TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

رئيسة صندوق النقد تشرح: كيف يصبح للديون جانب مشرق؟

رئيسة صندوق النقد تشرح: كيف يصبح للديون جانب مشرق؟

من: أحمد شوقي

مباشر: مع وصول مستويات الديون العالمية لأعلى مستوى في تاريخها في ظل انخفاض معدلات الفائدة، أصبحت القضية تفرض نفسها وسط تحذيرات ومخاوف بشأنها.

ونشر صندوق النقد الدولي كلمة معدة مسبقاً لرئيسته الجديدة "كريسيتالينا جورجيفا" خلال مؤتمر "جاك بولاك" السنوي للبحوث، تعرض أبرز المعلومات الخاصة بالدين العالمي.

ووصل الدين العالمي - العام والخاص - إلى أعلى مستوى له على الإطلاق حيث بلغ 188 تريليون دولار، وهو ما يوازي حوالي 230 يالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ويعتبر القطاع الخاص هو المحرك الرئيسي لتراكم مستويات الديون، حيث يشكّل حاليًا ثلثي إجمالي الدين العالمي، ولكن هذا فقط جزء من القصة.

وبلغ الدين العام في الاقتصادات المتقدمة مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، كما وصل الدين العام في الأسواق الناشئة إلى مستويات شوهدت آخر مرة خلال أزمة الديون في الثمانينات، في الوقت الذي شهدت فيه الدول منخفضة الدخل زيادات حادة في أعباء ديونها على مدى السنوات الخمس الماضية.

ولهذه الأسباب يواجه صناع السياسة أسئلة صعبة: متى تكون مستويات الديون مرتفعة للغاية؟ كيف يمكننا تقليل أعباء الديون بطريقة عادلة مناسبة للنمو الاقتصادي؟ وكيف يمكننا تعظيم الفوائد الأساسية للديون؟

الجانب المشرق من الديون

مبدئياً، لماذا نحتاج إلى قروض وأشكال أخرى من الائتمان في المقام الأول؟ ببساطة، لأن ذلك يسمح لنا بعمل شيء الآن ودفع ثمنه لاحقًا عندما يكون لدينا دخل إضافي.

هذه فكرة قديمة للغاية، وبالعودة إلى عام 3000 قبل الميلاد، تم تقديم قروض لشراء البذور، على أن يتم زرع تلك البذور وسداد الديون من الحصاد.

بالطبع، سيحتاج المقرض إلى الثقة في قدرة المقترض على سداد القرض، مع حقيقة أن كلمة "الائتمان" نفسها تأتي من الكلمة اللاتينية "الثقة" - التي هي شريان الحياة للنظم الاقتصادية والمالية.

وفي الوقت الحالي، تواصل القروض المصرفية وأسواق الائتمان لعب دورها الأساسي في زرع بذور الرخاء في المستقبل من خلال مساعدة كل من الأسر على شراء منزل، والشركات على الاستثمار في أفكار جديدة، والدول على جمع رأس مال إضافي لدعم النمو والتوظيف.

وفي الواقع، يجب على الدول التي لديها مساحة مالية في موازناتها أن تستخدم هذا الوقت الذي يشهد معدلات فائدة منخفضة أو حتى سالبة لزيادة الاستثمارات العامة المنتجة.

وفي دول مثل ألمانيا وهولندا وكوريا الجنوبية، يمكن أن تساعد زيادة الإنفاق - خاصة على البنية التحتية والبحث والتطوير - في تعزيز الطلب وإمكانات النمو.

وعندما يكون هناك حيز مالي، يمكن أن يساعد الاقتراض أيضًا الدول على زيادة الإنفاق لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وهذا بدوره يتطلب بناء الثقة من خلال سياسات الاقتصاد الكلي السليمة ووجود بيئة داعمة للاستثمار.

وفي النهاية فإن فوائد الديون تنبع من إنتاج حصاد اقتصادي جيد للمقترض وللمقرض على حد سواء.

الجانب المظلم من الديون

ولكن، التاريخ يخبرنا عن الجانب المظلم للديون يطغى لأن وصول الديون عند مستويات قياسية مرتفعة يشكل مخاطر على الاستقرار الاقتصادي والمالي.

وكان لتراكم الدين العام علاقة كبيرة باستجابة السياسة للأزمة المالية لعام 2008 - عندما انتقل الدين الخاص إلى الموازنات العامة، خاصة في الاقتصادات المتقدمة.

وتُظهر الأبحاث الأخيرة لصندوق النقد الدولي أن الدعم العام المباشر للمؤسسات المالية وحدها بلغ 1.6 تريليون دولار خلال أزمة عام 2008.

