TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

على غرار قانون نيوتن.. كيف ضرب "كوفيد-19" بندول الاقتصاد والأسواق؟

على غرار قانون نيوتن.. كيف ضرب "كوفيد-19" بندول الاقتصاد والأسواق؟

مباشر - سالي إسماعيل: حتى في الوقت الذي ضرب فيه عدم اليقين الأسواق مع بدء عمليات الإغلاق الناجمة عن وباء كورونا، فإن بذور الاستقرار قد تم زرعها في الاستجابة الهائلة للسياسة المالية والنقدية.

ويوضح تحليل نشرته مدونة أكبر شركة لإدارة الأصول عالمياً لثلاثة من خبراء أصول الدخل الثابت في "بلاك روك" وهم "ريك ريدر" و"راسل براونباك" و"تريفور سلافين" أن الخلاصة تكمن في معرفة كيفية النجاح خلال هذه الفترة على المدى الطويل.

وعلى مدى السنوات العديدة الماضية، أشرنا باستمرار إلى التأثير المذهل للتكنولوجيا والتركيبات السكانية على الاقتصادات والأسواق.

ومن ناحية، يعمل الابتكار التكنولوجي سريعاً على تغيير نماذج استثمار الشركات والأعمال، في حين يساهم كذلك في تراجع مستمر لمعدل التضخم وهو أمر مفضل لدى المستهلكين.

ومن جهة أخرى، فإن شيخوخة وتباطؤ نمو السكان في الدول المتقدمة تقدم ملامح النمو الأكثر ضعفاً مع تحولات كبيرة في أنماط الاستهلاك والطلب الهائل على دخل الأسواق المالية.

وبين هاتين القوتين كانت النتيجة تتمثل في الاستقرار التاريخي، مع تقلبات اقتصادية تقف عند أو بالقرب من أدنى مستوياتها على الإطلاق.

وعرقل وباء "كوفيد-16" هذا السلام الاقتصادي النسبي.

لكل فعل رد فعل متساوٍ ومخالف في الاتجاه

يذكرنا الاستقرار الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية بـ"بندول نيوتن"، وهو جهاز يُنسب إلى اسم العالم الإنجليزي "إسحاق نيوتن" في القرن السابع عشر، والذي يظهر استقراراً ملحوظاً في مركز البندول لكنه يستمد الطاقة من القوى الخارجية.

وباستخدام هذا التشبيه، فإن هذه الحلقة من رد الفعل في ظل الظروف العادية تكون معتدلة إلى حد ما ويمكن التنبؤ بها، حيث ترسل الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي إشارات إيجابية عبر النظام الاقتصادي وتحافظ في نهاية المطاف على التوازن.

ومع ذلك، فإن وباء "كوفيد-19" ضرب البندول الاقتصادي بشدة لدرجة أنه هدد بإسقاط هذا الإطار بأكمله.

وفي الواقع، يبدو وباء كورونا الذي أحاط العالم وكأنه قوى لا يمكن إيقافها، حيث إنه ألقى كرات البندول جميعها في حالة من الفوضى ويدمر الاقتصاد الحقيقي وكذلك الثروة صعوداً وهبوطاً في مجموع رأس المال.

ولحسن الحظ، علمنا نيوتن أيضاً أنه لكل فعل رد فعل متساوٍ معه في القوة ويعاكسه في الاتجاه.

وعلى مدى الأسابيع الخمسة الماضية، تشير الأسواق المالية إلى أن القوى التي لا يمكن إيقافها قد حققت هدفاً لا يمكن تغييره في شكل استجابة السياسة المالية والنقدية التاريخية المتمثلة في "القيام بكل ما يتطلبه الأمر".

وفي الولايات المتحدة، التي لديها تقريباً ثلث حالات الإصابة بالوباء في العالم، تم تقديم مبادرات مالية تحظى بدعم الحزبين من أجل توفير الإغاثة الفورية للأسر والشركات والحكومات المحلية.

