TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الاقتصاد العالمي.. ركود غير مسبوق وتعافٍ يحيطه الشك

الاقتصاد العالمي.. ركود غير مسبوق وتعافٍ يحيطه الشك

مباشر - سالي إسماعيل: دفع وباء "كوفيد-19" الاقتصادات في حالة من الإغلاق الكبير، والتي ساعدت على احتواء الفيروس وإنقاذ الحيوات لكنها كذلك أثارت أسوأ ركود اقتصادي منذ الكساد العظيم.

وتقوم حالياً أكثر من 75 بالمائة من الدول بإعادة فتح اقتصاداتهم في الوقت نفسه، مع حقيقة أن الوباء كان منتشراً بشكل حاد في العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة، كما بدأت العديد من الدول في التعافي.

ومع ذلك، في ظل غياب العلاج الطبي، فإن قوة التعافي الاقتصادي غير مؤكدة بدرجة كبيرة كما أن الأثر على القطاعات والدول غير متكافئ، وفقاً لتقرير نشرته مدونة صندوق النقد الدولي لكبيرة الاقتصاديين "جيتا جوبيناث".

وعند المقارنة بتقرير التوقعات المستقبلية حول الاقتصاد العالمي والصادر في أبريل/نيسان الماضي، فإن صندوق النقد يتوقع ركوداً أكثر عمقاً في 2020 وتعافياً أبطأ في عام 2021.

ومن المتوقع أن يتعرض الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى انكماش 4.9 بالمائة في عام 2020، وهو ما يعتبر أسوأ بنحو 1.9 بالمائة من توقعات أبريل/نيسان الماضي، يتبعه تعافٍ جزئي بنمو 4.5 بالمائة في عام 2021.

ركود اقتصادي أعمق - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

وتعني هذه التوقعات خسائر تراكمية أمام الاقتصاد العالمي في غضون عامين (2020-2021) تبلغ نحو 12 تريليون دولار جراء هذه الأزمة.

خسائر الناتج المحلي الإجمالي العالمي - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

ويعكس خفض التقديرات مقارنة مع تقرير أبريل/نيسان الماضي نتائج أسوأ من المتوقع في النصف الأول من هذا العام، وهي توقعات ناجمة عن احتمالية فرض المزيد من قواعد التباعد الاجتماعي الحالية في النصف الثاني من هذا العام والضرر الذي قد يلحق بالمعروض.

درجة كبيرة من عدم اليقين

وتحيط بهذه التوقعات درجة كبيرة من عدم اليقين، مع مخاطر في كلا الاتجاهين الصاعد والهابط على الآفاق المستقبلية.

وعلى الجانب الصعودي، فيمكن أن تؤدي أنباء أفضل حول اللقاح والعلاجات للوباء ودعم إضافي من السياسة إلى استئناف أسرع للنشاط الاقتصادي.

أما على صعيد المخاطر السلبية، يمكن أن تساهم موجة ثانية من حالات الإصابة بالوباء في عكس القدرة على التنقل والإنفاق والظروف المالية التي سيتم تشديدها سريعاً إضافة إلى إثارة خطر العجز عن سداد الديون.

تعافي غير مسبوق

ومثلما كانت الأزمة الحالية غير مسبوقة فإن التعافي سيكون لا مثيل له.

أولاً، يعرقل الاجتياح العالمي غير المسبوق جراء هذه الأزمة آفاق التعافي للاقتصادات المعتمدة على التصدير، كما يعرض فرص تقارب الدخل بين الاقتصادات النامية والمتقدمة للخطر.

ونتوقع حدوث انكماشاً اقتصادياً عميقاً ومتزامناً خلال عام 2020 لكل من الاقتصادات المتقدمة (تراجع الناتج المحلي الإجمالي 8 بالمائة) والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (هبوط الإنتاج بنحو 3 بالمائة يصل إلى 5 بالمائة حال استبعاد الصين).

ومن المتوقع أن يعاني أكثر من 95 بالمائة من دول العالم من النمو السالب في نصيب الفرد من الدخل خلال عام 2020.

ومن المتوقع أن تتجاوز الضربة التراكمية لنمو الناتج المحلي الإجمالي خلال عامي 2020 و2021 بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية باستثناء الصين تلك التي ستعاني منها الاقتصادات المتقدمة.

