TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

لماذا خفضت تركيا معدل الفائدة 7.5% في أقل من شهرين؟

لماذا خفضت تركيا معدل الفائدة 7.5% في أقل من شهرين؟

من: سالي إسماعيل

مباشر: شهدت تركيا خفض تكلفة الاقتراض في البلاد للمرة الثانية في عهد محافظ البنك المركزي الجديد، ليكون السؤال؛ هل هذا الاتجاه استجابةً لرغبة الرئيس رجب طيب أردوغان أم هكذا اقتضى الوضع الاقتصادي؟

وبعد مرور أقل من شهرين على تغيير محافظ البنك المركزي، فإن المحافظ الجديد "مراد أويصال" والذي خفض الفائدة بمقدار 425 نقطة أساس بعد أيام من توليه المنصب، قام مجدداً بتقليص الفائدة بشكل حاد بلغ 325 نقطة أساس في الاجتماع الأخير.

وتفوق هذه الخطوات توقعات المحللين بكثير والتي كانت تشير إلى خفض قدره 200 نقطة أساس في المرة الأولى وتقليص بنحو 250 نقطة أساس في المرة الثانية.

ويقف معدل الفائدة في تركيا الآن عند 16.5 بالمائة مقارنة بـ24 بالمائة في العام الماضي تزامناً مع أزمة العملة التي ضربت البلاد في الربع الأخير من 2018 ودفعت الدولار أعلى مستوى 7 ليرات لأول مرة في التاريخ.

تحركات الفائدة؟

ما بين 25 يوليو/تموز الماضي وبين 12 سبتمبر/أيلول، شهدت السياسة النقدية في تركيا تحولاً ملحوظاً مع خفض معدل الفائدة في البلاد بنحو 750 نقطة أساس (7.5 بالمائة).

وتأتي هذه الخطوات الصارمة من قبل المركزي التركي بعد تثبيت الفائدة منذ اجتماع سبتمبر/أيلول من العام الماضي مع حقيقية أن أول أربعة اجتماعات للسياسة النقدية هذا العام لم يحرك صناع السياسة ساكناً.

لكن يحذر الاقتصاديون من أن خفض معدلات الفائدة التركية بشكل حاد وسريع للغاية من شأنه أن يردع الاستثمار في نهاية المطاف، خاصة إذا كان معدل التضخم سيبدأ في الارتفاع مرة أخرى بعد انخفاضه مرة أخرى في شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".

 

تحركات الفائدة في تركيا منذ بداية 2018 - (المصدر: صحيفة فايننشال تايمز)

ولا يزال أمام البنك المركزي اجتماعين آخرين في العام الجاري، الأول يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول والآخر يوم 12 ديسمبر/كانون الأول.

تدخل أم مبررات منطقية؟

وفي هذا الشأن لا يمكن تجاهل الرئيس الذي لقب نفسه بأنه "عدو معدلات الفائدة المرتفعة"، وهجومه المستمر على سياسة البنك المركزي.

ودعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً لخفض معدل الفائدة في البلاد في مسعى لخفض معدل التضخم وتحفيز الوضع الاقتصادي ودعم الليرة، وهو الأمر الذي لم يحظى بالقبول في ظل قيادة المحافظ السابق للبنك "مراد سينتيكايا".

ولم يكن محافظ البنك هو الوحيد الذي يخالف أفكار أردوغان غير التقليدية حول الفائدة والتضخم بل كان هناك الكثيرون الذين يجادلون آراءه كذلك.

وتكمن أفكار أردوغان - والتي تتعارض مع غالبية الاقتصاديين - في اعتقاده الشخصي بأن معدل التضخم سوف يتراجع حال تم خفض معدل الفائدة.

وبعد أشهر من الصمت، عاد أردوغان مجدداً في أواخر شهر يونيو/حزيران الماضي ليكرر نفس الطلب، بقوله: "لسوء الحظ أن معدل الفائدة في بلادي يبلغ 24 بالمائة وهذا أمر غير مقبول".

وبعد أسابيع قليلة من تعليقات أردوغان تلك، قام بإقالة - وفقاً للسلطة التي منحها لنفسه بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة - محافظ البنك المركزي "سينتيكايا" قبل أن يُولي نائبه "مراد أويصال" المنصب وذلك في أوائل يوليو/تموز الماضي.

وفي ظل هذا التغيير المفاجئ، عاد الحديث وكذلك التلميحات بشأن خفض الفائدة من قبل كل من أردوغان ومحافظ المركزي التركي "مراد أويصال" وسط تأكيد الأخير على استقلالية البنك والاحتفاظ بسيطرته على تحديد معدلات الفائدة.

