TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

العريان يتساءل: هل تخسر البنوك المركزية "الرهان الكبير"؟

العريان يتساءل: هل تخسر البنوك المركزية "الرهان الكبير"؟

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: في السنوات الأخيرة، راهنت البنوك المركزية أن الاستخدام الممتد لفترات طويلة من الإجراءات غير التقليدية قد يوفر جسراً فعالاً لمزيد من التدابير الشاملة التي ستولد نمواً اقتصادياً شاملاً ومرتفعاً إضافة للحد من مخاطر عدم الاستقرار المالي.

وتساءل كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة أليانز محمد العريان في رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت"، عما إذا كانت البنوك المركزية تخسر رهانها الكبير.

واضطرت البنوك المركزية مراراً لمضاعفة رهانها، مع إدراكها على نحو متزايد للمخاطر المتنامية على مصداقيتها وفعاليتها واستقلالها السياسي.

ومن المفارقات، أن محافظي البنوك المركزية ربما يتلقون الآن رد فعل من كيانات صنع السياسة الأخرى والتي بدلاً من المساعدة في تطبيع عملياتهم قد تجعل مهمتهم أكبر صعوبة.

ولنبدأ بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أكثر البنوك المركزية قوة حول العالم، والذي تؤثر خطواته بقوة على البنوك المركزية الأخرى.

وبعد أن نجح في أعقاب عام 2008 في تحقيق الاستقرار بالنظام المالي المختل الذي كان يهدد بدفع العالم نحو سنوات عديدة من الكساد الاقتصادي، فإن الفيدرالي كان يأمل في تطبيع سياسته النقدية بشكل سريع وهو ما كان يستهدفه في صيف عام 2010.

لكن الكونجرس المستقطب للاهتمام على نحو متزايد حال دون التسليم الضروري للأمور من السياسة النقدية إلى السياسة المالية والإصلاحات الهيكلية.

وبدلاً من ذلك، تحول الفيدرالي لاستخدام إجراءات تجريبية لمنح الاقتصاد الأمريكي مزيداً من الوقت حتى تصبح البيئة السياسية بناءة أكثر للسياسات المؤيدة للنمو الاقتصادي.

وكانت معدلات الفائدة عند مستوى قياسي متدني عند الصفر كما وسع الفيدرالي مشاركته غير التجارية في الأسواق المالية عبر شراء كمية قياسية من السندات من خلال برامج التيسير الكمي.

وكانت هذه السياسة المحورية في نظر غالبية أعضاء البنك المركزي الأمريكي أمراً ضرورياً وليس اختيارياً كما أنها كانت أبعد ما يكون عن الكمال.

ويعلم الفيدرالي أنه لا يملك السلطة لتعزيز التعافي الاقتصادي الحقيقي مباشرة عبر السياسة المالية وتخفيف العوائق الهيكلية أمام النمو الاقتصادي الشامل أو تعزيز الإنتاجية بشكل مباشر.

وكانت هذه التدابير مسؤولية الفاعلين الآخرين بالسياسة الاقتصادية، والتي تفتقر إلى الاستقلالية السياسية الممنوحة للفيدرالي، وكانت مهمشة بسبب عدم قدرة الكونجرس المنقسم بشدة بشأن الموافقة على مثل هذه التدابير التوسعية (وأدت هذه الاختلافات إلى إغلاق الحكومة الأمريكية ثلاث مرات).

وبسبب هذا الواقع المؤسف، حاول الفيدرالي دعم النمو الاقتصادي بطرق تجريبية غير مباشرة.

ومن خلال ضخ السيولة باستخدام وسائل عدة، تسبب المركزي الأمريكي في زيادة أسعار الأصول المالية أعلى بكثير مما تبرره أساسيات الاقتصاد.

وكان الفيدرالي يأمل أن يجعل هذا شرائح معينة من السكان (حملة الأصول) يشعرون أنهم أكثر ثراءً ما يشجعهم على إنفاق المزيد وتشجيع الشركات على مزيد من الاستثمار.

لكن آثار الثروة (وهي نظرية السلوك الاقتصادي تشير إلى أن الأشخاص تنفق أكثر مع ارتفاع قيمة أصولهم) وغريزة الحيوانات (وهو مصطلح استخدم لوصف كيفية وصول الأشخاص لقرارتهم المالية بما في ذلك بيع وشراء الأوراق المالية في أوقات الضغط أو عدم اليقين الاقتصادي) هذه أثبتت أنها ضعيفة للغاية.

وبالتالي شعر الفيدرالي بأنه مجبر على فعل المزيد من الشيء نفسه والذي أدى إلى مجموعة من العواقب غير المقصودة ومخاطر الضرر الجانبي.

