TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الأموال المجانية.. حمى الديون والإنفاق الرخيص تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي

الأموال المجانية.. حمى الديون والإنفاق الرخيص تهدد مستقبل الاقتصاد العالمي

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: أنتج نظام السياسة النقدية المرتكز على التيسير الكمي ومعدلات الفائدة الصفرية أو حتى السالبة مناخاً يسمح بشكل استثنائي لبعض السياسيين بتحقيق مزايا.

ويمكن لأولئك الذين هم على استعداد لاستغلال الظروف الحالية لتعزيز شعبيتهم الخاصة أن يحققوا تقدماً ملحوظاً بدون عقبات على الأقل في الوقت الحالي، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت" لأستاذ التاريخ والشؤون الدولية بجامعة برينستون "هارولد جيمس".

وعبر كافة الاقتصاديات المتقدمة تقريباً، فإن صنع السياسات النقدية والمالية يتفاعل بطريقة جديدة ومتميزة.

وبالنظر على سبيل المثال إلى قيام الحكومة الألمانية مؤخراً بإصدار سندات مستحقة السداد بعد 30 عاماً مع عائد سالب، ويعني ذلك أنه يمكنها الاقتراض مجاناً ومن الناحية النظرية يمكنها القيام بأيّ شيء تريده بدون تكلفة.

وألمانيا ليست الدولة الوحيدة في هذا الشأن، وهو الأمر الذي يفسر سبب عدم الدهشة عند سماع أصوات مدوية متنامية تطالب بتحفيز مالي بصورة أكبر مع أول علامة على تباطؤ النمو الاقتصادي.

ومن الواضح أن الموقف الحالي يمكن أن يكون ذو عواقب نقدية وتوزيعية بعيدة المدى، بالنظر إلى أن الحكومات تؤثر سلباً على أصحاب الدخول الثابتة بشكل تدريجي

لكن هذه مجرد البداية، حيث أنه لطالما كانت السياسة تقع في نطاق إدارة المقايضات، فالأموال التي يتم إنفاقها في مجال معين لا يمكن أن تنفق في أخر.

وفي حالة تقاضى الممرضات والأطباء رواتب أكبر فإن المعلمين أو الشرطة أو رجال الإطفاء سوف يحصلون على أجور أقل نسبياً.

ويجب على الحكومات الاختيار بين خفض الضرائب وبين بناء خطوط السكك الحديدية الجديدية عالية السرعة وحاملات الطائرات والطرق والجسور.

لكن الآن، أدت السياسة النقدية غير التقليدية إلى ظهور السياسات غير التقليدية.

وفي أوروبا، كانت الحكومات الشعبوية في وسط وشرق أوروبا على وجه التحديد جيدة في تنفيذ اللعبة الجديدة.

ويمكن لتلك الحكومات أن تقوم في نفس الوقت بتنفيذ توجهات سياسية مختلفة، حيث أنها يمكن زيادة المميزات المنوحة للأطفال، ورفع المعاشات، وتخفيض سن التقاعد، وتدشين البنية التحتية، وخفض الضرائب، كل ذلك في نفس الوقت.

وفي حال ضغطت المعارضة من أجل مقترحات جديدة تتعلق بالإنفاق، فيمكن للحكومة ببساطة أن تتبنى تلك الأفكار على أنها خاصة بها، بما يضمن قبضتها على السلطة.

وحتماً ستؤدي هذه الضبابية الجديدة التي تخيّم على الاقتصاد النقدي والسياسة المالية إلى اختلال وظيفي.

وفي التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان الأوروبيون يفكرون ما إذا كانوا سيقومون بتبني اليورو أم لا، فإن العملة الموحدة تم تسويقها كأداة تأديبية ووسيلة لجعل المقايضات السيئة في السياسة التقليدية مقبولة.

والانضمام إلى منطقة اليورو كان يعني التضخية بدرجة من السيادة على السياسة المالية، لكن العضوية من شأنها أن تدفع نحو معدلات الفائدة الأقل وبالتبعية تقليص تكاليف الديون الحكومية وتوفير الأموال لاستخدامات أخرى.

