TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

خبير: الاستراتيجيات الدولية «تتغير» تجاه مناطق إنتاج النفط التقليدي

خبير: الاستراتيجيات الدولية «تتغير» تجاه مناطق إنتاج النفط التقليدي

تنبثق تحليلاته من عمق السنوات الطويلة التي قضاها بداخل أوساط الصناعة النفطية التي ربت على الثلاثين عاماً، يعتقد بأن المرحلة القادمة هي مرحلة "شد الحزام" للدول المصدرة للنفط، لا سيما منظمة الدول المصدرة للنفط "الأوبك" وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي التي تجد نفسها أمام كثيرٍ من التحديات أبرزها أسعار النفط، لا سيمّا أنها تعتمد على نطاق سعري يتراوح ما بين ال 85 و90 دولاراً للبرميل.بحسب جريدة الرياض

كامل الحرمي عضو مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية الكويتية وعضو جمعية الاقتصاديين الكويتيين عمل في الصناعة النفطية لأكثر من 30 عاماً بداخل وخارج دولة الكويت وتدرج في معظم القطاعات النفطية المختلفة، مروراً برئاسة شركة البترول العالمية (Q8) وشركة البترول الوطنية الكويتية في لندن، شارك كمحلل نفطي مستقل -ولا زال- في اجتماعات منظمة الدول المنتجة والمصدرة للنفط "أوبك" ومنظمة الدول العربية المنتجة للنفط "أوابك"، يحل هنا ضيفاً لمناقشة قضايا الطاقة محلياً وإقليمياً ودولياً.

* مع تزايد المعروض النفطي بالأسواق العالمية وإلى نهاية العام الحالي وأبعد من ذلك، إلى أين يتجه برأيك مؤشر الأسعار؟
- إن الأسواق العالمية مشبّعة بالمعروض النفطي والأسعار ستبقى عند حدودها الحالية تقريباً وهي المائة دولار فما فوق، ومن المفترض أن تكون هذه الزيادة في معدلات المعروض بالأسواق العالمية عامل ضغطٍ على الأسعار للتراجع دون المائة دولار، ولكن السبب الرئيس في هذا الأمر هو حالة الاضطراب وعدم الاستقرار الذي تشهده مناطق الإنتاج النفطي، ولو استقرت هذه الأوضاع للمسنا ذلك في مؤشر الأسعار الذي سيكون تحت المئة دولار.

* أتعتقد أن الاستراتيجيات والسياسات الدولية تجاه مناطق إنتاج النفط التقليدي تأخذ منحنىً مغايراً عما كانت عليه من قبل؟
- بكل تأكيد أن هذه الاستراتيجيات بطبيعة الحال تتغير تجاه هذه المناطق، ففي الأسبوعيين الماضيين تم عقد مؤتمر في واشنطن حول العلاقات الاستراتيجية والتجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا، وتزامن ذلك مع تصريح وكالة الطاقة الأمريكية التي قالت بأن الولايات المتحدة الأمريكية لن تستورد النفط الخام من القارة الأفريقية، وبالفعل نجد أن الولايات المتحدة قامت باتباع استراتيجيات تهدف إلى تقليل وارداتها النفطية من أفريقيا؛ لامتلاكها النفط الصخري الذي يعد من النفوط الخفيفة الحلوة، بالإضافة إلى أنها –أي الولايات المتحدة– قامت باستيراد النفط من الدول الخليجية برقم قياسي خلال العام الحالي، وفي الشأن ذاته نجد كذلك أن المصافي الأمريكية لا زالت تعتمد على النفوط الثقيلة القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن المهم في الأمر هو أن هذه المصافي خلال السنوات القادمة سنجدها تغيرت لملائمة النفط الخفيف، كما أن وحداتها سيتم بناؤها على هذا الأساس.