والأهم من ذلك، أن السياسة النقدية الجريئة والتاريخية حقاً قد تم وضعها لكي تتماشى مع هذه البرامج الفيدرالية.

ومن المؤكد أن الطلب في الاقتصاد الحقيقي سيحتاج إلى إعادة التشغيل بطريقة طبيعية لاستعادة الإنتاج بالكامل، وبينما نعتقد أن هذا سيحدث بشكل مطلق في نهاية المطاف، إلا أنه من شبه المستحيل تقريباً معرفة التوقيت بشكل دقيق.

وفي غضون ذلك، فإن هذه الاستجابة العالمية التي تنسق المبادرات النقدية والمالية توفر جسراً معقولاً لمواجهة فجوة الاقتصاد الحقيقي التي أوجدتها الصدمة الناتجة عن انتشار الفيروس وعمليات الإغلاق الاقتصادي اللاحقة.

ومن شأن النفقات المالية الرئيسية الموجهة للشارع أن توفر الدعم الذي يعادل تقريباً خمسة أمثال النمو الطبيعي لاقتصاد يعمل بشكل طبيعي خلال الربع الثالث من عام 2020.

كما من المرجح أن يستوعب الفيدرالي كل الاقتراض الإضافي للخزانة، والذي يبلغ 2.5 تريليون دولار تقريباً، خلال الفترة المتبقية من العام.

وعلى الرغم من الإصدار القياسي للسندات، فإن الكمية الحقيقية لديون الخزانة الأمريكية التي يحتفظ بها العامة ستظل مستقرة إلى حد ما.

وفيما يتعلق باستيعاب هذا المعروض، لا يساعد الفيدرالي في الحفاظ على سقف لتكاليف الاقتراض بالنسبة لكل شيء من السندات المحلية إلى القروض التجارية فحسب، لكنه كذلك يحافظ على توفير رأس مال القطاع الخاص سعياً للحصول على عوائد أكبر في الأصول الخطرة، الأمر الذي وفر الاستقرار للأسواق المالية على مدى الأسابيع القليلة الماضية.

التحفيز المالي يدعم الاقتصاد - (المصدر: بلاك روك)

تسارع الاتجاهات المتزامنة السابقة أمراً رئيسياً بالنسبة للاستثمار

والأهم من ذلك، أن الأمر لم يقتصر على هذا الصدام بين وباء كورونا واستجابة السياسة الناجمة والذي كان بمثابة قوة كلية خارجية هائلة لكن مؤقتة على النظام الاقتصادي، وإنما التعطيل تسبب في تسريع أهم اثنين من الديناميكيات الهيكلية التي نتبعها اليوم: إعادة توزيع التدفقات النقدية للشركات التي تقودها التكنولوجيا والطلب على العائد الذي تقوده التركيبة الديمقوجرافية.

وفي عالم العمل من المنزل هذا، فإن التحولات الوليدة نحو التسوق عبر الإنترنت وتوصيل الطعام عبر الإنترنت والتمارين في المنزل وغيرهم، تدخل في حالة نشاط متصاعد.

وبينما توفر استجابة السياسة النقدية شبكة أمان على المدى القريب للأسواق، إلا أنها تزيد من تفاقم اختلال العرض مقابل الطلب للأصول ذات العائد عالي الجودة، حيث إن إصدار سندات الخزانة وسندات الشركات تمتص الدولارات المطبوعة حديثاً.

وساهم تسريع هذين الاتجاهين على المدى الطويل في لعب دور لا يصدق تقريباً في الانتعاش الملحوظ بأسعار الأصول المالية منذ أواخر شهر مارس/آذار وحتى اليوم.

ويتمتع مؤشر "ناسداك" لأسهم التكنولوجيا الأمريكية بأداء إيجابي منذ بداية العام وحتى الآن، بمساهمات من جانب كل شركة من أكبر خمس شركات.

