TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

"الإغلاق الكبير" يثير أسوأ ركود اقتصادي منذ كساد الثلاثينيات

"الإغلاق الكبير" يثير أسوأ ركود اقتصادي منذ كساد الثلاثينيات

مباشر - سالي إسماعيل: تغييرات حادة طرأت على العالم في غضون الثلاثة أشهر الماضية منذ تحديث التوقعات المستقبلية للاقتصاد العالمي الصادرة في يناير/كانون الثاني الماضي.

وتشير كبيرة الاقتصاديين في صندوق النقد "جيتا جوبيناث" خلال تقرير نشرته مدونة المنظمة التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، إلى أن وباء كورونا الذي يعتبر بمثابة كارثة تسبب في خسارة أعداد هائلة من الأروح البشرية بشكل مأساوي.

ومع تنفيذ الدول الحجر الصحي الضروري وسياسات التباعد الااجتماعي من أجل احتواء الوباء، فإن العالم أصبح داخل حالة من الإغلاق الكبير.

ومن غير المرجح ألا يكون حجم وسرعة الانهيار في النشاط الذي يتبعه مشابهاً لأيّ شيء شهدناه في حياتنا.

هذه أزمة لا مثيل لها، كما أن هناك حالة كبيرة من عدم اليقين بشأن تأثيرها على حياة الناس وسبل كسب العيش.

ويتوقف الكثير على حجم الوباء وفعالية تدابير الاحتواء وتطوير العلاجات واللقاحات، لكن كل هذا يعد بمثابة أمور من الصعب التنبؤ بها.

وعلاوة على ذلك، تواجه العديد من الدول حالياً أزمات متعددة، حيث هناك أزمة صحية وأزمة مالية وانهيار في أسعار السلع التي تتفاعل بطرق معقدة.

ويقوم صانعو السياسات بتقديم دعم غير مسبوق للأسر والشركات والأسواق المالية، وفي حين أن هذا الأمر يُعد حاسماً بالنسبة للتعافي القوي إلا أن هناك حالة قوية من عدم اليقين حول ما سيبدو عليه المشهد الاقتصادي عندما تخرج من هذا الإغلاق.

وفي ظل السيناريو الذي يفترض أن الوباء وتدابير الاحتواء المطلوبة ستصل للذروة في الربع الثاني بالنسبة لغالبية دول العالم على أن ينحسر ذلك في النصف الأخير من هذا العام، فنتوقع عبر تقرير الآفاق المستقبلية بشأن الاقتصاد العالمي عن شهر أبريل/نيسان أن يتعرض الاقتصاد العالمي إلى انكماش بنحو 3 بالمائة في عام 2020.

وتعتبر هذه التقديرات عبارة عن تعديل بالخفض بنحو 6.3 بالمائة مقارنة مع التوقعات السابقة الصادرة في يناير/كانون الثاني عام 2020، وهو ما يمثل مراجعة كبيرة في غضون فترة زمنية قصيرة للغاية.

وسيؤدي الإغلاق الكبير إلى ركود اقتصادي هو الأسوأ منذ الكساد العظيم في عام 1930 وأسوأ بكثير من الموقف في الأزمة المالية العالمية في 2008.

الإغلاق الكبير في 2022 - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

ومع افتراض أن الوباء سيتلاشى في النصف الثاني من عام 2020 وأن إجراءات السياسة المتخذة في كافة أنحاء العالم تتمتع بالفعالية في الحيلولة دون حالات الإفلاس على نطاق واسع والخسائر الكبيرة في الوظائف والضغوط المالية على مستوى مستوى النظام بالكامل، نتوقع أن يتعافى النمو العالمي في عام 2021 إلى حوالي 5.8 بالمائة.

وسيكون هذا التعافي في عام 2021 جزئياً فقط، حيث من المتوقع أن يظل مستوى النشاط الاقتصادي دون المستوى الذي توقعناه لذاك العام قبل ضربة الفيروس.

