TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

رغم ثورة العملات الرقمية.. عصر "الكاش" يعود للحياة حول العالم

رغم ثورة العملات الرقمية.. عصر "الكاش" يعود للحياة حول العالم

تحرير: نهى النحاس

مباشر: تتطلب المالية الحديثة الكثير من الثقة، كما أن مستقبلها الرقمي سيكون بحاجة للمزيد من هذا الشرط.

ويشير الصحفي الروسي ليونيد بيرشيدسكي في مقال لوكالة "بلومبرج" إلى أنه في حالة أن كانت المدفوعات الإلكترونية ستحل بدلا من النقد (الكاش) فعلى الأفراد أن يكونوا مستعدين لتصديق أن البيانات التي تنتقل بين الهواتف والبطاقات والبلوكتشين ستمثل شيء ذو قيمة.

إذن، هل يمكن أن يمتلك المستهلكين هذه الثقة؟، انطلاقاً من ميلهم المتزايد للعملة النقدية ربما ستكون الإجابة هي لا.

للوهلة الأولى قد يبدو وأن (الكاش) في طريقها للزوال، حيث أن السويد ألغت تقريباً استخدامه للمدفوعات، وفي الولايات المتحدة ثلث السكان تقريباً يمر أسبوع عليهم في المتوسط دون استخدام أوراق البنكنوت.

أما الشركات فتجرب أن تستغني عن الكاش بهدف تسريع المعاملات ومحاربة السرقة وخلق بيئة أمنة لموظفيها.

وبالرغم من ذلك، فإن العملات المادية تعيش الآن حالة بعث جديد، فالأشخاص في العديد من دول العالم المتقدمة مثل اليابان ومنطقة اليورو والولايات المتحدة يمتلكون سيولة نقدية أكثر من أي وقت مضى.

وعلى سبيل المثال، فإن الأموال قيد التداول في الولايات المتحدة سجلت مستوى 1.76 تريليون دولار في نهاية سبتمبر/آيلول، وهو ما يعادل 8.2 من الناتج الإجمالي المحلي مقارنة بـ 5.6 بالمائة قبل الأزمة العالمية في 2008، وقرب أعلى مستوى في 36 عاماً.

الأفراد في حوزتهم أموال نقدية أكثر من أي وقتاً مضى

 

ولكن إذا كان الأفراد يحتاجون القليل من النقود للدفع مقابل السلع، لماذا يرغبون في حيازة الكثير منه إذن؟

والإجابة هي أنهم يتحولون إلى العملة على اعتبارها مخزن للقيمة، وبالنظر إلى نوع النقد الذي يفضلونه، نجد أنه يتضمن على نحو متزايد الفئات الكبيرة مثل ورقة الـ100 دولار، والتي تعتبر ملائمة للاحتفاظ بمبالغ كبيرة.

وبلغت حصة عملة الـ100 دولار والتي تحمل صورة بنيامين فرانكلين من إجمالي أوراق النقد الأمريكية المتداولة 80 بالمائة في عام 2018، ارتفاعا من 73 بالمائة قبل 10 سنوات.

والاتجاه في الدول المتقدمة يتناقض بشكل حاد عن نظيره في الدول الناشئة مثل الهند والصين وروسيا، حيث تتراجع العملات المتداولة كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي.

نسبة الكاش إلى الناتج الإجمالي المحلي تتراجع في الدول الناشئة

لماذا يزيد الأشخاص في الدول المتقدمة من حيازتهم للكاش؟

لا شك أن للأمر علاقة كبيرة بجهود البنوك المركزية لإبقاء معدلات الفائدة منخفضة، فحينما تدر الاستثمارات الآمنة مثل الودائع المصرفية أو السندات الحكومية عوائد ضعيفة للغاية فإن الأفراد لا يفوتون الفرصة لحيازة السيولة النقدية.

ويوضح ذلك لماذا لا تستطيع البنوك المركزية دفع معدلات الفائدة إلى أقل بكثير من مستوى الصفر، فبدلاً من إنفاق الأموال أو مشاهدة مدخراتهم تنكمش في البنوك، سيفضل المواطنين سحب الأموال ووضعها أسفل الفراش.

ولكن بعد توضيح هذه الحقائق، فإن معدلات الفائدة لا تكفي وحدها لتفسير ارتفاع الطلب على الكاش، حيث أن الأمر يثير شيئاً من الغموض.

ويعتبر الخارجين عن القانون بالطبع مستخدمين شرهين للأموال النقدية، ولكن لا يوجد سبب معين للتفكير في أن طلبهم عليها ارتفع كثيراً في العقد الماضي، بل على العكس، زودهم تطوير العملات الإلكترونية ببديل مهم.

واكتشفت دراسة حديثة لبعض الاقتصاديين في آسيا وجود صلة للأمر بشيخوخة السكان، حيث يبدو أن كبار السن أقل ميلاً إلى تصديق الأرقام على الشاشة، ولديهم ألفة أكبر تجاه النقود الورقية، لذلك فإنهم حينما يشكلون حصة أكبر من السكان فإن إجمالي الحيازات من النقد سترتفع أيضاً.

وقد يساعد ذلك أيضاً في تفسير اختلاف الأمر بين الاقتصادات المتقدمة ونظيرتها الناشئة، حيث أن الثانية لا تعاني من نفس درجة شيخوخة السكان كما أن معدلات الفائدة ليست منخفضة بنفس القدر في الأولى.

أما أكثر الاحتمالات المقلقة فهي أن الأفراد يفقدون إيمانهم في المؤسسات المالية على نطاق أوسع، فارتفاع النقد بدأ على الفور عقب أسوأ الأزمات المالية على الإطلاق، وتركز في الدول الأكثر تأثراً بها.

ومن المسلم به أن التأثير لن يبقى في تزايد بمرور الوقت، ولكن فاقمت الفضائح الدائمة مثل تلك المتعلقة بالحسابات الوهمية والتلاعب في الرسوم وسرقة البيانات الشخصية من الأمر.

وقد يكون للثقة علاقة أيضًا بالاتجاه المعاكس في الاقتصادات الناشئة، ولتكون على استعداد لتخزين النقود، يجب أن يكون لدى الناس قدراً معيناً من الثقة في قدرة الحكومة على إدارة عملاتها، وفي البلدان النامية غالباً ما تتراجع تلك الثقة.

انظر في عملية السحب النقدي لبعض العملات في الهند في عام 2016، حيث سحبت الحكومة الأوراق النقدية ذات الفئة الكبيرة من التداول واستبدلتها بعملات ورقية جديدة.

ولم تعطل تلك الخطة الاقتصاد غير الرسمي كما كان مقصوداً، لكنها أدت إلى تقويض الثقة في العملة، حيث لم تتعاف حيازة الأوراق النقدية لمستواها قبل هذه الإجراءات.

وعلى أي حال فإن الحكومات في الدول المتقدمة قد ترغب في أن ترى المزيد من المدفوعات الإلكترونية، فللتخلص من النقد العديد من الفوائد المتمثلة في ردع الجريمة وخفض التهرب الضريبي ومنح البنوك المركزية مزيداً من القدرة على تحفيز الاقتصاد.

ولكن على الناس الاعتقاد بأن الدفع الإلكتروني سيكون بمأمن من سوء الإدارة والكوارث الإنسانية والهجمات الإلكترونية وحتى المصادرة، ولكن حتى الآن لم ينجح المنظمون في كسب هذه الثقة.