وعلى النقيض من ذلك، انخفضت قطاعات البنوك والصناعة وأسهم الشركات ذات القيمة السوقية الصغيرة ما بين 20 بالمائة و40 بالمائة، وتقترب من أدنى مستوياتها على الإطلاق مقارنة بالمؤشرات الأوسع نطاقاً.

وفي سوق الدخل الثابت، سجل العائد الحالي على مؤشر بلومبرج باركليز الأمريكي المجمع مستويات قياسية متدنية خلال شهر مايو/آيار الجاري.

وبحلول نهاية العام، ستعادل مشتريات الفيدرالي للأصول المالية ما يقرب من 45 بالمائة من إجمالي حجم السندات الأمريكية.

ويبدو أن التدفقات النقدية القابلة للاستثمار في العالم إما يتم شراؤها من قبل المركزي الأمريكي أو أنها تتركز في أيدي عدد قليل من شركات التكنولوجيا المبتكرة بشكل لا يصدق.

وربما يُعد هذا التشتت في التدفقات النقدية بمثابة النتيجة الاستثمارية الأكثر أهمية اليوم، بالنظر إلى محاولة تكوين المحافظ الاستثمارية في الفترة المتبقية من هذا العام وما بعده.

ولكن كيف يمكنك تخصيص الأصول عندما تُشكل أسهم الشركات الأمريكية الخمس الكبرى 20 بالمائة من القيمة السوقية لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"؟، كما يبلغ حجم مؤشر ناسداك الذي يغلب عليه الطابع التكنولوجي بقوة ما يقرب من ثمانية أمثال حجم مؤشر "راسيل 2000".

ومن المثير للدهشة أن القيمة السوقية المجمعة لأسهم شركات "مايكروسوفت و"آبل" و"أمازون" تعادل تقريباً في الوقت الحالي حجم سوق السندات الأمريكي ذو العائد المرتفع بالكامل.

ويتفاقم هذا التركيز والتشتت أكثر عند التفكير في أن المسار الاقتصادي في فترة ما بعد الوباء يكاد يكون غير قابل للتحليل، حيث تواجه العديد من القطاعات تهديدات الوجود نفسه.

ويعتبر اختيار الأمان أكثر صعوبة من أيّ وقت مضى، لكنه يجعل الأمر كذلك أكثر قيمة من أيّ وقت مضى.

ومن خلال هذا المنظور، يمكننا محاولة تحديد الكيانات القادرة على توليد عوائد جذابة على رأس المال المستثمر بتكاليف معقولة ، مما يوفر أساسًا رائعًا للتفوق المستمر على السوق الأوسع اليوم.

إذن، كيف يمكن للمرء أن يبني محفظة مثالية توفر عوائد جذابة وتتجنب مخاطر التقلبات الحادة للائتمان وتحقق توازن المحفظة في الوقت الذي تكون فيه الشركات فعلياً بحجم فئة الأصول بأكملها؟

ومن أسفل لأعلى، نبحث عن الشركات التي تستثمر بشكل أكثر استدامة في الإنفاق الرأسمالي المبتكر والبحث والتطوير.

وعلى وجه التحديد، نحن نتطلع إلى الاستثمار في الشركات التي تدافع عن الاتجاهات الديموجرافية الرامية لتراجع معدل التضخم أو الاستفادة منها.

أو في الشركات التي طورت نماذج أعمال تضعها على الجانب الصحيح من التغيير التكنولوجي، وهذا هو ما يشكل تدفقاتها النقدية بشكل دائم في كل من عالم الوباء وعالم ما بعد "كوفيد-19".

اعتبارات تخصيص المحفظة الاستثمارية

من منظور من أعلى لأسفل، لا يوجد عائد كافٍ محتمل في الأجزاء التي تحظى بالتصنيف الائتماني الأعلى من الدخل الثابت مثل سندات الخزانة الأمريكية والرهون العقارية والسندات المحلية على مستوى المقاطعات والولايات لضمان تخصيص مفيد.