تعافي الاقتصاد الجزئي - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

ثانياً، مع إعادة الدول فتح اقتصاداتها، فإن التعافي في النشاط سيكون غير متكافئاً.

من ناحية، سيؤدي الطلب المكبوت إلى زيادة مفاجئة في الإنفاق في بعض القطاعات مثل التجزئة، في حين أنه على جانب آخر ستشهد قطاعات الخدمات ذات التواصل الكثيف مثل الضيافة والسفر والسياحة ركوداً.

ومن المرجح أن تتأثر الدول التي تعتمد بشدة على قطاعات خدمية مثل السالف ذكرها، بشكل حاد لفترة طويلة.

ثالثاً، تضرر سوق العمل بشدة وبوتيرة قياسية، وخاصةً بالنسبة للعمال ذوي الأجور المنخفضة والمهارة المتوسطة والذين ليس لديهم خيار العمل عن بعد.

ومع حقيقة أن النشاط في القطاعات كثيفة العمالة مثل السياحة والضيافة من المتوقع أن يظل خافتاً، فإن التعافي في سوق العمل ربما يستغرق بعض الوقت، الأمر الذي يفاقم من عدم المساواة ويزيد من الفقر.

دعم السياسة الاستثنائي لعب دوراً مساعداً

على الجانب الإيجابي، فإن التعافي يستفيد من دعم السياسة غير العادي وخاصةً في الاقتصادات المتقدمة وبدرجة أقل في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الأكثر تقيداً بالمساحة المالية.

ويقف الدعم المالي العالمي الآن عند أكثر من 10 تريليونات دولار كما أن السياسة النقدية تم تيسيرها بشكل كبير عبر خفض معدلات الفائدة وضخ السيولة وشراء الأصول.

وفي العديد من الدول، فإن إجراءات كهذه نجحت في دعم سبل كسب المعيشة كما حالت دون عمليات إفلاس على نطاق واسع للشركات، وبالتالي المساعدة في الحد من ندبات دائمة ودعم التعافي.

كما أن هذا الدعم الاستثنائي وخاصةً من جانب البنوك المركزية الكبرى، ساهم في دفع التعافي في الظروف المالية بقوة على الرغم من النتائج الواقعية القاتمة.

وتمكنت أسعار الأسهم من التعافي، كما تقلصت الفوارق الائتمانية للسندات وشهدت تدفقات المحافظ الاستثمارية في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة حالة من الاستقرار، إضافة إلى أن العملات التي انخفضت بشكل حاد قد تعززت قيمتها.

ومن خلال تفادي وقوع أزمة مالية، فإن دعم السياسة قد ساعم في تجنب نتائج واقعية سيئة.

وفي الوقت نفسه، فإن الفصل بين الاقتصاد الحقيقي وبين الأسواق المالية قد أثار المخاوف من الإفراط في الإقبال على المخاطرة، وهو ما يُشكل نقطة ضعف كبيرة.

الأزمة لم تنتهِ بعد

وبالنظر إلى حالة عدم اليقين الهائلة، يتعين على صانعي السياسات أن يظلوا متيقظين، وسوف تحتاج السياسات إلى التكيف مع تطور الموقف.

ويجب أن يستمر الدعم المشترك والملموس من جانب السياسة المالية والسياسة النقدية في الوقت الحالي، وخاصة في الدول التي من المتوقع أن يظل التضخم فيها منخفضاً.

وفي الوقت نفسه، يجب على الدول ضمان المحاسبة والشفافية المالية الصحيحة وعدم المساس باستقلال السياسة النقدية.

وتتمثل الأولوية في إدارة المخاطر الصحية حتى مع إعادة فتح الدول.

ويتطلب ذلك الاستمرار في تعزيز القدرات الصحية والاختبار على نطاق واسع والتتبع والعزل وممارسة التباعد الآمن (وارتداء أقنعة الوجه).

وتساعد هذه الإجراءات في احتواء انتشار الفيروس وتطمئن العامة بأنه يمكن التعامل مع حالات الإصابة الجديدة بطريقة منظمة كما تعمل على تقليل الاضطرابات الاقتصادية.

ويجب على المجتمع الدولي كذلك زيادة المساعدة المالية والخبرة إلى الدول ذات القدرة المحدودة على الرعاية الصحية.