* ما الأبعاد التي أضافها النفط والغاز الصخري الأمريكي على استراتيجيات الولايات المتحدة خارجياً تجاه الدول المصدرة للنفط؟
- حقق إنتاج النفط والغاز الصخري عدداً من المكاسب للولايات المتحدة الأمريكية، وعمل في الوقت ذاته على تغيير مسار بعض استراتيجياتها الخارجية التي كانت قائمة عليها مسبقاً، من أهمها إعادة ترتيب الأولويات وأبرزها أن مناطق الإنتاج النفطي لم تعد ضمن الأولويات الاستراتيجية الأمنية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى نفطها الذي افتقد -في نظرها- عنصر الأهمية، ولم يعد يمثل أية مخاوف اقتصادية لها، حيث أنها -أي الولايات المتحدة- أصبحت محمية بمواردها الذاتية من جميع المخاطر، ويكمن الخطر الحقيقي القادم في مستوى أسعار النفط، وما يهمنا في الأمر ليس فقط الاعتماد والتركيز على الأسواق الآسيوية في الصين والهند و كوريا، لكن الخوف من انخفاض معدل أسعار النفط أمام التحديات القادمة من دول أمريكا الشمالية، ومن النفط الصخري على وجه التحديد، كما أن الاحتمالات المستقبلية وخصوصاً خلال السنتين المقبلتين تتسع لإمكانية تصدير الغاز الصخري الأمريكي إلى الخارج، بالإضافة إلى استغلال الولايات المتحدة ضعف أسعار الطاقة لصالح مصانعها وزيادة إنتاجها، حيث أن هذه الزيادة تعد منافسة خارجية في قطاعات النفط والبتروكيماويات والحديد والصلب والصناعات الأخرى، وضعف أسعار النفط والغاز لن يكون في صالح المستهلك العادي بزيادة الدعم، ومن المؤكد أن يصب في صالح الصناعات الأمريكية المختلفة بزيادة الأداء والإنتاجية والمنافسة العالمية وزيادة فرص العمل وخلق الوظائف الجديدة.

* في ظل هذه المتغيرات، ما الحلول المطروحة أمام الدول المنتجة للنفوط الثقيلة؟
- لا شك أن الدول المنتجة للنفط الثقيل -ومنها دول الخليج- ستواجه منافسة شديدة من الدول الأفريقية في الأسواق الآسيوية، بالإضافة إلى أن استهلاك الدول الخليجية والعربية للطاقة كبير، وتحت كل هذه الظروف نجد أنفسنا أمام خيارات بديلة يجب علينا التوجه نحوها وهي الاستثمار في الإنسان نفسه، والبيئة والتعليم، خصوصاً وأن الدول الخليجية المنتجة للنفط تعتمد على نطاق سعري يتراوح ما بين 85 و90 دولاراً للبرميل.

* لو تحدثنا عن الاستثمار العالمي في تنويع مصادر الطاقة، كيف ترى مدى كفاءة هذا التوجه؟
- بالفعل، هنالك توجه للاستثمار في مصادر الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والرياح والسدود، ولكنها مكلفة بالإضافة إلى أنها غير مجدية في واقع الأمر لجعلها مصدراً مهماً للطاقة، حيث أن إسهامها -أي مصادر الطاقة البديلة- ضئيل لا يعدو ال20% من مجمل مصادر الطاقة العالمية.

*هنالك من يعتقد بأن حصة النفط في خليط الطاقة تتجه نحو التراجع، أين أنت من ذلك؟
- لا أعتقد ذلك في الوقت الراهن، فالاستثمارات النفطية لا زالت قائمة لا سيما في النفط والغاز الصخري بالولايات المتحدة الأمريكية، كما أنه يوجد في عددٍ من الدول الأخرى كالصين وروسيا والأرجنتين والجزائر، ومجموع الكميات الموجودة في هذه الدول يقدر بعشرة أضعاف ما تمتلكه الولايات المتحدة الأمريكية.

* (الأزمة الروسية) إلى أين تتجه؟ وما الخيارات المطروحة أمام القارة الأوروبية لفك الاحتكار الروسي الذي يسيطر على نسبة كبيرة من وارداتها؟
- بلا شك أن الموقف الروسي يشكل تهديدات في مصادر الطاقة لدى أوروبا ويجعلها مكبّلة اليدين، ولكن من حسن حظ الأوروبيين أن الأزمة لم تبدأ مع بداية الشتاء القارس وإلا لكانت الدول الأوروبية في موقف لا تحسد عليه، وفي المقابل كانت هنالك مبادرات نشطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ لإيجاد بديل آخر آمن وفي أسرعٍ وقتٍ ممكن وقبل حلول الشتاء المقبل، فالقارة الأوروبية تستعجل الولايات المتحدة الأمريكية في تزويدها بالغاز الصخري، وعلى العكس نجد الأخيرة تطلب من الدول الأوروبية البدء في أعمال البحث والتنقيب عن الغاز الصخري وأن تضع المخاوف البيئية جانباً، وأن لا تعتمد على المصادر الخارجية، بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع تلبية احتياجات أوروبا كلها، ولكنني أرى أن الدول الأوروبية قد تكون أمام خيارات لا بد منها كزيادة واردات الغاز الطبيعي لديها من إيران أو استيراده من الجزائر وقطر، وبالنظر لآثار هذه الأزمة فقد تخسر روسيا قرابة ال 60 بليون دولار؛ نتيجةً لمقاطعة أوروبا وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأوروبية، وقد تكون ألمانيا من أكبر المتضررين مقارنة ببقية الدول الأوروبية خصوصاً أنها تعتمد بأكثر من 30% على الصادرات الروسية من الغاز وبشكلٍ عام لا تستطيع أوروبا الاستغناء عن الغاز الروسي في المديين القريب والمتوسط.

