TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الديون تهدد بإطلاق وحش التضخم الجامح في الولايات المتحدة

الديون تهدد بإطلاق وحش التضخم الجامح في الولايات المتحدة

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: تقلق الديون بشكل دائم المواطنين الأمريكيين، ورغم أن محاولات السيطرة عليها داخل الاقتصاد الأكبر بالعالم تجرى على قدم وساق.

لكن رؤية تحليلية للاقتصادي نوح سميث نقلتها وكالة "بلومبرج" مؤخراً توضح أنه من غير المؤكد كثيراً ألا يضرب التضخم الجامح الولايات المتحدة خلال البحث عن حل لمأزق الديون هذا.

وفي الغالب تدور المناقشات بشأن برامج الإنفاق الحكومي الكبرى حول كيفية سدادها، فعلى سبيل المثال، ترى أحد أعضاء الكونجرس الأمريكي "ألكساندريا أوكاسيو كورتيز" أن مقترحها بشأن فرض ضريبة بنحو 70% على الدخل الذي يتجاوز 10 ملايين دولار من شأنه المساعدة في تمويل الصفقة الخضراء الجديدة.

والصفقة الخضراء الجديدة (Green New Deal) التي وضعتها "كورتيز" هي مجموعة واسعة من المبادرات البيئية والاقتصادية تطمح لإمداد الاقتصاد الأمريكي بطاقة متجددة بنسبة 100% في غضون 12 عاماً.

لكن من بين الأشياء المقلقة في هذا الشأن هو أن الديون الحكومية لا يفترض أن تصبح كبيرة للغاية.

ويمثل الدين العام دائماً مصدر قلق دائم للأمريكيين بحسب ما تتوصل إليه استطلاعات الرأي، كما تعتبر ساعة الدين القومي في ولاية "مانهاتن" الأمريكية أحد الرموز الشهيرة لهذا القلق.

ويضفي الطابع الرسمي كذلك على تلك الفكرة من خلال النماذج الاقتصادية السائدة والتي تميل إلى افتراض أنه على المدى الطويل يجب على الحكومة أن تصل لتوازن الموازنة.

وخلال كتابته بمؤسسة بروكينجز، يعبر "ديفيد ويسل" عن هذه الحكمة التقليدية عندما أكد أن الدين الفيدرالي لا يمكن أن ينمو بشكل أسرع من الاقتصاد إلى الأبد.

لكن ماذا إذا كنت تلك فكرة خاطئة؟، ماذا إذا لم تكن الحكومة مضطرة لتسديد ما تقترضه سواء الآن أو أبداً؟، هذه هي الأطروحة لنظرية اقتصادية غير تقليدية تكتسب مصداقيتها بشكل سريع وتسمى بـ"النظرية النقدية الحديثة" أو "إم.إم.تي".

ولم يكن هذا المفهوم جديداً، حيث طرح الخبير الاقتصادي "أبا ليرنر" شيئاً مشابهاً في فترة الأربعينيات تحت مسمى "التمويل الوظيفي".

لكن نظرية "إم.إم.تي" تمتعت بطفرة شعبي منذ أن تبناها بعض التقدميين، الذين يرغبون في ضمان وظيفي فيدرالي وخطط اقتصادية أخرى طموحة مدفوعة بالاقتراض الحكومي.

وتشمل النظرية العديد من العناصر كما يميل مؤيدوها إلى التعبير عنها بعبارات غير مألوفة للعديد من الاقتصاديين العاديين.

لكن الجدل الرئيسي حول أن الحكومة الأمريكية ليس لديها بالفعل قيود على الموازنة، وبالتالي فإنه لا يوجد حاجة أبداً لأن تدفع الضرائب النفقات الفيدرالية، هو أمر بسيط بما يكفي لإدراكه.

ويرجع ذلك في الأساس إلى أن الحكومة يمكنها طباعة الدولارات في أيّ وقت تريده.

ومع افتراض أن الحكومة اتخذت قراراً بتراكم كمية غير نهائية من الديون، فما هو الشيء السيء الذي يمكن أن يحدث؟، الإجابة هي أن تكاليف خدمة الديون ستزداد.

ولكن بدلاً من رفع الضرائب لدفع الفائدة، يمكن للحكومة ببساطة اقتراض المزيد من أجل تغطية مدفوعات الفائدة تلك.

كما يمكن أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدلات الفائدة إلى الصفر وبالتالي القضاء على تكاليف الفائدة، وهذا هو ما حدث بالفعل في اليابان.

لكن ماذا إذا تسبب أيضاً ارتفاع ديون حكومة الولايات المتحدة في تراجع المستثمرين عن إقراض الشركات الأمريكية؟، لن يكون هناك مشكلة وذلك من خلال خفض معدلات الفائدة.

ويمكن أن يكون الفيدرالي متأكداً من أن تكلفة رأس المال لن تصبح مرتفعة للغاية، وفي حالة فترات الاختناق، يمكن حتى شراء ديون الشركات والرهن العقاري.

ومن المحتمل أن يقلل إقراض الفيدرالي لأيّ شركة تريد ذلك من إنتاجية العمل، وذلك بسبب أنه من المفترض أن يكون البنك المركزي أسوأ في تقييم المخاطر مما يكون عليه المستثمرين بالقطاع الخاص.