وهناك الحاجة إلى فعل المزيد من أجل ضمان إنتاج اللقاحات والعلاجات وتوزيعها بشكل مناسب وبأسعار معقولة عندما تصبح متاحة.

وفي الدول التي تتعرض فيها الأنشطة لقيود شديدة بسبب الأزمة الصحية، فإن الأشخاص المتضررة بشكل مباشر ينبغي أن يتلقوا دعم للدخل من خلال إعانات البطالة ومساعدات الأجور والتحويلات النقدية.

كما يجب أن تتلقى الشركات المتضررة الدعم من خلال تأجيل مدفوعات الضرائب والقروض وضمانات الائتمان والمنح.

ومن أجل الوصول إلى العاطلين عن العمل بشكل أكثر فعالية في الدول ذات القطاعات غير الرسمية بشكل كبير، يجب زيادة المدفوعات الرقمية ومساندتها بدعم عيني للأغذية والأدوية وغيرها من السلع الأساسية المنزلية التي يتم توجيهها عبر الحكومات المحلية والمنظمات المجتمعية.

وفي الدول التي بدأت في إعادة الفتح مع بدء التعافي، سيحتاج دعم السياسات إلى التحول تدريجياً نحو تشجيع الناس على العودة إلى العمل وتسهيل إعادة توزيع العمال على القطاعات ذات الطلب المتزايد والابتعاد عن القطاعات التي تشهد انكماشاً.

ويمكن أن يحدث ذلك في شكل الإنفاق على تدريب العمال وإعانات التوظيف التي تستهدف العمال الذين يواجهون خطراً أكبر للبطالة على المدى الطويل.

كما سيتضمن دعم التعافي إجراءات لإصلاح الميزانيات العمومية ومعالجة أعباء الديون المتراكمة.

وسيتطلب ذلك أطر وآليات إعسار مالي قوية لإعادة هيكلة الديون المتعثرة والتخلص منها.

كما يجب أن يتحول دعم السياسات تدريجياً من كونه مستهدفاً إلى كونه أكثر شمولاً.

وحيثما يسمح الحيز الضريبي، يجب على الدول القيام باستثمارات عامة خضراء لتسريع التعافي ودعم الأهداف المناخية طويلة المدى.

ومن أجل حماية أكثر الفئات ضعفاً، ستكون هناك حاجة لبعض الإنفاق على شبكة الأمان الاجتماعي لبعض الوقت.

ويجب على المجتمع الدولي أن يضمن قدرة الاقتصادات النامية على تمويل الإنفاق الحرج من خلال توفير التمويل الميسر وتخفيف الديون والمنح، وأن تكون لدى الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إمكانية الوصول إلى السيولة الدولية من خلال ضمان استقرار الأسواق المالية وخطوط مقايضة البنوك المركزية ونشر شبكة أمان مالي عالمية.

ومن شأن هذه الأزمة أن تولد كذلك تحديات على المدى المتوسط.

ومن المتوقع أن يصل الدين العام خلال 2020 لأعلى مستوى على الإطلاق نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة والاقتصادات النامية.

وستحتاج الدول إلى أطر مالية سليمة للدعم على المدى المتوسط من خلال تقليص الإنفاق المهدر وتوسيع القاعدة الضريبية وتقليل التهرب الضريبي وزيادة الضرائب التصاعدية في بعض الدول.

 

ركود اقتصادي أعمق - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

 

وفي الوقت نفسه، تقدم هذه الأزمة كذلك فرصة لتسريع التحول إلى نمو أكثر إنتاجية وأكثر استدامة عبر الاستثمار في التقنيات الرقمية والخضراء الجديدة وشبكات الأمان الاجتماعي الأوسع.

ويُعد التعاون العالمي هام للغاية من أجل التعامل مع أزمة عالمية حقيقية.

ويتبغي بذل كافة الجهود لحل التوترات التجارية والتكنولوجية مع تحسين نظام التجارة متعدد الأطراف والقائم على القواعد.

وسيواصل صندوق النقد بذل كل ما بوسعه من أجل ضمان سيولة دولية كافية وتوفير التمويل في حالة الطوارئ ودعم مبادرة تعليق خدمة الديون من جانب مجموعة الدول العشرين إضافة إلى تقديم المشورة والدعم إلى الدول خلال هذه الأزمة غير المسبوقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أحدث توقعات الأداء الاقتصادي لدول العالم - (المصدر: صندوق النقد الدولي)