وفي مسعى للدفاع عن إقالة سلفه، فإن أويصال أكد أن توليه المنصب تم بما يتوافق مع اللوائح القائمة لينفي أيّ خطوة غير قانونية في عملية التعيين.

ماذا عن الوضع الاقتصادي؟

بعد أن تلقى أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط العام الماضي ضربة قوية مع خسائر حادة في قيمة الليرة التركية، دخلت البلاد في مرحلة ركود اقتصادي هي الأولى في عقد من الزمن قبل أن تتعافى منها لاحقاً.

وأظهر الاقتصاد إشارات إيجابية على التعافي من الأزمة الاقتصادية وإن كان هناك بعض الكبوات في نواحي معينة.

وبعد ربعين متتالين من الانكماش – تعريف الركود الاقتصادي من الناحية الفنية – تمكن الناتج المحلي الإجمالي في تركيا من النمو خلال أول ثلاثة أشهر من العام كما تفوق على تكهنات المحللين خلال الربع الثاني من 2019 رغم تباطؤه.

وفي الوقت نفسه، فإن التضخم تباطأ إلى أدنى مستوى في نحو 15 شهراً خلال أغسطس/آب الماضي والذي كان أعلى قليلاً من 15 بالمائة، وهو دليلاً آخر على اعتقاد أردوغان حيال الفائدة.

وتمثل قراءة أغسطس/آب بشأن التضخم، الشهر الخامس على التوالي من إتباع اتجاهاً هابطاً، بسبب الطلب المحلي الذي لا يزال ضعيفاً والليرة التركية القوية نسبياً فضلاً عن تحسن توقعات التضخم تدريجياً.

لكن هذه الأرقام أقل كثيراً من المستويات المسجلة في أواخر العام الماضي والتي كانت الأعلى في نحو 15 عاماً، على الرغم من أنها تبعد بكثير عن مستهدف البنك البالغ 4 بالمائة.

وتشير توقعات البنك المركزي إلى أن مؤشر أسعار المستهلكين سوف يسجل زيادة بنسبة 12.2 بالمائة في الإثنى عشرة شهراً التي ستنتهي في سبتمبر/أيلول.

توقعات التضخم - (المصدر: البنك المركزي في تركيا)

وبحسب بيان المركزي التركي عن اجتماعه الأخير، فإن الموقف الحالي السياسة النقدية يتسق في جانب كبير مع مسار تراجع معدل التضخم المتوقع.

وعلاوة على ذلك، فإن فائض الحساب الجاري في تركيا اتسع إلى أعلى مستوى في نحو 17 عاماً خلال الإثنى عشرة شهراً المنتهية في يوليو/تموز الماضي وهو الأعلى منذ يناير/كانون الثاني 2002.

يجدر الإشارة إلى أن تركيا كانت تعاني قبل وقت قريب من عجزاً في الحساب الجاري قبل أن يتحول إلى الفائض.

 

أداء الحساب الجاري خلال يوليو/تموز - (المصدر: البنك المركزي في تركيا)

ومن جهة أخرى، فإن إجمالي احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي والذهب معاً بلغت 101.852 مليار دولار في الأسبوع المنتهي في 6 سبتمبر/أيلول الجاري وهو أعلى بنحو 14.76 بالمائة مقارنة مع مستويات الفترة المماثلة من العام الماضي، وفقاً لبيانات البنك المركزي.

رد فعل الليرة؟

وفي استجابة غير تقليدية بل وتتعارض أيضاً مع أساسيات الاقتصاد، فإن الليرة التركية حققت مكاسب ملحوظة في المرتين اللتين تلتا قرار البنك المركزي بالخفض.

وشجعت استجابة الأسواق الإيجابية في المرة الأولى لقرار المركزي التركي، الرئيس أردوغان على المطالبة بالمزيد من الخفض في تكاليف الاقتراض وسط تأكيده أن الأسواق أثبتت صحة رؤيته.

وفي المرة الأولى، أرجع البنك المركزي قراره الذي يعتبر هو الأكبر في نحو 17 عاماً، إلى تعافي معتدل في النشاط الاقتصادي مع استمرار تحسن توقعات التضخم وتحسن أداء الحساب الجاري.

وفي القرار الثاني، فإن الأسباب نفسها كانت الدافع وراء تحرك المركزي التركي الذي يُعد الثاني من نوعه منذ عام 2016.

 

أسباب خفض الفائدة - (المصدر: البنك المركزي في تركيا)