TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الأرجنتين.. أزمة ديون جديدة تبدو في الأفق

الأرجنتين.. أزمة ديون جديدة تبدو في الأفق

تحرير: نهى النحاس

مباشر: يعاني اقتصاد الأرجنتين من صعوبات بالغة في الفترة الحالية قد تدفعه مجدداً لدخول أزمة ديون أخرى.

ويشير مقال نشره موقع "بروجيكت ساينديكيت" إلى أنه على الرغم أنه لا يوجد حل سحري لوضع الأرجنتين على مسار أكثر استقراراً فإن تغيير سياسات الاقتصاد الكلي الحالية ستمنح الدولة فرصة على الأقل.

أزمة الاقتصاد وتدخل صندوق النقد

في 2018 عانى اقتصاد الأرجنتين من أزمة عملة وركود تضخمي، حيث وصل معدل التضخم السنوي عند 47.6%، أما الناتج الإجمالي المحلي فانكمش بنحو 2.5% ومعدل البطالة والفقر ارتفعا في البلاد.

وتعكس تلك المؤشرات مشاكل مزمنة، فاقتصاد الأرجنتين انكمش في 4 سنوات من أخر سبعة.

وعلى مدار عقد من الزمن فإن أوجه القصور الهيكلية خلقت قيوداً صارمة على نمو الطلب الحقيقي ومنعت الاقتصاد من النمو بشكل مستدام.

وحينما تولى ماوريسيو ماكري مهام الرئاسة في الأرجنتين في ديسمبر 2015 قال إن السياسات الاقتصادية ستجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتؤدي إلى زيادة مستدامة في الإنتاجية، ولكن أزمة العملة التي اندلعت منذ عام أكدت على فشل اتجاهه السياسي.

ونتيجة لتلك الأزمة فإن الأرجنتين اتجهت نحو صندوق النقد الدولي وحصلت على أكبر قرض في تاريخ الصندوق بقيمة 57 مليار دولار، كما وافقت على اتجاه جديد يعالج أوجه القصور في الاقتصاد الكلي.

ولكن شروط اتفاقية الصندوق ظلت تتغير مما جعل المستثمرين دائماً متوترين.

كيف استخدمت الأرجنتين القرض؟

وحينما وافق الصندوق على القرض للأرجنتين في يونيو الماضي فإن الأخيرة قررت أن تستخدمه في زيادة السيولة واستعادة ثقة السوق بدلاً من إنفاقه، ولكن بعد أن هبط البيزو الأرجنتيني بشكل أكبر وافقت الحكومة بالتعاون مع الصندوق على استخدام القرض في مدفوعات الديون وتجنب التخلف عن السداد في 2019.

ومع ذلك فإن الشكوك لاتزال مستمرة، وفي الشهر الماضي وجه الصندوق البنك المركزي لبيع ما يصل إلى 9.6 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي لدعم العملة.

ولكن لايزال الموقف معقداً خاصة مع حقيقة أن معظم ديون الأرجنتين مقومة بعملات أجنبية، ويقول صندوق النقد الدولي إن ديون الأرجنتين لاتزال مستدامة لكن ليس باحتمالات كبيرة، على الرغم أن الاختبار الحقيقي لاستدامة الديون سيبدأ في 2020.

ما هي التحديات الراهنة أمام الاقتصاد الأرجنتيني؟

ومع تبقى 6 أشهر فقط على الانتخابات الرئاسية في الأرجنتين، فإن هناك عدد من المخاوف الآنية.

وأول تلك المخاوف هو أن دعم الصندوق لانتهاج سياسات نقدية ومالية انكماشية سيساهم في إطالة الركود الحالي للاقتصاد.

أما السبب الثاني فهو أن اتجاه السياسة النقدية يبدو وأنه يكرر بعض الأخطاء الأساسية التي حدثت قبل أزمة العملة.

ومع حقيقة أن إدارة ماكري خططت لخفض العجز المالي تدريجياً فإن المركزي الأرجنتيني اتخذ مساراً أكثر جذرية لخفض معدل التضخم، وفي سبيل تحقيق ذلك فأنه اعتمدت على فرضيتان أساسيتان.

والفرضية الأولى هي أن سياسات الحكومة قد تضع الاقتصاد في مسار نمو مستدام، أما الثانية فهي أن معدلات الفائدة المرتفعة ستكون فعالة في استقرار مستوى الأسعار.

وكلتا الفرضيتين أثبتا فشلهما على نحو كارثي، فالاستثمار في الاقتصاد الحقيقي فشل على نحو كبير في أن يتجسد في أرض الواقع.

