باختصار، هناك حاجة إلى تنسيق واسع النطاق لوقف مؤقت لمدفوعات الديون على الفور لتجنب عقد آخر ضائع أو عقدين في هذا العالم.