ومن شأن الخسارة التراكمية للناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال عامي 2020 و2021 من أزمة الوباء أن تكون في حدود 9 تريليونات دولار، وهو ما يعتبر أكبر من حجم اقتصادي اليابان وألمانيا مجتمعين.

خسائر الاقتصاد العالمي في 2020 و2021 - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

وتُعد هذه بمثابة أزمة عالمية حقيقية حيث لا يوجد دولة بمنأى عن ذلك، كما أن الدول التي تعتمد على السياحة والسفر والضيافة والترفيه في نموها الاقتصادي تعاني بشكل خاص من اضطرابات كبيرة.

وتواجه الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية تحديات إضافية مع انعكاسات غير مسبوقة في تدفقات رأس المال مع تراجع شهية المخاطرة العالمية وضغوط العملة، بينما تتعامل مع النظم الصحية الضعيفة والمساحة المالية المحدودة لتقديم الدعم.

وعلاوة على ذلك، دخلت العديد من الاقتصادات هذه الأزمة في حالة ضعف مع تباطؤ النمو وارتفاع مستويات الديون.

وللمرة الأولى منذ الكساد الكبير، تعيش الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في حالة من الركود.

وبالنسبة للعام الجاري، فمن المتوقع أن تشهد الاقتصادات المتقدمة انكماشاً بنسبة 6.1 بالمائة.

ومن المتوقع كذلك أن تشهد الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، والتي تكون مستويات النمو الطبيعية أعلى بكثير من الاقتصادات المتقدمة، انكماشاً بنحو 1 بالمائة في عام 2020، وبنسبة 2.2 بالمائة إذا تم استبعاد الصين.

ومن المتوقع أن يتراجع نصيب الفرد من الدخل في أكثر من 170 دولة.

لكن من المتوقع أن تتعافى الاقتصادات المتقدمة والأسواق الناشئة والاقتصادات النامية بشكل جزئي في عام 2021.

ركود الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية في 2020 مقارنة مع أزمة 2009 - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

مقارنة لأداء اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان والصين والهند في 2020 مقارنة بالأزمة العالمية - (المصدر: صندوق النقد الدولي)

السيناريوهات السلبية البديلة

كل ما سبق يعبر عن سيناريو التوقعات الأساسي، لكن بالنظر إلى حالة عدم اليقين الشديد حول مدة وشدة الأزمة الصحية، فإن هناك سيناريوهات بديلة أكثر سلبية.

من المحتمل ألا ينحسر الوباء في النصف الثاني من العام الحالي، مما يؤدي إلى فترات أطول من الاحتواء وتدهور الأوضاع المالية إضافة إلى المزيد من الانهيار في سلاسل التوريد العالمية.

وفي مثل هذه الحالات، من شأن الناتج المحلي الإجمالي العالمي أن يشهد انكماشاً بوتيرة أكبر، حيث سيكون هناك تراجعاً إضافياً بنحو 3 بالمائة في عام 2020 إذا كان الوباء سيمتد لفترة أطول هذا العام.

في حين أنه في حال استمرار الوباء حتى عام 2021، فمن المحتمل أن يكون هبوطاً إضافياً بنحو 8 بالمائة في العام المقبل مقارنة مع سيناريو التوقعات الأساسي.

إجراءات استثنائية

يسمح تسطيح انتشار "كوفيد-19" باستخدام عمليات الإغلاق للأنظمة الصحية للتعامل مع المرض، والذي يسمح بعد ذلك باستئناف النشاط الاقتصادي.

وفي هذا الصدد، لا توجد مقايضة بين إنقاذ الحياة وإنقاذ سبل العيش، وبالتالي يجب على الدول الاستمرار في الإنفاق بسخاء على أنظمتها الصحية وإجراء اختبارات على نطاق واسع فضلاً عن العزوف عن القيود التجارية المفروضة على الإمدادات الطبية.

ويجب أن تضمن الجهود العالمية أنه عندما يتم تطوير العلاجات واللقاحات، يكون لكل من الدول الغنية والفقيرة على حد سواء إمكانية الوصول الفوري.

