TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

تحليل..أوروبا بحاجة لتغيير علاقتها مع أفريقيا من التبعية إلى الندية

تحليل..أوروبا بحاجة لتغيير علاقتها مع أفريقيا من التبعية إلى الندية

تحرير نهى مكرم

مباشر: تستغل الصين روابطها التجارية والاستثمارية مع قارة أفريقيا لتوسيع نفوذها في القارة، وهو الأمر الذي يثير قلق بعض العواصم الأوروبية، ولكن بدلاً من التذمر ضد ممارسات الصين، ينبغي أن يعمق الاتحاد الأوروبي انخراطه داخل القارة.

وبحسب تحليل نشره موقع "بروجيكت سينديكيت"، يسعى الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة لضمان فرص استثمارية وتجارية جديدة حول العالم.

وفي يوليو الماضي، كان الاتحاد الأوروبي يخوض مفاوضات بشأن 21 اتفاقاً للتجارة الحرة، ويتضمن ذلك المحادثات التي أُجريت في السنوات السبع الأخيرة مع ست دول في رابطة دول جنوب شرق آسيا، وهي إندونيسيا والفلبين وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وفيتنام، ما قد يمهد الطريق لعقد صفقة مع المنطقة بأكملها في المستقبل.

كما أجرى الاتحاد الأوروبي محادثات مع نيوزيلندا وأستراليا، وأبرم اتفاقية تجارة شاملة مؤخراً مع أرمينيا وكندا واليابان وفيتنام، فضلاً عن اتفاقية استثمارية مستقلة مع الصين.

ولكن ماذا عن أفريقيا؟ إن حجم تجارة الاتحاد الأوروبي مع تلك القارة ضخم بالفعل، إذ تمثل دول أفريقيا معاً ثالث أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد الولايات المتحدة والصين. لتمثل ما يقرب من 7% من إجمالي التجارة الخارجية للاتحاد الأوروبي في السلع، بما في ذلك 7% من الواردات و8% من الصادرات.

وبينما شهد الاتحاد الأوروبي عجزاً تجارياً مستمراً مع أفريقيا بين عامي 2000 و2014، فإنه تحول إلى تسجيل فائض قدره 22 مليار يورو، أي ما يعادل 25.5 مليار دولار أمريكي في عام 2015، وفائض بقيمة 22.7 مليار يورو في عام 2016.

وتعد التجارة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا أكبر بثلاث مرات من التجارة مع كندا على سبيل المثال، والتي بلغت 94.7 مليار يورو في عام 2016.

وبموجب اتفاقية الاقتصاد والتجارة الشاملة، يُتوقع ارتفاع التجارة السنوية بين الاتحاد الأوروبي وكندا بنسبة 8% على الأقل، أي حوالي 12 مليار يورو. لكن هذا لا يعادل سوى نصف حجم تجارة الاتحاد الأوروبي مع مصر وحدها.

ويُتوقع ارتفاع حجم التجارة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي ونيوزيلندا، حال إبرام اتفاقية تجارة حرة، بنسبة 36%، إلا أن تلك الزيادة لاتزال أقل من نصف حجم تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي وتونس. أما بالنسبة لأستراليا، تمثل الزيادة المتوقعة في حجم تجارتها مع الاتحاد الأوروبي ثلث حجم تجارة الكتلة الأوروبية مع مصر.

وقد تزداد حصة أفريقيا من التجارة مع الاتحاد الأوروبي، نظراً للآفاق الاقتصادية الهائلة في القارة. ففي الفترة من 2000 إلى 2010 بلغ النمو السنوي الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا 5.4%. وتراجعت تلك النسبة في الفترة من 2010 وحتى 2015 ولكنها ظلت قوية عند 3.3%، ولاتزال أفريقيا ثاني أسرع المناطق نمواً في العالم بعد دول آسيا النامية والناشئة.

ولكن أوروبا لم تحسن استغلال الإمكانيات الاقتصادية التي تتمتع بها أفريقيا، إذ يُتوقع أن يصل حجم إنفاق الأسر والشركات إلى 5.6 مليار دولار بحلول عام 2025، بعدما بلغ 4 مليارات دولار في عام 2015، مما يعكس نمواً سنوياً قدره 3.5%.

علاوة على ذلك، يُتوقع أن تبلغ فرص الاستثمار النابعة من الطلب على البنية التحتية في أفريقيا ما لا يقل عن 150 مليار دولار سنوياً على مدى العشر سنوات المقبلة، وفقاً لمعهد ماكينزي العالمي.

كما تعتبر أفريقيا أيضاً موطناً للموارد الطبيعية الاستراتيجية للصناعات الناشئة منخفضة الكربون، ما يمكنها من لعب دور رئيسي في مجال الطاقة المتجددة.

ولا تعد أهمية أفريقيا كشريك تجاري واستثماري مسألة جديدة بالنسبة لأوروبا، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية تفاوض الاتحاد الأوروبي مع كل منطقة من المناطق الفرعية في أفريقيا في إطار اتفاقية الشراكة الاقتصادية، بهدف التوصل في نهاية المطاف إلى اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ.

ومع ذلك، لم يتم التصديق سوى على اتفاقية واحدة فقط مع جنوب أفريقيا حتى الآن, بينما لم تتمكن المفاوضات مع البلدان الأخرى من إحراز أي تقدم، بسبب عدم وجود حماس سياسي.

ويساور الأفارقة مخاوف كبيرة حول مدى تأثير اتفاقيات الشراكة الاقتصادية على التنمية الصناعية الخاصة بهم ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والتي تم التصديق عليها من قبل جميع الدول الأفريقية تقريباً في مارس الماضي. وفاقم عدم اليقين الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست" تلك المخاوف.

ويزعم البعض أن المشكلة تتعلق أكثر بالتوقيت، لأنه من المرجح حدوث خسائر على الفور بينما سوف تستغرق الفوائد المحتملة الناجمة عن زيادة إمكانية الوصول إلى سوق الاتحاد الأوروبي وقتاً أطول.

ولذلك يطالب مؤيدو اتفاقية الشراكة الاقتصادية بإنشاء صندوق خاص للتعويض عن بعض الخسائر على المدى القصير. لكن الأبحاث تشير إلى أن أفضل طريقة لتفادي الخسائر في أفريقيا هي التركيز على تعزيز منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وإنهاء اتفاقيات الشراكة الاقتصادية.

يذكر أن الاتحاد الأوروبي يتخذ أيضاً خطوات للمساعدة في تعزيز التجارة الحرة القارية الأفريقية، حيث أعلن مؤخراً زيادة المساعدات الخاصة بالمؤسسات والدعم الفني وجمع المعلومات والتحليل بمقدار سبعة أضعاف، لترتفع من 7 ملايين يورو في الفترة من 2014-2017 إلى 50 مليون يورو في الفترة من 2018-2020.

وأكد قادة الاتحاد الأفريقي في القمة الأفريقية-الأوروبية التي انعقدت في أبيدجان بكوت ديفوار في نوفمبر الماضي، على رغبتهم القوية في نضج العلاقة بعيداً عن نموذج التبعية التقليدي.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في هذا الصدد، لا يزال الاتحاد الأوروبي هو من يحدد جدول الأعمال ويقدم المساعدات المالية لتنفيذها.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في اغتنام الفرص التي توفرها أفريقيا على نحو يعود بالنفع المتبادل، فسيحتاج إلى العمل مع قادة القارة لبناء نوع جديد من الشراكة يعامل الدول الأفريقية باعتبارهم أنداداً، أو بعبارة أخرى يجب أن ترتكز العلاقة الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وأفريقيا على التجارة وليس المعونة.