TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

درس إنفلونزا 1918.. كيف يبدو أسوأ سيناريو لوباء كورونا؟

درس إنفلونزا 1918.. كيف يبدو أسوأ سيناريو لوباء كورونا؟

مباشر - أحمد شوقي: بعيداً عن العدوى والوفيات، أدى انتشار فيروس كورونا إلى انهيار سوق الأسهم وتقلبات مالية متزايدة وانخفاض في معدلات الفائدة الاسمية وانكماش للنشاط الاقتصادي.

وعند هذه النقطة، هناك عدم يقين كبير حول النطاق النهائي للوباء وآثاره الاقتصادية، لاسيما من حيث كيف يمكن أن يبدو السيناريو الأسوأ.

ويرى المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير له أن وباء الإنفلونزا العظيم (الإنفلونزا الإسبانية) يوفر حداً أعلى معقولاً من حيث الوفيات والآثار الاقتصادية.

ونشأ الوباء في ثلاث موجات رئيسية، الأولى في ربيع عام 1918، والثانية والأكثر فتكاً من سبتمبر/أيلول 1918 إلى يناير/كانون الثاني 1919، والثالثة من فبراير/شباط 1919 حتى نهاية العام (مع بعض الدول التي شهدت موجة رابعة في 1920).

وتزامنت أول موجتين للوباء مع السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى (1918)، مما ساعد على انتشار العدوى عبر الدول.

 وكان من السمات غير المعتادة للوباء ارتفاع معدل الوفيات بين الشباب الذين ليست لديهم ظروف طبية سابقة.

كما أودت "الإنفلونزا الإسبانية" بحياة عدد من المشاهير، بما في ذلك عالم الاجتماع "ماكس ويبر" والفنان "جوستاف كليمت" و"فريدريك ترامب" جد الرئيس الأمريكي الحالي.

ومن بين الناجين الاقتصادي "فريدريك هايك"، ورجل الأعمال "والت ديزني"، والرئيس الأمريكي وودرو ويلسون.

ويناقش المنتدى الاقتصادي العالمي دروس وباء الإنفلونزا الكبرى في ثلاثة مجالات: الوفيات وانتشار المرض، والآثار الاقتصادية الكلية التي يقيسها الانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك، والآثار على العوائد المالية والتضخم.

أولاً: معدل الوفيات وانتشار المرض

تزايدت معدلات الوفيات من الوباء الكبير في 43 دولة خلال 1918-1920 والتي تشكل 89 بالمائة من سكان العالم المقدر في عام 1918، وجزء أكبر من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في ذلك الوقت.

وتفاوت معدل الوفيات بسبب الإنفلونزا بين الدول، حيث شهدت بعض البلدان معدلات منخفضة جداً، فيما شهدت الهند أعلى معدل بنسبة 5.2 بالمائة خلال الوباء.

ولم يكن معدل الوفيات في الصين مرتفعاً، ولكن بسبب عدد سكانها الكبير فقد ساهمت بشكل كبير في عدد الوفيات العالمي، فيما كان معدل الوفيات التراكمي في الولايات المتحدة 0.5 بالمائة ما يعادل 550 ألف حالة وفاة.

ومع حساب عدد الوفيات حسب الدولة وعدد سكان العالم، فإن هذا يؤدي إلى أن إجمالي عدد الوفيات بسبب الإنفلونزا بلغ 26.4 مليون شخص في عام 1918 و 9.4 مليون في عام 1919 و 3.1 مليون في عام 1920، ما يعادل إجمالي وفيات عالمية 39 مليون خلال الفترة بين 1918 و1920.

ومقارنة بعدد السكان، كانت هذه الأرقام تعادل 1.38 بالمائة لعام 1918، و 0.49 بالمائة لعام 1919، و 0.16 بالمائة لعام 1920، ليصل مجموع معدلات الوفيات هذه 2 بالمائة من سكان العالم.

وبتطبيق معدل الوفيات هذا على سكان العالم الحاليين (نحو 7.5 مليار نسمة) يولد أعداداً مذهلة من الوفيات نحو 150 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم و 6.5 مليون حالة وفاة في الولايات المتحدة.

ولكن، من المرجح أن تمثل هذه الأرقام أسوأ سيناريو اليوم، خاصة أن الإجراءات الصحية أكثر تقدماً مما كانت عليه في 1918-1920، ورغم أن عوامل أخرى مثل زيادة السفر الدولي تعمل في الاتجاه المعاكس.

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه السيناريوهات الأسوأ لا تأخذ في الاعتبار الاختلافات في الملامح الديمجرافية لوباء الإنفلونزا و"كوفيد- 19".

ويتم التعبيرعن معدلات الوفيات في بعض الأحيان على شكل حصص من الحالات المصابة، ولكنها أقل موثوقية بكثير لأنها تعتمد على أعداد العدوى التي تم قياسها بشكل غير دقيق.

بالنسبة لوباء الإنفلونزا الكبرى، فإن الرقم الشائع كان يتمثل في أن نحو ثلث سكان العالم مصابون بفيروس "إتش 1.إن 1".

إذا كان هذا الرقم دقيقاً، فإن معدل الوفيات الذي يبلغ 2 بالمائة بالنسبة لمجموع السكان، كان سيترجم إلى معدل وفيات 6 بالمائة من المصابين.