*ما أبرز التحديات القادمة التي ستواجه الدول المنتجة للنفط باعتقادك؟
- أعتقد أن الحفاظ على سعر البرميل عند متوسط ال 100 دولار من أبرز التحديات خلال السنوات المقبلة التي ستواجه الدول المنتجة وخصوصاً دول "الأوبك"، ويتزامن ذلك صعوبات أخرى تتمثل في تطلعات كلٍ من العراق وإيران إلى مواصلة زيادة إنتاجهما من النفط إلى ما فوق تسعة ملايين وخمسة ملايين برميل يومياً على التوالي بحلول 2020م، ولكن هنالك أسئلة بهذا الخصوص قد لا تكون الإجابة عليها واضحة بالشكل الذي نريده، وهي هل هنالك منافذ وأسواق تستطيع أن تستهلك هذه الكميات الكبيرة المقبلة من النفط التقليدي مع دخول الولايات المتحدة نادي الدول المصدرة للنفط وتوقفها عن استيراد النفط الخفيف من الدول الأفريقية وكذلك النفط الفنزويلي، وهل تستطيع الأسواق الآسيوية الواعدة مثل الصين والهند استيعاب هذه الكميات، ومن هنا نجد أن هذه الأمور المذكورة آنفاً تشمل مصدر قلق فعلي للدول المصدرة لدورها في إضعاف أسعار النفط عالمياً.

* ما الدور المناط بمنظمة الأوبك في ظل هذه الظروف؟ وكيف يمكن لها تجاوز هذه العوامل؟
- في بداية الأمر قد تستطيع منظمة "الأوبك" التعامل مع الكميات المقبلة من العراق وإيران في حدود مليوني برميل وذلك بخفض إنتاج بعض أعضاء دول المنظمة وتعديل حصص الإنتاج وسقفه، ولكن هذا الأمر لن يستمر طويلاً فكلٌ من العراق وإيران في حاجةٍ ماسّةٍ إلى أسواقٍ آمنة؛ كي تستطيعان زيادة مبيعاتهما وبكثافة، وذلك يزيد احتمال أن تكون منافسة للدول المصدرة الكبرى في "أوبك"، وقد تدخل المنظمة في خلاف قد يؤدي إلى خفض حاد في أسعار النفط، الأمر الذي لن يكون في صالح أيٍّ من دول المنظمة خصوصاً العراق وإيران، فالهدف من زيادة إنتاج هاتين الدولتين هو الحصول على تدفقات نقدية متواصلة وبمعدلات أعلى لسعر النفط الخام، كما أن طموحات هاتين الدولتين كبيرة فهما في حاجة ماسة إلى بناء البنية التحتية النفطية، ما يجعل ضعف سعر البرميل بمعدل أقل من 100 دولار تطوراً لن يصب لمصلحتهما، وعلى أية حال لن تكون الأسواق النفطية الواعدة قادرة على استيعاب هذه الكميات إضافة إلى الكميات المقبلة من أفريقيا وفنزويلا نتيجة لاكتفاء الولايات المتحدة الأمريكية من النفط الصخري المحلي الخفيف، فلن تنتعش الأسعار مهما خفضت بعض دول "أوبك" من إنتاجها، والتحدي الآخر يتمثل في مدى قدرة الدول النفطية على التعايش مع المعدلات السعرية التي تقل عن ال 100 دولار فكل الدول النفطية تبني موازناتها وفق سعر لبرميل النفط يتراوح ما بين 85 و100 دولار، خصوصاً الدول ذات الكثافة السكانية العالية من دول "أوبك"، وذلك يستدعي ضرورة التنسيق بين مختلف دول المنظمة وألا تدخل الدول الأعضاء في حرب أسعار بإعطاء الحسوم والمغريات والتلاعب بأساليب المقايضة إذ ان هذا سيضعف معدل سعر برميل النفط في حين أن الطلب العالمي لن يستطيع أن يلحق بمعدلات الزيادات المقبلة من النفط التقليدي والصخري، وهي تعد تحديات كبيرة ستكون مصيرية للمنظمة.