TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

رعب التضخم الجامح أم جمود الاقتصاد؟..أمريكا اللاتينية تُجيب

رعب التضخم الجامح أم جمود الاقتصاد؟..أمريكا اللاتينية تُجيب

مباشر- أحمد شوقي: إذا أردت معرفة الأسوأ بين التضخم المفرط وجمود الاقتصاد فستكون الإجابة عند أمريكا اللاتينية.

وفي جزء كبير من القارة حل الخوف لفترة طويلة من التضخم الجامح محل قلق الجمود والتباطؤ الاقتصادي.

مبدئياً التضخم الجامح "Hyperinflation " يعرف بأنه ارتفاعات متتالية في الأسعار بوتيرة تتجاوز 50 بالمائة شهرياً لفترة من الوقت، ويحدث عندما يزيد المعروض النقدي في السوق.

أما الجمود "Stagnation" هو الحالة التي يكون فيها النمو الاقتصادي لدولة ما ثابتًا تقريباً، فقد يرتفع بنسبة هامشية أو ينخفض بشكل طفيف لكنه في العموم يشير إلى فشل في التطور.

ويرى تحليل عبر وكالة "بلومبرج" للكاتب "جون أوثرز" أن البرازيل شهدت مناسبة هامة حيث خفض البنك المركزي معدل الفائدة للمرة الخامسة منذ يوليو/تموز الماضي عند 4.25 بالمائة، وبذلك تراجعت تكاليف الإقتراض دون معدل التضخم السنوي.

وأصبح الآن أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية يملك معدلات فائدة حقيقية سالبة، لأنها أقل من التضخم، إنه تطور مذهل يعبر عن الكثير عن المنطقة ككل.

وتعتبر الخطوة التي تمت الأسبوع الماضي من قبل المركزي البرازيلي والتي تم تغافلها في خضم دراما الأسواق العالمية، تلخص بدقة كيف يجب الآن إلقاء افتراضات الماضي حول أمريكا اللاتينية وقضاياها الاقتصادية جانباً.

وعلى مدى عقود، كانت مشكلة المنطقة تتمثل في التضخم والمخاطر الناشئة عن أزمات العملة والديون.

وتستمر هذه المعاناة في بعض الدول مثل الأرجنتين وفنزويلا، لكن بالنسبة لمعظم المنطقة تم استبدال الخوف من التضخم وعدم الاستقرار بخوف من انكماش الأسعار والجمود الاقتصادي طويل الآجل، ما يعتبر تغييرا ملحوظا.

والبرازيل - مثل العديد من الدول الأخرى في المنطقة - عانت من التضخم المفرط خلال معظم فترة التسعينات.

ومنذ خروج البرازيل من أزمة العملة الأخيرة في عام 1999، كان الطبيعي هو أن معدلات الفائدة تتجاوز بكثير التضخم.

ولكن لم يكن هناك ضجة حول خفض معدل الفائدة مؤخراً، حيث لا يوجد الكثير للاحتفال به، وفي الوقت الذي قدر فيه صندوق النقد الدولي أن اقتصاد أمريكا الجنوبية نما بنسبة 0.1 بالمائة فقط في العام الماضي، لم يعد التضخم مصدر قلق كبير.

ولكن المنطقة لا تمارس سيطرة تذكر على مصيرها، فالعوامل الخارجية كان لها الغلبة في الكثير من الهبوط في نمو الاقتصاد.

وازدهر اقتصاد البرازيل في السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية على خلفية الأسعار المرتفعة التي يدفعها مجمع التصنيع الصيني مقابل معادنها، ولكن الآن بعد أن تباطأ النمو الصيني وبدأ يصطدم بالعقبات، دخلت أسعار المعادن في سوق هابط دام ثماني سنوات، وقد أدى ذلك إلى كبح التضخم لكنه أعاق أيضًا النمو الذي يأتي معه.

كما أن هناك القليل من السعادة حول الانتصار على التضخم وعدم الاستقرار بين وزارات المالية والبنوك المركزية.

ولسنوات، كانت المزحة هى تشبيه وزارة المالية المكسيكية بأنها مثل حارس المرمى في كرة القدم ، يمكنهم منع المكسيك من تسجيل أي أهداف بفعل دورات التضخم وانخفاض قيمة العملة وأزمة الديون.