وفي ظل النظام الجديد، لا يزال هناك إغراء متزايد لزيادة الإنفاق، لكنه يأتي مع قيود خاصة وجديدة، لتستفيد فقط الدول التي تتعهد بالبقاء داخل الدائرة من سحر هذا الوضع.

وفي اللحظة التي تثار فيها احتمالية المغادرة فإن التعويذة تزول، وهذا هو السبب في أنه لم يعد حتى الساسة في إيطاليا وفرنسا والمعروفين بالتشكيك في فكرة اليورو يعلنون خيار مغادرة المنطقة.

وبطبيعة الحال، فإن اليورو لا يحول بشكل سحري حكومات الدول الأعضاء إلى نماذج من الاستقامة الاقتصادية.

وعلى النقيض، فإنه يتم مكافئة تلك الحكومات في الوقت الحالي على التصرف على نحو غير مسؤول وغير متوقع في حين يتم إجبار السلطات النقدية على اتخاذ موقف أكثر تيسيرية.

ويبرز المثال الأكثر وضحاً لهذه المناورة في الولايات المتحدة، حيث تؤجج الحرب التجارية للرئيس دونالد ترامب وتهديدات تويتر عدم اليقين الاقتصادي كما تعزز اللهجة الحذرة للجنة السوق المفتوح الفيدرالية.

ويقوم الفيدرالي في الوقت الحالي بخفض معدلات الفائدة من أجل تجنب تباطؤ النمو الاقتصادي.

ويعتبر الأمر بمثابة مسألة وقت فقط قبل أن يلجأ الشعبويون الأوروبيون - رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وماتيو سالفيني (والذي لا يزال طموحاً كي يصبح رئيس وزراء إيطاليا) - إلى تنفيذ الاستراتيجية نفسها.

وما يفاقم من الاختلال الوظيفي، انغلاق الشعبويون على حجج فكرية جديدة كما يقدمون أنفسهم بشكل متزايد على أنهم مفكرين جادون ومبدعون، تتمثل مهمتهم الأولى في إقناع الناخبين بأن ما يقومون به ليس خطيراً.

لكن هذا الأمر لم يكن صعباً للغاية، بالنظر إلى أن الأصوات التي تحتفل بسقوط النظام الليبرالي القديم يتم سماعها حالياً عبر الطيف السياسي.

وعبر كافة الاقتصاديات المتقدمة، يوجد تصور واسع النطاق بأنه منذ الأزمة المالية في عام 2008 لم تعد القواعد القديمة قابلة للتطبيق.

وتعد الرؤية الجديدة التي ظهرت حالياً مثالية بالنسبة للشعبويين، كونها تؤكد أن الأزمة المالية تضعف مصداقية الاقتصاد التقليدي وأن الليبرالية الجديدة كانت بمثابة وهم خطير.

وكانت الرؤية الليبرالية الجديدة التي واجهت انتقادات كبيرة بعد الأزمة، تكمن في حقيقة أن التقييد المالي هو ميزة يتم مكافأتها بمعدلات الفائدة المنخفضة والائتمان الأرخص وتعزيز إنفاق المستهلكين.

ولكن طبقاً للمنتقدين، فإن الإنفاق الحكومي ليس مجانياً فحسب لكنه بالتأكيد جيد.

وفي هذا الاقتصاد الجريء الجديد، لا يبدو أن أيّ أحد سيكون قادراً على أن يقول بشكل موثوق فيه مدى خطورة الديون، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد مستوى معين من الديون يمكن أن يثير انعاكساً كبيراً.

وفي حال بات المودعون والمستثمرون قلقون، فيمكن أن تصبح الديون مكلفة مجدداً، ما يجعل رصيد الديون الحالي غير مستداماً، وفي هذه المرحلة فقط يمكن أن يتوقف مفعول السحر الشعبوي.

وربما يجد هؤلاء الذين يرغبون في استعادة السياسة التقليدية والقواعد القديمة أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه، وعلى الرغم من أنهم لا يرغبون في وضع نهاية للرخاء، إلا أنهم يبدون كذلك إذا تم مقارنتهم بالشعبويبن.