TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

العريان يحلل: التناقض الصارخ بين مكاسب الأسواق ومعاناة الاقتصاد

العريان يحلل: التناقض الصارخ بين مكاسب الأسواق ومعاناة الاقتصاد

مباشر - سالي إسماعيل: بعد أسابيع قليلة من أزمة فيروس كورونا، يشير الكثيرون بالفعل إلى التناقض الصارخ بين ما حدث للاقتصاد الحقيقي والأسواق المالية.

ويعتقد المستشار الاقتصادي في مجموعة أليانز العالمية محمد العريان خلال تحليل نشرته وكالة "بلومبرج أوبينيون" أن هذه التفاوت بين مين ستريت أو Main Street وبين وول ستريت أو Wall Street مدفوعاً بالمشاكل القديمة والحالية.

ويشير مصطلح Main street إلى الشركات الصغيرة والأفراد، بينما wall street هي الأسواق المالية.

كما يسلط هذا الاختلاف الضوء على حالة الاقتصاد والسياسات المالية، وربما يلعب دوراً كذلك في تحديد مستوى المعيشة في الوقت الحالي وفي المستقبل.

ويوجد اثنين من العوامل التي تقود التوتر.

وبالنظر إلى الماضي، لا تزال ذاكرة الأزمة المالية العالمية باقية بوضوح في أذهان الكثير من الناس.

وعلى عكس الأزمة الحالية، فإن "وول ستريت" تسببت في صدمة سيئة في عام 2008 والتي أدت إلى حدوث الركود الكبير في الشركات الصغيرة والاقتصاد الحقيقي وكاد يتحول إلى حالة من الكساد.

وكذلك، كانت وول ستريت هي المستفيد الأساسي من خطة إنقاذ ضخمة، حيث إنه لم يتمكن أغلبها من التعافي فحسب بل وكذلك تحقيق أرباحاً خلال فترة التعافي.

ومما زاد الشعور بالظلم، عانى عدد قليل نسبياً من قادة وول ستريت ناهيك عن مساءلتهم قانونياً أو إرسالهم إلى السجن.

ومع نظرة على زمننا الحالي، نجد مجدداً انفصالا كبيرا بين ثروات الفريقين، وظهر هذا الانفصال بشكل سريع.

ويواجه جانب "مين ستريت" الانهيارات التاريخية في التوظيف (30 مليون عامل أمريكي تقدموا للحصول على إعانات البطالة في غضون 6 أسابيع فقط) والنشاط الاقتصادي (انكماش بنحو 4.8 بالمائة في الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة سنوية خلال الربع الأول مع هبوط إضافي بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40 بالمائة محتمل في هذا الربع).

كما أن الأجور بالنسبة لهؤلاء المحظوظين بما يكفي لحصولهم على وظائف، آخذة في الانخفاض.

ولا يتضح الألم والمعاناة المرتبطين بكل هذا في الطوابير الطويلة خارج بنوك الطعام في كافة أنحاء الولايات المتحدة فحسب، ولكن أيضاً في التقارير المتعلقة بتزايد العنف المنزلي والقلق النفسي.

ومع ذلك، فإن وول ستريت حققت في أبريل/نيسان أفضل أداء شهري للأسهم في غضون 33 عاماً.

كما أن أسواق رأس المال مفتوحة على نطاق واسع لمعظم الشركات المدرجة في البورصة الأمريكية لإصدار تمويل السندات.

وكان جزء كبير نسبياً من القطاع المالي بمنأى عن موجة عمليات التسريح والإفلاس الكبيرة التي عانت منها بقية الشركات الأمريكية.

ولم يمر مدى هذا الاختلاف دون أن يلاحظه أحد بل إنه يثير القلق بالفعل، ولكن هناك أسباب مفهومة تجعل إذابه هذا التفاوت أمراً بالغ الصعوبة.