لكن مؤيدي نظرية "إم.إم.تي" ليسوا قلقين للغاية بشأن ذلك، حيث أن ضمان توفير الوظائف والذي يمكن أيضاً أن يدعم نشاط القطاع الخاص يعتبر بمثابة المحور الأساسي في خططهم.

وبطبيعة الحال، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي هو هيئة مستقلة اسمياً ولكن ليس هناك سبباً يدعو إلى استمرار هذا النظام، وبمقتضى نظرية "إم.إم.تي"، يمكن إنهاء استقلالية البنك المركزي ويمكن تنسيق السياسة النقدية بين الفيدرالي ووزارة الخزانة.

ويترك ذلك خطراً واحداً فقط؛ وهو، أن التمويل للدين الفيدرالي سيتوقف تاركاً الحكومة الأمريكية بدون مصدر تمويل لقروضها اللانهائية.

ومجدداً، فإن تمويل الفيدرالي بالاقتراض من وزارة الخزانة من خلال طباعة النقود ببساطة، والذي يعني في الواقع خلق احتياطيات في حساب مصرفي إلكتروني.

وفي هذه الحالة، تصبح وزارة الخزانة نفسها أكثر من مجرد إجراء شكلي، ولكنها قناة للاحتياطي الفيدرالي لدفع رواتب موظفي الحكومة والمتعاقدين.

إذن؛ هذا هو ملخص نظرية "إم.إم.تي"، تدفع الحكومة بقدر ما تريد مع إمدادات لا تنتهي من المال الذي تطبعه.

ومن هذا المنطق، فإن واضعي النظرية محقون في عدم وجود قيود على موازنة الحكومة، لكن هناك نوعاً مختلفاً من العوائق التي لا يمكن لأية ترتيبات تمويلية أن تتفادها، وهو محدودية الموارد الحقيقية.

وفي نهاية المطاف، إذا استمرت الحكومة في الدفع مقابل المزيد من الأشياء فإنها سوف تنفذ سواء كان العمال العاطلين عن العمل لشغل المكاتب والمصانع أو الموارد الطبيعية أو الطاقة الإنتاجية.

ماذا يحدث إذا أبقت الحكومة على محاولاتها للدفع لأشياء بأموال يتم طباعتها بعد أن قام الاقتصاد بتوظيف كل عامل متاح؟، لا أحد يعرف إجابة هذا حقاً.

بيد أن أحد النظريات الشائعة هي أن التضخم المفرط سيكون هو النتيجة، وهذا دوامة كارثية والتي ترتفع فيها الأسعار بشكل سريع للغاية ليتوقف الاقتصاد بأكمله عن العمل وتقع الدولة في حالة من الفقر.

ومن أجل فهم الكيفية التي يمكن بها للتضخم الجامح أن يدمر دولة، يمكن ببساطة النظر للوضع في فنزويلا.

هل يمكن أن يؤدي الكثير من النقود المطبوعة مع كمية محدودة من السلع الحقيقية إلى التضخم الجامح في اقتصاد متقدم مثل الولايات المتحدة؟، أنصار نظرية "إم.إم.تي" يعترفون بإمكانية حدوث ذلك.

وفي سبتمبر الماضي، يوضح الكاتب أنه عندما ناقش الفكرة مع الخبيرة الاقتصادية بجامعة ستوني برووك "ستيفاني كيلتون" وهي داعمة لـ"إم.إم.تي"، قالت: "هل هناك حد للمقدار الذي يمكن أن يرتفع فيه العجز بطريقة آمنة؟، بالطبع، العجز يمكن أن يكون كبيراً للغاية لدرجة المخاطرة بتسارع التضخم".

وينفي بعض المدافعين عن النظرية أمام إمكانية حدوث تضخم جامح في بلد تشهد استقرار سياسي ومتقدمة اقتصادياً مثل الولايات المتحدة.

وفي الواقع، فإن معدلات الفائدة المنخفضة والمستويات الكبيرة لبرامج التيسير الكمي لم تؤدِ إلى الكثير من التضخم سواء في الولايات المتحدة أو اليابان أو أوروبا.

التضخم لا يزال متوقفاً

ولكن بقاء معدل التضخم ضعيفاً لا يعني أنه لا يمكن أن يرتفع فجأة، خاصةً إذا قرر المستثمرين، التي يحددون الأسعار، أن الحكومة الأمريكية قد بدأت في مسار الإنفاق اللانهائي الذي يمول عجز الإنفاق.

وفي الحقيقة، ربما لا يزال التضخم منخفضاً للغاية على الرغم من إتباع الاحتياطي الفيدرالي سياسيات نقدية تيسيرية، بسبب أن المستثمرين يعتقدون أن استقلالية البنك والحكمة المالية بوزارة الخزانة تعني أن التيسير الكمي والعجز الكبير سينتهيان في نهاية المطاف.

وهكذا، فإن ظهور نظرية "إم.إم.تي" يمثل مراهنة على مستقبل الاقتصاد الأمريكي إزاء فكرة أن التضخم الجامح لا يمكن أن يحدث هنا.

وتشير التجربة الأخيرة إلى أن مثل هذه الكارثة تبدو أمر غير مرجح الحدوث، ولكن الحقيقة هي أنه لا أحد يعرف حقاً مدى احتمالية حدوث هذا الخطر إذا تحولت "إم.إم.تي" من النظرية إلى الواقع.