TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

القرارات الصعبة.. دروس مستفادة من تجربة الصين لاحتواء كورونا

القرارات الصعبة.. دروس مستفادة من تجربة الصين لاحتواء كورونا

مباشر - سالي إسماعيل: يُعد فيروس "كورونا" ذو تداعيات جادة وعميقة على الاقتصاد العالمي، كما دفع صناع السياسة للسعي وراء وسائل الاستجابة لهذه المعضلة.

وتوضح تجربة الصين حتى الآن أن السياسات الصحيحة تصنع فارقاً في مكافحة المرض وتخفيف تأثيره، لكن بعض هذه السياسات تأتي مع مقايضات اقتصادية صعبة، وفقاً لرؤية تحليلية نشرتها مدونة صندوق النقد الدولي لثلاثة اقتصاديين وهم رئيس بعثة الصين لدى الصندوق "هيلج بيرغر" ونائب مدير قسم آسيا والمحيط الهادئ "كينيث كانغ" ومدير القسم "تشانغ يونغ".

قرارات صعبة

يأتي النجاح في احتواء الفيروس على حساب النشاط الاقتصادي المتباطئ بصرف النظر ما إذا كان الإبعاد الاجتماعي وتحجيم التحركات يتم بشكل طوعي أو إجباري.

وبالنظر إلى حالة الصين، نفذ صناع السياسة قيوداً صارمة على عمليات التنقل على كلا المستويين الوطني والمحلي، فعلى سبيل المثال في ذروة تفشي الفيروس طبقت مدن عديدة إجراءات صارمة فيما يتعلق بحظر التجول على مواطنيها.

لكن هذه المسألة لم تكن على نفس القدر من الدمار الذي كانت عليه مقاطعة هوبي، التي رغم المساعدات الكثيرة من جانب بقية الصين، إلا أنها عانت بشدة في مساعدة إبطاء وتيرة انتشار المرض عبر البلاد.

ويوضح ذلك أنه كلما استفحل الوباء في جميع أنحاء العالم كلما كان هؤلاء الأكثر تضرراً - داخل الدول وكذلك عبر الدول - بحاجة للدعم للمساعدة في احتواء الفيروس وتأخير انتشاره للآخرين.

تكاليف باهظة

خلف تفشي الفيروس في الصين معاناة إنسانية فظيعة، كما يواصل هذه التداعيات في أماكن أخرى، جنباً إلى جنب مع التكاليف الاقتصادية الكبيرة.

وتدل كافة المؤشرات أن تباطؤ اقتصاد الصين خلال الربع الأول من عام 2020 سيكون كبيراً وسيترك أثراً عميقاً على مدى العام.

والأمر الذي بدأ في شكل سلسلة من حالات التوقف المفاجئ في النشاط الاقتصادي، سريعاً ما اندفع عبر الاقتصاد وتحول إلى صدمة شاملة تعيق العرض والطلب معاً، كما يتضح في بيانات الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة عن شهري يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط والتي كانت ضعيفة للغاية.

وتعتبر صدمة فيروس كورونا حادة حتى عند المقارنة مع الأزمة المالية الكبرى عام 2007 و2008، والتي أضرت كل من الأسر والشركات والمؤسسات المالية والأسواق في نفس الوقت، أولاً في الصين وحالياً على مستوى العالم.

إجراءات سريعة

يتطلب التخفيف من تأثير هذه الصدمة الحادة تقديم الدعم إلى الفئات الأكثر ضعفاً.

واستهدف صناع السياسة في الصين الأسر الضعيفة كما بحثوا عن وسائل جديدة تمكنهم من الوصول إلى الشركات الأصغر حجماً، على سبيل المثال من خلال الإعفاء من رسوم الضمان الاجتماعي وفواتير الخدمات إضافة إلى توجيه الائتمان من خلال شركات التكنولوجيا المالية.

وهناك سياسات أخرى يمكن أن تكون كذلك مفيدة، حيث قامت السلطات سريعاً بإتاحة القروض المدعومة لدعم زيادة إنتاج المعدات الصحية وغيرها من الأنشطة الهامة اللازمة لطرق مواجهة تفشي الكورونا.

وتتطلب حماية الاستقرار المالي اتخاذ إجراءات حازمة ومنسقة بشكل جيد.

وأظهرت الأسابيع الماضية كيف يمكن لأزمة صحية، مهما كانت مؤقتة، أن تتحول إلى صدمة اقتصادية، حيث يمكن أن يتفاقم نقص السيولة واضطرابات الأسواق بل ومسألة دائمة كذلك.

وفي الصين، تدخلت السلطات في وقت مبكر لدعم الأسواق بين البنوك مع توفير الدعم المالي للشركات التي تعاني من ضغوط في حين سمحت للعملة المحلية "الريمبيني" بالتكيف مع الضغوط الخارجية.

ومن بين التدابير الأخرى، تضمن ذلك توجيه البنوك للعمل مع المقترضين المتضررين من تفشي الكورونا إضافة لتحفيز المصارف على إقراض الشركات الصغيرة من خلال التمويل الخاص من البنك المركزي الصيني، كما تم خفض متطلبات الاحتياطي للبنوك.

وتمتعت الشركات الكبيرة، بما في ذلك الشركات المملوكة للدولة، بإمكانية الوصول إلى ائتمان مستقر نسبياً طوال الوقت، وهو ما يرجع جزئياً إلى حد كبير لاستمرار البنوك الحكومية الكبيرة في الصين في منحهم قروض بمبالغ كبيرة.

وبالطبع، تأتي أدوات الإنقاذ بالتزامن مع مشاكلهم الخاصة.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤدي عملية السماح لمجموعة كبيرة من الجهات المدينة بمزيد من الوقت للوفاء بالتزاماتهم المالية إلى تقويض السلامة المالية في وقت لاحق إذا لم تكن تستهدف مشكلة حالية ومحددة الوقت.

ومن شأن إساءة تخصيص الائتمان المدعوم وإلحفاظ على الشركات غير السليمة اقتصادياً أن يعطل نمو الإنتاجية لاحقاً.

ومن الواضح أن استخدام أدوات أفضل استهدافاً، حيثما كان ذلك ممكناً، يمثل الطريق الصحيح.

الأزمة لم تنته بعد

في حين أن هناك علامات مطمئنة للتطبيع الاقتصادي في الصين - حيث أبلغت غالبية الشركات الكبيرة إعادة فتح أبوابها وعودة العديد من الموظفين إلى وظائفهم - إلا أنه لا تزال هناك مخاطر شديدة.

ويشمل ذلك الإصابات الجديدة الآخذة في الارتفاع مجدداً مع استئناف السفر على الصعيد الوطني والدولي.

وحتى في غياب تفشي آخر في الصين، فإن الوباء الحالي يخلق مخاطر اقتصادية.

وعلى سبيل المثال، مع مواجهة المزيد من الدول تفشي الوباء إضافة إلى تذبذب الأسواق المالية العالمية، فمن المحتمل أن يظل المستهلكين والشركات في حالة من القلق، ما يؤدي لانخفاض الطلب العالمي على السلع الصينية.

ولذا، يتعين على صناع السياسة في الصين أن يكونوا مستعدين لدعم النمو الاقتصادي والاستقرار المالي عند الحاجة.

وبالنظر إلى الطبيعة العالمية لتفشي الفيروس، فإن العديد من هذه الجهود المبذولة ستكون أكثر فعالية إذا تم تنسيقها على المستوى الدولي.