مرة أخرى في هذه الأزمة، أثبت بنك الاحتياطي الفيدرالي أنه مؤسسة صنع السياسة الأكثر استجابة وقوة.

وبعد زوبعة أولية، تحرك الفيدرالي بجرأة وفعالية لضمان عدم تسبب الأزمة المالية التي كانت أشبه بأزمة 2008 في تضخيم الخطر الحقيقي والواقعي والمتمثل في الكساد الذي وقع في فترة الثلاثينيات.

لكن هذا لا يمكن ضمانه فقط إلا من خلال ضخ تريليونات الدولارات في أسواق رأس المال، وبالتالي تعزيز أسعار الأصول المالية التي تمتلكها في الغالب شرائح المجتمع الأمريكي الأكثر ثراءً.

كما تم استخدام السياسة المالية بجدية كذلك، ولكن إنجاز الأمور في هذه الحالة أمر أكثر تعقيداً بحكم طبيعتها.

وهناك حاجة إلى موافقة الكونجرس على كل إجراء تقريباً (على عكس تدابير السياسة التي يقرها الفيدرالي عبر تصويت الأغلبية).

ويوجد كذلك تحدٍ إضافي يتمثل في بناء قنوات جديدة لتوصيل المساعدة إلى القطاعات المستهدفة سريعاً، وتكون النتيجة الحتمية أكثر عشوائية واقل فعالية.

وكلما طالت مدة هذا التفاوت كلما زادت الانقسامات الأخرى في الولايات المتحدة: الأغنياء مقابل الفقراء والشركات مقابل الأفراد والأجيال الحالية مقابل الأجيال القادمة وهكذا.

والاستجابة الصحيحة للوكالات الحكومية والفيدرالي تكمن في بذل جهود لسد الفجوة من كلا الجانبين بطريقة منظمة من خلال خطوات مثل إجراء تصحيحات منتصف الدورة لجهود الإغاثة لضمان فعالية أكبر وتصميم خطط تعافي جديدة تستهدف تحقيق نمو اقتصادي مرتفع وشامل ومستدام.

وبالتالي تجنب تكرار خطأ أزمة 2008 المتمثل في كسب الحرب والفشل في تأمين السلام وتولية المزيد من الاهتمام إلى المخاطر الأخلاقية المتزايدة في الأسواق المالية وما يرتبط بها من خطر عدم الاستقرار المالي في المستقبل والذي يمكن أن يؤدي إلى إفساد الاقتصاد الحقيقي.

وتؤدي كذلك القطاعات الأكثر حظاً في المجتمع دوراً هاماً، مدفوعة بالمصالح الجماعية والفردية على حد سواء.

وينبغي أن تكثف المزيد من الشركات جهودها في مجال المسؤولية الاجتماعية.

وتماماً مثل القطاع العام، ينبغي أن تركز الشركات على الإغاثة (التبرعات لبنوك الطعام على سبيل المثال) وعلى الانتعاش (على سبيل المثال المساعدة سواء بشكل منفرد أو عبر العمل مع الآخرين وفي إنشاء برامج إعادة التدريب وإعادة التأهيل للوظائف منخفضة التكلفة).

وسيميل البعض إلى القول بإن التناقض الصارخ الحالي في ثروات "مين ستريت" و"وول ستريت" يُعد بمثابة أمر حتمي.

وبسبب هيكل الاقتصاد وأدوات السياسة، يُشكل هذا الموقف محطة غير سارة في رحلة ربما تكون ناجحة للتعافي.

بينما سيعتبره الآخرون بمثابة توضيح متكرر لمدى اختيار النظام لخدمة أولئك الأثرياء بالفعل سواء في الأوقات الجيدة أو السيئة.

ومهما كانت وجهة نظرك، يجب أن نتفق جميعاً على الأولوية الملحة لفعل المزيد الآن لضمان فك الارتباط المنظم والذي يوفر تعافياً سريعاً وشاملاً في سياق الاستقرار المالي الحقيقي.