وعلاوة على ذلك فإن معدلات الفائدة المرتفعة جذبت محافظ استثمارية خاصة بالمضاربة قصيرة الآجل ما جعلت الأرجنتين وعملة البيزو أكثر عرضة إلى التحول المفاجئ في ثقة السوق.

الدروس المستفادة من أخطاء الماضي

ويجب أن تكون السلطات قد استفادت على الأقل درسين من تلك الأزمة.

والدرس الأول هو أن محاربة التضخم المزمن يتطلب جهود منسقة ومستدامة بدلاً من التشديد البحت للسياسة النقدية.

أما الدرس الثاني فهو أن التضخم في الأرجنتين سيستمر على المدى القصير بغض النظر عن كيفية تشديد السياسة النقدية، ومع ذلك فإن السلطة مستمرة في نفس تلك السياسات.

هل ثمة حلول؟

وانهيار قيمة البيزو وزيادة معدل الفائدة المتلاحقة فاقم صراع الدخل في الأرجنتين حيث أن العمال طالبوا بزيادة الأجور التي تعوضهم عن القوة الشرائية المفقودة خلال العام الماضي.

وفي ذلك السياق فإن إعلانات السياسات النقدية لن تخفض التوقعات التضخمية، خاصة مع حقيقة أن إدارة ماكري فشلت في تحقيق مستهدفها للتضخم على مدار السنوات الثلاث الماضي بفارق بلغ 15% و7.8% و32.2% على الترتيب.

ومن غير المفاجئ أن معدل التضخم ارتفع مجدداً في الأشهر القليلة الماضية على الرغم من التشديد النقدي القوي.

وعلاوة على ذلك فإن الأسواق المالية لن تسمح بارتفاع سعر الصرف الحقيقي للبيزو على نحو كبير في أي وقت قريب، وذلك يعني أن معدل الصرف الاسمي سيصبح تحت ضغوط هبوطية ما يؤدي إلى زيادة التضخم.

وكسر تلك الحلقة المفرغة لن يكون أمراً سهلاً لأن ذلك يتطلب من صناع السياسة النقدية إعادة حل هذا الصراع في الاقتصاد الذي يشهد معاناة.

وفي الوقت نفسه فإن البنك المركزي مستمر في الاعتماد على معدلات الفائدة المرتفعة لدعم البيزو، وعلى الرغم أن البنك كان عليه التصرف بطريقة شرسة لاحتواء أزمة العملة الراهنة إلا أنه استمر على نحو طويل للغاية في استخدام سياسة معدلات الفائدة المرتفعة

وتلك السياسة لم تؤدي فقط إلى إطالة وتعميق أزمة الركود ولكن أيضاً أدت عبر جذب ما يسمى بالأموال الساخنة إلى زيادة عدم استقرار معدل الصرف.

وفي الوقت الذي يمكن فيه تبرير التدخل في سعر الصرف في الأوقات الصعبة، فإن بيع احتياطات العملة الأجنبية المقترضة لدعم البيزو سيجعل الاقتصاد أكثر هشاشة.

كيف يبدو مستقبل الأرجنتين؟

أما عام 2020 فسيمثل الانتقال الفعلي لبؤرة الأحداث فيما يتعلق بوضع الديون، حيث أن الحكومة المقبلة ستسعى نحو الوصول إلى أسواق الائتمان الدولي مع معاناة البلاد بالفعل من كثرة الديون.

وفي حال أن الاقتصاد لم يبدي إشارات حول انطلاق سريع بحلول ذلك التاريخ فإنه قد تحدث أزمة ديون.

ووفقاً لذلك السيناريو فإن التكاليف المرتفعة لتمويل الديون الحالية سيكون أمراً قاتلاً للاقتصاد، لأن السلطات سيتوجب عليها تخصيص حصة أكبر من إيرادات البلاد من العملات الأجنبية لسداد الديون.

وعند ذلك فإن الحكومة الجديدة قد تواجه خيارين غير سعيدين، إما مدفوعات ديون أعلى ومزيد من التقشف وتعمق الركود الاقتصادي، أو السعي لإعادة هيكلة مؤلمة للديون بنتائج غير معروفة.

ولكن هناك أمر واحد معروف وهو أنه من أجل تجنب الأرجنتين حدوث أزمة ديون أخرى فإنها بحاجة إلى نمو اقتصادي مستدام، وبالرغم من عدم وجود حل سحري لوضع الاقتصاد في هذا المسار فإن تغيير السياسات الاقتصادية الحالية سوف يمنح البلاد الفرصة على الأقل.