وبينما يتم إغلاق الاقتصاد، يجب أن يضمن صناع السياسة قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم وأن الشركات يمكنها أن تتعافى بمجرد انتهاء المراحل الحادة من الوباء.

وكانت السياسات المالية والنقدية الضخمة والمستهدفة المتخذة في التوقيت المناسب بالفعل من جانب العديد من صناع السياسيات - بما في ذلك ضمانات الائتمان وتسهيلات السيولة وتحمل القروض وتوسيع التأمين ضد البطالة والمزايا المعززة والإعفاء الضريبي - بمثابة وسائل مساعدة للأسر والشركات.

وينبغي أن يستمر هذا الدعم طوال مرحلة الاحتواء لتقليل الندبات الدائمة التي يمكن أن تنشأ نتيجة تدهور الاستثمار وفقدان الوظائف في ظل هذا الاتجاه الهبوطي الحاد للاقتصاد.

ويجب على صناع السياسات كذلك التخطيط للتعافي، فمع بدء إزالة إجراءات الاحتواء، يجب أن تتحول السياسات سريعاً إلى دعم الطلب وتحفيز التوظيف من جانب الشركات وإصلاح الميزانيات العمومية في القطاعين الخاص والعام من أجل المساعدة على التعافي.

وسيعمل التحفيز المالي الذي يتم تنسيقه عبر الدول ذات المساحة المالية على تضخيم الفوائد التي ستعود على كافة الاقتصادات.

ومن المحتمل أن تكون حاجة إلى استمرارية الوقف الاختياري لسداد الديون وإعادة هيكلة الديون خلال مرحلة التعافي.

ويعتبر التعاون متعدد الأطراف بمثابة أمر حيوي لقوة التعافي العالمي.

ومن أجل دعم الإنفاق المطلوب في الدول النامية، يجب على الدائنين الثنائيين والمؤسسات المالية الدولية توفير التمويل الميسر والمنح وتخفيف عبء الديون.

وساعد تنشيط وإنشاء خطوط المبادلة بين البنوك المركزية الرئيسية في تخفيف النقص في السيولة الدولية، وربما نحتاج للتوسع في المزيد من الاقتصادات.

كما أن هناك حاجة إلى جهد تعاوني لضمان عدم مواجهة العالم لحالة من تقليص العولمة، حتى لا يتضرر التعافي من خلال المزيد من الخسائر في الإنتاجية.

ويعمل صندوق النقد الدولي بنشاط على نشر قدرته الإقراضية البالغ قيمتها تريليون دولار لدعم الدول الضعيفة بما في ذلك من خلال التمويل الطارئ سريع الإنفاق وتخفيف خدمة الديون إلى أفقر الدول الأعضاء، كما يدعو الدائنين المزدوجين الرسميين للقيام بالشيء نفسه.

ويوجد بعض الإشارات المتفائلة على انتهاء هذه الأزمة الصحية، حيث تنجح الدول في احتواء الفيروس باستخدام ممارسات التباعد الاجتماعي والاختبار وتتبع الاتصال على الأقل في الوقت الحالي، وربما تتطور العلاجات واللقاحات في وقت أقرب مما هو متوقع.

وفي غضون ذلك، نواجه حالة هائلة من عدم اليقين حول ما سيأتي بعد ذلك.

ويجب أن تكون استجابات السياسات المحلية والدولية كبيرة بما يتناسب مع حجم الأزمة وسرعتها وأن يتم نشرها بسرعة وإعادة تقييمها بشكل سريع عندما تتوفر بيانات جديدة.

ولابد أن تقترن الإجراءات الشجاعة التي يتخذها الأطباء والممرضون بصناع السياسات في جميع أنحاء العالم؛ حتى نتمكن من التغلب على هذه الأزمة بشكل مشترك.

أحدث تقديرات لنمو الاقتصاد العالمي - (المصدر: صندوق النقد الدولي)