TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

العريان يحلل: البنوك المركزية تسعى للتفوق في لعبة خاسرة

العريان يحلل: البنوك المركزية تسعى للتفوق في لعبة خاسرة

مباشر - سالي إسماعيل: يستكشف المتخصصين في السياسة النقدية الطرق الكفيلة بتحسين فعالة البنوك المركزية، وخاصةً إذا تعرضت الاقتصادات إلى حالة من الركود، وهو خطر زاد بسبب حالات التوقف الاقتصادي المتتالية الناجمة عن الفيروس الصيني.

ويتلخص الدافع الأساسي وراء السياسة في الاعتراف المتزايد بأن الاعتماد المطول والمفرط على البنوك المركزية كان سبباً في تقليل قوة التدابير التقليدية وغير التقليدية، بل إنه خاطر حتى بجعلها ذات نتائج عكسية.

ويكمن الأمل في التوصل إلى أدوات جديدة تعكس هذه الظاهرة المقلقة والمتسارعة، بحسب رؤية تحليلية للمستشار الاقتصادي في مجموعة أليانز العالمية "محمد العريان" نقلتها "بلومبرج أوبينيون".

وبقدر أهمية هذا العمل، أشعر بالقلق من أن تؤدي التصورات الخاطئة الأساسية للمخاطرة بفشل هذا العمل عندما تواجه البنوك المركزية ضغوطاً متزايدة سواء من الداخل أو من الخارج.

ومن أجل فهم السبب، لنلقٍ نظرة على ذلك من خلال منظور نظرية الألعاب.

وتتضمن العناصر الأساسية لأيّ لعبة - أيً التفاعلات الاستراتيجية بين اثنين أو أكثر من المشاركين - سمات اللاعبين والاستراتيجيات والمكافآت وتوافر المعلومات وحالة الثقة والتعاون والعقلانية.

ويختار اللاعبون الجيدون أفضل استراتيجياتهم من أجل فهم ما يحتمل أن يفعله الآخرون في ظل مجموعة معينة من الشروط.

وتتراوح النتائج من ألعاب مدمرة ولا تتسم بالتعاون، إلى ما يسمى بألعاب "أمثلية باريتو"، بحيث يصبح اللاعب أفضل حالاً بدون أن يجعل لاعب آخر أسوأ حالاً.

ولعدة سنوات، كان هناك استراتيجيات تهيمن على البنوك المركزية، حيث تستخدم معدلات الفائدة والتوقعات المستقبلية للضغط على الآخرين من أجل الاستجابة على النحو الذي يساعد في تحقيق الأهداف الاقتصادية والمالية.

وأثرت البنوك المركزية على سلوك مجموعة واسعة من الجهات الاقتصادية الفاعلة، بل وفي بعض الأحيان حتى على النتائج التي يتم فرضها بشكل مباشر.

وشوهد ذلك في التخفيف من حدة دورة الأعمال، وبشكل أكثر وضوحاً في التغلب على التوقف المالي المفاجئ في عام 2008 الذي كان على وشك دفع الاقتصاد العالمي إلى حالة من الكساد لسنوات عديدة مدمرة.

ومع ذلك، في السنوات الأخيرة لم تكن استراتيجيات البنوك المركزية ذات الأهمية النظامية مثل بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي، فعالة بنفس القدر، في ظل الفشل المتكرر لتحقيق واحد أو أكثر من أهدافها المعلنة.

ويرجع ذلك بشكل كبير إلى ما يمكن اعتباره بمثابة تغييرات في ظروف اللعبة.

ويبدو أن البنوك المركزية لديها ميزة أقل فيما يتعلق بالحصول على المعلومات.

ويترجم ذلك جنباً إلى جنب مع النماذج التحليلية الصعبة، إلى أخطاء متكررة في توقعات النمو الاقتصادي وقلة تقدير المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي بسبب شهية المخاطرة المفرطة بين القطاعات غير المصرفية، خاصةً عندما يتعلق الأمر بمخاطر السيولة.

وتهدد ظروف الألعاب المتكررة التي رسخت ذات يوم فعالية البنوك المركزية الآن بكشف المزيد من أوجه القصور ذات الصلة بالأهداف.

وليس من الغريب أن تنتقل استراتيجيات البنوك المركزية من "مهيمنة" إلى "خاضعة للهيمنة"، خاصةً فيما يتعلق الأمر بالأسواق التي تشعر حالياً أنها أكثر قوة لفرض سياستها على البنوك المركزية.

وتتراوح عمليات تكييف السياسات قيد المناقشة لتعزيز توقعات معدل التضخم، من توسيع استخدام السياسات غير التقليدية وحتى زيادة الأهداف، سواء بشكل مباشر أو من خلال هدف التضخم المرن.

لكن لسوء الحظ أن الأمر الأول عبارة عن علامة مقلقة على الجمود النشط، وهو ما يعني إدراك ضرورة القيام بشيء مختلف ولكن الاستمرار في فعل نفس الأمر في نفس الوقت.

أما الأمر الثاني فإنه يفشل في مواجهة التأثيرات الانكماشية القوية لكلٍ من التغييرات الهيكلية على الاقتصاد وعلى جوانب قصور الطلب.

وتشمل عمليات التكيف غير التقليدية تدابير تتراوح بين جعل السياسة النقدية خاضعة للتحفيز المالي، وتوجيه البنوك المركزية إلى متابعة ما يُسمى بـ"هليكوبتر الأموال" أو التيسير الكمي للأفراد، والذي يوفر إعانات نقدية مباشرة لشرائح كبيرة من السكان.

ويشير مصطلح هليكوبتر الأموال أو Helicopter Money إلى أداة افتراضية غير تقليدية للسياسة النقدية تهدف لطباعة مبالغ كبيرة من الأموال بغرض توزيعها على المستهلكين من أجل تحفيز الاقتصاد.

وحتى إذا تبين أن هذه التدابير ممكنة من الناحية التقنية والسياسية، فإنها تنطوي على مخاطر عالية من الأضرار الجانبية والعواقب غير المقصودة.

ومن المحتمل أن يشير هذا السبيل الصعب الرامي لإيجاد حل سحري لمشكلة أكثر أهمية، ألا وهي الإطار التحليلي غير الصحيح.

ونظراً لطبيعة بناءها ودورها في الاقتصاد الحديث، فإن البنوك المركزية غير مجهزة بالقدر الكافي للتخلص مما يؤدي إلى الانخفاض المستمر في الطلب والإنتاجية.

ويؤدي تجاهل هذه الحقيقة المزعجة بشكل مستمر فقط إلى تقويض النزاهة المؤسسية ومصداقيتها.

والحل موجود، لكنه في أيدي هيئات صنع السياسات الأخرى التي تحتاج إلى معالجة مباشرة لقضايا مثل التدريب على العمل وإعادة تجهيز الأدوات وعدم المساواة في الدخل والحوافز المالية.

وسيظل البحث عن أدوات جديدة للبنوك المركزية ممارسة مثيرة للاهتمام على المستوى الفكري، ولكنها في نهاية المطاف تظل غير مجدية إذا لم يتغير السياق.

وفي النهاية، دعونا لا ننسى رؤية "برايان كريستيان" و"توم جريفيث" البسيطة في هذا الصدد: "حسناً، إذا فرضت قواعد اللعبة استراتيجية سيئة، فربما لا ينبغي لنا محاولة تغيير الاستراتيجيات، ربما يفترض أن نحاول تغيير هذه اللعبة".