TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

العريان: تراجع معدلات الفائدة السالبة يثير تفاؤلاً خادعاً بالأسواق

العريان: تراجع معدلات الفائدة السالبة يثير تفاؤلاً خادعاً بالأسواق

 مباشر - سالي إسماعيل: كانت السندات الحكومية ذات العوائد السالبة بمثابة عامل هام بالنسبة لعام جيد من العوائد الاستثمارية لكل من الأسهم والسندات، كما يرحب الكثيرون بالهبوط الأخير كونه مؤشراً لما سيدعم المرحلة المقبلة من تقييمات الأصول.

ومع ذلك، لا يزال الدليل متفاوتاً، الأمر الذي يوحي بنهج أكثر ضبابية للاستثمار طويل الآجل، بحسب رؤية تحليلية نشرها موقع "بلومبرج أوبينيون" للخبير الاقتصادي في مجموعة أليانز العالمية محمد العريان.

وحقق نمو واستمرار الديون ذات العوائد السالبة في عام 2019 أمراً أكثر من مجرد تقديم صعود جذاب لأسعار السندات الحكومية، حيث دفع المستثمرين إلى تحمل مزيد من المخاطرة، مما تسبب في زيادة أسعار الأصول بداية من سندات الشركات ذات العائد المرتفع والدرجة الاستثمارية، إلى ديون الأسواق الناشئة، والأسهم بالطبع.

كما شجع الشركات على تكثيف هندستها المالية، والتي في الغالب تحتوي على إصدار الديون لدفع مقابل إعادة شراء أسهمها.

والهندسة المالية أو "The Financial Engineering" عبارة عن استخدام الأساليب الحسابية لحل المشاكل المالية كما تدير نماذج المخاطر الكمية للتنبؤ بكيفية أداء أداة استثمارية أو ما إذا كان الطرح العام الأولي في القطاع المالي سيكون قيّماً ويدر أرباحاً في المدى الطويل.

وساهم كذلك في دعم مجموعة من عمليات الاندماج والاستحواذ.

ويمكن تلخيص كل ذلك في المصادفة التاريخية والاستثنائية فيما يتعلق بتحقيق مكاسب بنسبة 30 بالمائة لمؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وقفزة بنحو 15 بالمائة في مؤشر بلومبرج باركليز للسندات، إضافة إلى تقلبات ضئيلة كما هو مقاس في مؤشر "في.آي.إكس" لرصد التقلبات في أسواق الأسهم.

 ومع ذلك، أصبح العديد من المستثمرين لا يشعرون بالراحة حيال الاحتمال، الذي لخصه "هوبرت شتاين" رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد الرئيسين الأمريكيين ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد والذي يقول: "إذا كان هناك شيئاً لا يمكن أن يستمر إلى الأبد، فإنه سوف يتوقف".

وبالفعل، تراجعت الكومة العالمية من السندات ذات العوائد السالبة من أعلى مستوياتها البالغة 18 تريليون دولار تقريباً في منتصف العام الماضي إلى 11 تريليون دولار في نهايته.

لكن سلوك المستثمر يعاني من التقييد من قبل قوتين عندما يتعلق الأمر بتعديل عمليات الاستثمار في السوق وفقاً لذلك، وهو ما يعني الإبقاء على الرغبة في تحقيق مكاسب في حال ارتفاع السوق مع الحماية من الاتجاه الهابط.

وتكمن القوة الأولى في أن الزخم الذي تقوده العوامل الفنية للأسواق التي تفضل الأصول ذات المخاطر العالية والسندات ذات الأداء الجيد نسبياً، لا يزال مستمراً في الوقت الحالي.

أما القوة الثانية، فتتمثل في أن الهبوط الأخير في السندات ذات العوائد السالبة يشير إلى أمور واعدة في محركات السوق والتي يمكنها دفع الأصول ذات المخاطر المرتفعة لأعلى في عام 2020، إن لم يكن بعدها.