وباستثناء نهاية منحنى عائد سندات الخزانة، أدت مشتريات الفيدرالي والسعي لحيازة السندات الأكثر جودة إلى انخفاض هذه العوائد بالفعل.

ويجب أن تستمر سندات الخزانة طويلة الآجل في توفير التحوط أو التوازن للمحفظة الاستثمارية لكن يمكن كذلك أن تواجه نوبات من الضعف المدفوع بالعرض بسبب متطلبات التمويل لهذه المبادرات المالية الضخمة للغاية التي يُجرى تنفيذها.

ونفضل كذلك امتلاك بعض سندات وزارة الخزانة المحمية من التضخم، وفي حين أننا نحافظ على وجهة نظرنا المعروفة بأن التضخم سيتم احتواءه بشكل جيد، إلا أن تسعير السوق الحالي يقدم خصماً كبيراً لدرجة عدم تجاهله.

ونتوقع أن مزيجاً متنوعاً من أصول الدخل الثابت متوسطة الجودة، مع عائدات تدور حول 5 بالمائة، من المرجح أن تحقق أداءً جيداً في العام المقبل، خاصةً إذا مصحوباً باختيار أمان كافي.

ونرى مثل هذه الفرص في سوق السندات الأمريكي المصدرة حديثاً من الدرجة الاستثمارية، وكذلك في أجزاء من سوق السندات ذات العائد المرتفع.

وفي حقيقة الأمر، نعتقد أن التصنيف الائتماني قد لا يكون اليوم بنفس أهمية الاستثمار في القطاع أو ضمانات الأصول، كما سيلعب تنظيم الصفقات دوراً كبيراً في تحديد النتائج التي سوف يتم تحقيقها.

أما بالنسبة للأسهم، في حين أن الارتفاع المسجل في شهر أبريل/نيسان يترك المؤشرات الأمريكية الرئيسية مبالغ في قيمتها بعض الشيء، من الناحية الفنية، إلا أننا نعتقد بدرجة كبيرة أنه يجب تقييم الأسهم بناءً على التدفقات النقدية طويلة الأجل التي تمثلها.

ومع بعض الافتراضات المحافظة، فإن التقييمات الحالية للأسهم الأمريكية على المدى الطويل تتسم بالعدالة في أسوأ الأحوال ويمكن القول إنها تبدو جذابة للغاية وتستحق امتلاكها في محفظة متوازنة بشكل جيد.

وفي الوقت الحالي، مع ذلك، سنبقى على حيازات متوسطة من هذه الاستثمارات من أجل توفير المساحة لتوسيع المخصصات في حالة التحركات المحتملة في أسعار الأسهم في غضون الأسبوع والأشهر المقبلة.

وفي النهاية، في سياق التقلبات الضمنية المرتفعة في الأصول الخطرة وعوائد سندات الخزانة التي تقف عند مستويات منخفضة قياسية، تعتبر التحوطات بمثابة أمر صعب للغاية اليوم.

وفي الواقع، نحن نحب البيع خلال أوقات التقلبات كمصدر للدخل مرة أخرى.

ومع انخفاض معدل التقلبات في الأسواق بشكل كبير، فمن المنطقي أن بقية مجموعة الأصول يمكن أن تحذو حذوها في الوقت المناسب مع دعم السياسة النقدية واسعة الانتشار.

وبالإضافة إلى ذلك، يبدو امتلاك القليل من الذهب كتحوط، والاحتفاظ ببعض السيولة النقدية الإضافية، بمثابة أمر منطقي كذلك.

وخلاصة القول، شهدت أسعار الأصول في عام 2020 ديناميكية "بندول نيوتن" بسرعة فائقة مع زخم شديد إلى الجانب السلبي الذي يعوضه سريعاً دعم صريح من صانعي السياسات الاقتصادية، مما يتركنا الآن في مكان ما في الوسط.

وفي حين أننا نرى في نهاية المطاف مساراً نحو تحقيق التوازن الأساسي لبندول نيوتن الاقتصادي، إلا أننا لم نصل إلى هذا النطاق بعد.