لكن هذا الأخير يجب أن يُنظر إليه على أنه شديد التشكك، لأنه يعتمد على استطلاعات أجريت في أماكن قليلة في الولايات المتحدة، وهذا هو السبب في تحليلنا لآثار الاقتصاد الكلي نستخدم معدلات الوفيات من إجمالي السكان.

آثار الاقتصاد الكلي على الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك

وجدت دراسة لبارو وأورسوا في عام 2008 أن الأثر الاقتصادي الكلي لوباء الإنفلونزا ربما كان كبيراً، حيث ركز هذا البحث على كوارث الاقتصاد الكلي، والتي تم تعريفها على أنها انخفاضات تراكمية بأكثر من 10 بالمائة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أو الاستهلاك (بناءً على بيانات الإنفاق الشخصي الحقيقي للمستهلك).

وأشارت النتائج إلى أن الوباء ربما يكون رابع أهم صدمة اقتصادية كلية سلبية للعالم منذ عام 1870، يأتي بعد الحرب العالمية الثانية، والكساد العظيم في أوائل الثلاثينيات، والحرب العالمية الأولى.

وعلى وجه التحديد، عانت 12 دولة من كوارث كلية استناداً إلى الناتج المحلي الإجمالي، و8 دول استناداً إلى الاستهلاك في الأعوام بين 1919 إلى 1921.

ويمكن الآن تمييز آثار الوباء من الحرب التي تداخلت معها جزئاً من خلال استغلال الاختلافات عبر الدول في معدلات الوفيات بسبب الإنفلونزا من عام 1918 إلى 1920 ومعدلات وفيات الحرب من 1914 إلى 1918.

ويكشف التحليل التأثيرات السلبية المهمة إحصائياً للإنفلونزا ومعدلات وفيات الحرب على النمو الاقتصادي، كما هو موضح في الرسم البياني التالي.

 

ويقدر أن وباء الإنفلونزا الكبرى قد خفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد واستهلاك الدولة بنسبة 6 بالمائة و 8.1 بالمائة على التوالي.

وترتبط الحرب العالمية الأولى بالانخفاض في الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك بنسبة 8.4 بالمائة و 9.9 بالمائة على التوالي.

وبالإضافة إلى ذلك ، تُظهر البيانات أن جزءاً على الأقل من التأثير السلبي للحرب على الناتج المحلي الإجمالي كان دائماً، ولكن آثار الإنفلونزا ربما كانت دائمة أو مؤقتة أو في مكان ما بينهما.

التأثير على العوائد المالية والتضخم

لتقييم أثر معدلات وفيات الإنفلونزا والحرب على المتغيرات المالية، نتبع نفس الاستراتيجية الاقتصادية المتبعة في متغيرات الاقتصاد الكلي، ونركز على العوائد الحقيقية على الأسهم (استناداً إلى مؤشرات السوق) والأوراق المالية الحكومية قصيرة الآجل. وتم تعديل العوائد الاسمية للأصول وفقاً لتضخم أسعار المستهلك من أجل حساب العوائد الحقيقية.

وبالنسبة للدول في العادة، تظهر التقديرات تأثيراً سلبياً لعائدات الأسهم بـ26 نقطة مئوية و 19 نقطة مئوية بسبب وفيات الإنفلونزا والحرب على الترتيب.

بالنسبة لعوائد السندات، كانت الآثار السلبية 14 نقطة مئوية و 13 نقطة مئوية على التوالي.

ربما كانت هذه النتائج مدفوعة جزئياً بالتأثيرات الإيجابية القوية لوباء الإنفلونزا والحرب العالمية الأولى على معدلات التضخم.

الآثار المترتبة على كورونا

يمثل الوباء العظيم في الفترة 1918-1920 أسوأ سيناريو ممكن لتفشي الأمراض ذات الانتشار العالمي مثل "كوفيد -19".

ويترجم معدل الوفيات بوباء الإنفلونزا بنسبة 2 بالمائة من إجمالي السكان إلى 150 مليون حالة وفاة اليوم.

علاوة على ذلك، يتوافق معدل الوفيات هذا مع الانخفاضات المقدرة في الناتج المحلي الإجمالي والاستهلاك في أي دولة بنسبة 6 بالمائة و 8 بالمائة على التوالي، بالإضافة إلى ارتباط الوباء بانخفاضات كبيرة في معدلات العائد الحقيقية على الأسهم والسندات قصيرة الآجل.

في هذه المرحلة، يبدو احتمال وصول كورونا إلى أي شيء قريب من وباء الإنفلونزا بعيداً ، نظراً للاختلافات الوبائية، والتقدم في الصحة العامة، والسياسات التيسيرية.

على أي حال، فإن الخسائر الكبيرة المحتملة في الأرواح والنشاط الاقتصادي تبرر الإنفاق الكبير على الموارد في محاولة للحد من الضرر.

وفي الواقع، اتبعت الدول سياسات لخفض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي كوسيلة للحد من انتشار المرض، ومن الواضح أن هناك مقايضة صعبة فيما يتعلق بالحياة مقابل السلع المادية، مع القليل من النقاش المستمر حول كيفية تقييم هذه المقايضة والتصرف بناءً عليها.