ويعتبر العامل الثاني هام بشكل خاص بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل والذين يميلون إلى الابتعاد عن وضع الاستثمار التكتيكي.

كما يركز على تشجيع فكرة مفادها أن الهبوط في السندات ذات العوائد السالبة يرجع إلى احتمالات نمو اقتصادي عالمي أعلى، وهو تطور قد يشتمل على التحول الذي طال انتظاره من الأسواق المدعومة بضخ السيولة إلى آخر يرتكز على أساسيات.

 ولكن، بقدر ما تبدو هذه الرؤية جذابة وتشير إلى تفاؤل السوق على المدى القصير، لكن الدليل على صحة هذا التفاؤل لفترة أطول أمراً أبعد ما يكون حقيقياً.

وبالنسبة للوقت الحالي، يبدو التعافي في نمو الاقتصاد العالمي دورياً أكثر من كونه مزمناً وهيكلياً، كما أن الدول الكبرى التي لديها مساحة كبيرة للتحفيز المالي مثل ألمانيا لا تُبدي استعداداً للقيام بذلك.

ويُعد التآكل التدريجي في شهية البنوك المركزية تجاه نظام معدل الفائدة السالب الحالي بمثابة سبب هام بقدر أهمية الأسباب الأخرى الدافعة للهبوط في كومة السندات ذات العائد السالب.

كما أن هناك شعور أقل راحة فيما يتعلق بالتداعيات طويلة المدى على الأسواق.

ويقول الكاتب إنه ناقش خلال كتابه الصادر في عام 2016 تحت مسمى "اللعبة الوحيدة في المدينة"، السياق المؤسسي والاجتماعي والسياسي لتلك المسألة، بما في ذلك سلسلة متتالية من العواقب غير المقصودة والأضرار الجانبية الناجمة عن الاعتماد المفرط على البنوك المركزية.

ولقد بات المزيد من الناس يدركون أن معدلات الفائدة السالبة تلحق الضرر بالديناميكية الاقتصادية والاستقرار المالي الحقيقي من خلال:

أولاً، تقويض نظام الوساطة المصرفية وتشجيع الإفراط في المخاطرة من قبل غير الجهات غير المصرفية.

ثانياً، تآكل الجدارة المالية والإدارة الآمنة لأصول الحماية المالية طويلة الآجل للأسر مثل خطط التأمين على الحياة والتقاعد، مما يزيد من التركيز على الحوافز الأخرى من أجل تحقيق مدخرات أكبر.

ثالثاً، تشجيع إصدار ديون الشركات بشكل مفرط، وهو الأمر الذي يغذي شركات الزومبي ويساهم في سوء تخصيص الموارد على نطاق الاقتصاد.

وشركات الزومبي أو zombie companies يقصد بها المؤسسات التي تسجل خسائر أو تكون على حافة الإفلاس لكنها مستمرة في العمل.

وفي حين أن مسألة تراجع البنوك المركزية على نطاق واسع عن معدلات الفائدة المتدنية للغاية والسياسات التيسيرية بالميزانية العمومية لا تبدو وشيكة، إلا أن التوقعات تبدو ضئيلة بالنسبة لاحتمالات حدوث جولة أخرى من تيسير كبير في السياسة النقدية.

وفي الواقع، بدون تحول السياسة من الاعتماد المفرط على تدابير البنوك المركزية غير التقليدية إلى موقف مؤيدة للنمو الاقتصادي بشكل أكثر شمولاً من قبل الحكومات، فإن المخاطر ستزداد خلال عام 2020 كون انخفاض السيولة التي تدعم الأسواق لن تتماشى بشكل كافٍ بحالة من تحسين الأساسيات.

ويُعد هذا بمثابة لغز أمام المستثمرين على المدى الطويل، والذين لا يستطيعون ببساطة أن يأملوا في أن يمتد التفاؤل المشروع على المدى القصير إلى الأفق بأكمله.