وبالفعل، فإن آخر أزمة محلية في المكسيك وشهدت تعثر عن سداد الديون كانت منذ عام 1994، وبعدها كان هناك سنوات من السيطرة على التضخم، وتقوية أسواق الدين المحلية والسيطرة على العجز الحكومي ومن ثم خفضت على أي خطر لحدوث أزمة مالية كبيرة أخرى، حتى مع وجود الرئيس اليساري الشعبوي الجديد الذي يخيف الكثير من المستثمرين.

وبالنسبة للمكسيك، فإن نجاح كوريا الجنوبية على وجه الخصوص يتم مراقبته والشعور بالحسد حياله كثيرًا، كما أن يخبرنا المصير المتباين للدولتين.

وكانت المكسيك هي أول دولة ناشئة تستضيف الأولمبياد في عام 1968، في الوقت الذي بدت فيه على وشك الانضمام إلى نادي الدول المتقدمة.

واستغرق الأمر 20 عامًا لتصبح كوريا الجنوبية الدولة النامية التالية التي تستضيف الألعاب، وقد فعلت ذلك في وقت كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي فيه وصل لمثله في للمكسيك.

وعانى الشعب الكوري من أزمة كبيرة في عامي 1997 و 1998، لكنهم يتمتعون الآن بثلاثة أضعاف نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في المكسيك، وهذا يضع نجاح المكسيك في فرض مبدأ التحفظ النقدي والمالي من منظور قاسي.

وربما تكون تصرفات المكسيك قلصت من خطر حدوث أي أزمة، لكن يبدو أنها لا يمكن أن تحقق الكثير في طريق النمو.

كما أن أغنى دولة في أمريكا اللاتينية يبدو أنها وصلت إلى نقطة الانهيار، إنها تشيلي التي استفادت من السياسات الاقتصادية التقليدية التي لا تشوبها شائبة منذ دكتاتورية "أوجستو بينوشيه" وجدت نفسها تعتمد بشكل مفرط على صادرات المعادن.

واستمرت في النمو وحتى في تقليل عدم المساواة في الدخل ولكن بوتيرة بطيئة مؤلمة حتى جاءت مشاهد أمريكا اللاتينية الأكثر إثارة للصدمة في العام الماضي عندما اشتعلت الأمور في "سانتياجو" وخرج المتظاهرون إلى الشوارع، ليس بسبب بعض الأزمات المروعة أو تخفيض قيمة العملة، ولكن للاحتجاج على ارتفاع أسعار مترو الأنفاق.

وببساطة لم يكن اقتصادي تشيلي ينمو بسرعة كافية للسماح للمواطنين بالادخار من أجل تقاعد مناسب أو للحصول على تعليم جيد.

وحتى مع تراجع تشيلي عن السياسات التقليدية في الاقتصاد الكلي، والخروج على طريق محفوف بالمخاطر السياسية لإجراء استفتاء في وقت لاحق من هذا العام والذي سيحدد وضع دستور جديد، أصبح من الواضح أن أمريكا اللاتينية لديها معضلة جديدة، يتمثل في عبارة  وزير الخزانة الأمريكي السابق لورانس سامرز "يبدو أنها في قبضة الركود المزمن".

والمشكلة الأساسية في المنطقة هي أنها لا تستثمر ما يكفي في الأشياء التي قد تسمح لها بالنمو، مثل تحسين البنية التحتية والتعليم.

والقيام بذلك سيستغرق بعض الوقت وسوف يتطلب زيادة مدخرات السكان، ولكن المواطنيين نفذ صبرهم بعد عقود من النمو البطيء.

وفي المكسيك و البرازيل وحتى الآن في تشيلي، يتعرض القادة لضغوط لاعتماد سبل علاج شعبية، والدفع نحو معالجة عدم المساواة في الدخل والثروة.

وهذا يجعل من الصعب للغاية إيجاد الأموال اللازمة لإجراء التغييرات الهيكلية التي قد تجعل سكانها أكثر ثراءً.

وفي الوقت نفسه ، فإن صانعي السياسة المالية الذين هزموا عدم الاستقرار والتضخم لديهم القليل الذي يمكنهم فعله، مع وجود معدلات حقيقية سالبة في البرازيل ومعدلات منخفضة في معظم أنحاء القارة، لا يوجد مجال كبير لمزيد من التحفيز النقدي، في حين أن مستويات الديون المرتفعة لا تترك مجالاً لاتخاذ التدابير المالية.

ولا عجب إذن، أن الانتصار على التضخم لم يثر أي احتفالات.