وبالنسبة للبنك المركزي الأوروبي - والذي يحتل المرتبة الثانية في الأهمية النظامية بعد الفيدرالي - فقد اتبع مساراً مشابهاً، على الرغم من سياساته النقدية غير التقليدية أكثر بما في ذلك معدلات الفائدة السالبة (والتي تعني فرض رسوماً على المدخرين بدلاً من المقترضين).

ومرة أخرى، فإن الأثر على النمو الاقتصادي كان خافتاً إلى حد ما كما أن تكاليف ومخاطر تدابير كهذه متصاعدة.

وشدد كل من البنكين المركزين - وخاصةً المركزي الأوروبي تحت قيادة الرئيس الذي اقترب من مغادرة منصبه ماريو دراجي - على أهمية التحول في السياسات في الوقت المناسب وانتهاج تدابير شاملة أكثر ومؤيدة للنمو الاقتصادي.

ومع ذلك فإن مطالبهما تم تجاهلها، حيث أنه اليوم لا الفيدرالي ولا المركزي الأوروبي يتوقعان أن يتولى صناع سياسة آخرون دفة الأمور في أيّ وقت قريب.

وبدلاً من ذلك، ينشغل الاثنان بإعداد جولة أخرى من التحفيز التي ستنطوي حتى على المزيد من المخاطر السياسية.

وبالفعل، تشكل مخاطر أخرى صداعاً بالنسبة لأعضاء البنوك المركزية، حيث أن عملية البريكست الممتدة لفترة طويلة تعيق بنك إنجلترا من استراتيجية سياسة طويلة الآجل.

في حين أن الأثر قصير الآجل على النمو الاقتصادي العالمي جراء استخدام الحكومات للتعريفات الجمركية يعقد مهمة كل من الفيدرالي والمركزي الأوروبي.

وفي الوقت نفسه، وإذا لم تكن بعض السياسات الداعمة للنمو الاقتصادي والتي يجرى مناقشتها في الوقت الحالي، مصممة بشكل جيد فيمكن أن تزيد من خطر عدم الاستقرار المالي المدمر وبالتالي تساهم في تعقيد إضافة لمهمة مسؤولي البنوك المركزية.

وتحظى فكرة "التيسير الكمي للأشخاص" - أيّ توجيه أموال البنوك المركزية بشكل مباشر أكثر إلى السكان - بمزيد من الاهتمام من كلا جانبي المشهد السياسي.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى النظرية النقدية الحديثة ذات الصلة، والتي من شأنها إخضاع البنوك المركزية بشكل واضح لوزارات المالية في الوقت الذي يجذب فيه مفهوم الدخل الأساسي الشامل اهتماماً متزايداً كما أن هناك حاجة إلى إعادة تقييم عملية تحديد الأجور.

وعلاوة على ذلك، يستكشف البعض من اليسار السياسي إلى أيّ مدى يمكن أن تؤدي العودة إلى ملكية الدولة للأصول الإنتاجية والسيطرة على النشاط الاقتصادي لتحسين آفاق تحقيق نمو اقتصادي أسرع وأكثر شمولاً.

ويبدو أن الشعبويين في الدول الأوروبية التي تتمتع بديناميكيات الديون الهشة بما في ذلك الحكومة الإيطالية مستعدون لإعادة اختبار حذر للأسواق من خلال تسجيل عجز أكبر في الموازنة دون التركيز بشكل متزامن على موازنة المبادرات المؤيدة للنمو الاقتصادي.

وهذه السياسات الاقتصادية المقترحات تمثل قمة من جبل الجليد السياسي الذي نما بسبب المخاوف حيال تأثير التكنولوجيا على مكان العمل وتغير المناخ والاتجاهات الديموجرافية وكذلك المخاوف المتعلقة بعدم المساواة المفرطة والتهميش والعزلة.

وتبرز هذه التطورات كيف تؤثر القضايا السياسية البارزة حديثاً على صنع السياسات ما يجعل التوقعات الاقتصادية يشوبها حالة من عدم اليقين الاقتصادي أكثر

ومع تكثيف نشاط البنوك المركزية، فمن المرجح أن تتسع الفجوة بين أسعار الأصول والأساسات الاقتصادية وأداء الشركات.

وتراهن البنوك المركزية على أن نشاط أكبر من جانب صناع السياسة الآخرين قد يكون بمثابة طوق النجاة بالنسبة لهم.

لكنهم يواجهون هذه الأيام احتمالاً متزايداً لموقف الخسارة لكلا الجانبين: إما أن تحدث استجابة سياسية ولكنها تخاطر بتآكل مصداقية البنوك المركزية وفعاليتها واستقلالها السياسي، أو لا يتحقق شيئاً لتترك البنوك المركزية تتحمل العبء الذي هو بالفعل ثقيل للغاية ويتجاوز أدواتهم

ومثل المقامرين، قد يكتشف محافظو البنوك المركزية قريباً أن جميع الرهانات لا تؤتي ثمارها على المدى الطويل.