وفي الدول النامية، يعكس تراكم مستويات الديون مجموعة واسعة من العوامل - من الانخفاضات الحادة في أسعار السلع الأساسية إلى الكوارث الطبيعية والصراعات الأهلية والإنفاق الاستثماري المرتفع على المشاريع التي لم تكن منتجة.

خلاصة القول هي أن أعباء الديون المرتفعة تركت العديد من الحكومات والشركات والأسر عرضة للتشديد المفاجئ للظروف المالية.

وظلت الظروف المالية العالمية تيسيرية، ويعزى ذلك جزئيًا إلى أن معدلات الفائدة منخفضة لفترة أطول من المتوقع في الاقتصادات المتقدمة، لكن العالم يواجه أيضًا حالة من عدم اليقين المتزايدة - مدفوعة بالتوترات التجارية والبريكست والمخاطر الجيوسياسية.

وإذا تحولت معنويات المستثمرين، فقد يواجه المقترضون الأكثر ضعفاً تشديدًا ماليًا وتكاليف فائدة أعلى - وسيصبح الأمر أكثر صعوبة في سداد الديون أو ترحيلها، وهذا بدوره يمكن أن يضخم عمليات التصحيح في السوق ويكثف تدفقات رأس المال الخارجة من الأسواق الناشئة.

وبالطبع، ارتفاع الديون لا يمثل فقط خطراً على الاستقرار المالي؛ لكن يمكن أن يصبح أيضًا عبئًا على جهود النمو والتنمية.

وفي الدول منخفضة الدخل، يمكن أن تشكل أعباء الديون المرتفعة تهديدًا لأهداف التنمية حيث تنفق الحكومات المزيد على خدمة الديون وتقلل إنفاقها على البنية الأساسية والصحة والتعليم.

وتشير التقديرات إلى أن 43 بالمائة من الدول منخفضة الدخل إما معرضة لخطر الوقوع في أزمة ديون أو أنها انغمست بها بالفعل.

زرع بذور السياسة الصحيحة للاستفادة من الديون

إذن كيف يمكن للدول الاقتراب من الجانب المشرق للديون؟ كيف يمكنهم زرع بذور السياسة الصحيحة؟

يتضح هذا في ثلاث أولويات يمكن أن تساعد في إحداث تغيير في الدول النامية..

أولاً - الحاجة إلى ضمان أن يكون الاقتراض أكثر استدامة من خلال التركيز بشكل أكبر على جذب الاستثمارات القائمة على الملكية، مثل الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة عائدات الضرائب، ومحاربة الروتين والفساد.

وهذا يعني التركيز على المشاريع الاستثمارية ذات العوائد المرتفعة، وزيادة مسؤولية المقرضين - الذين يحتاجون إلى تقييم تأثير القروض الجديدة على وضع ديون المقترض قبل تقديم قروض جديدة.

ثانياً - نحتاج إلى ضمان أن تكون ممارسات الإقراض والإقتراض أكثر شفافية وذلك من خلال تعزيز المؤسسات التي تسجل الديون وتراقبها وتبلغ عنها.

هنا يعمل صندوق النقد عن كثب مع البنك الدولي لمساعدة الدول الأعضاء على تعزيز قدراتها على إدارة الديون وأطر الحوكمة.

كما يعمل صندوق النقد أيضاً على تحليل القدرة على تحمل الديون لتسليط الضوء على المخاطر المحتملة، ومساعدة المقترضين على بناء الثقة أو إعادة بناءها.

ثالثًاً- نحتاج إلى تشجيع تعاون أفضل بين الدول المقترضة والمقرضين، وهذا يعني العمل معًا لتحسين الإفصاح عن عقود الديون، والتي يمكن أن تساعد في تقليل المخاطر وزيادة المساءلة.

كما تظهر الحاجة أيضًا إلى تعاون أفضل للاستعداد لحالات إعادة هيكلة الديون التي تشمل المقرضين غير التقليديين، بما في ذلك الدول الدائنة خارج "نادي باريس" الذي يشمل العديد من الدول أبرزها (الولايات المتحدة والدنمارك وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وبريطانيا وكندا) وهذا يعني إنشاء طرق جديدة يمكن من خلالها التنسيق الرسمي للدائنين.

هذه القضايا - من القدرة على تحمل الديون إلى الشفافية، إلى التعاون - ستكون حاسمة لتحقيق الرخاء للدول النامية، وينطبق الشيء نفسه على الاقتصادات المتقدمة.

والحقيقة هي أن بعض الدول التي تعاني من عجز مالي كبير قد شهدت انخفاض معدلات الفائدة وضعف التضخم لفترة طويلة، بل إن البعض يتساءل ما إذا كانت "منخفضة لفترة طويلة" يمكن أن تتحول إلى "منخفضة إلى الأبد".