TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الأرجنتين.. من قمة التفاؤل إلى صراع البقاء

الأرجنتين.. من قمة التفاؤل إلى صراع البقاء

من: سالي إسماعيل

مباشر: تكافح في الوقت الراهن الأرجنتين من أجل البقاء في ظل عودة شبح الإفلاس، بعد مررو نحو عامين فقط من إصدارها "سندات القرن" والنظرة المتفائلة التي صاحبت تولي "موريسيو ماكري" رئاسة البلاد.

ورغم أنه لم تنتهِ فترة ولايته بعد، إلا أن البلاد على مشارف الإفلاس تزامناً مع العد التنازلي للانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نهاية الشهر المقبل.

لكن ما بين هذا وذاك، هناك تحولاً كبيراً شهدته الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية، حيث أنه بعد مرور ما يقل عن 4 سنوات تحول الأمر من إجراءات تهدف لإصلاح الاقتصاد والثقة في الحكومة لدرجة إقراضها ديون يحل موعد سدادها بعد قرن من الزمن، إلى النقيض التام.

وكان "موريسيو ماكري" قد تم انتخابه في عام 2015 على خلفية وعود بشأن تعزيز اقتصاد الأرجنتين عبر مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية بعد نحو 12 عاماً من الانعزال من أجل مكافحة الفقر وخفض معدل التضخم دون 10 بالمائة ومعالجة معدل البطالة المرتفع.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2015، قام ماكري برفع القيود عن العملة والتي هزت الثقة في البيزو، لتسوية نزاع مع الدائنين دام لسنوات طويلة، الأمر الذي مهد الطريق أمام البلاد لبيع الديون في الخارج وذلك في أبريل/نيسان 2016.

وبالعودة إلى تلك الفترة، فإنه كان ينظر إلى هذه الخطوة - إلغاء ضوابط رأس المال التي كانت سارية منذ عام 2001 - على أنها أحد الإنجازات الكبيرة التي حققها الرئيس "ماكري".

ومن بين الإنجازات الأخرى التي تُنسب له وساهمت في تعزيز ثقة الأسواق، أن الأرجنتين تمكنت من الخروج من مرحلة الركود الاقتصادي في الربع الثالث من عام 2016.

ودفعت الثقة في حكومة ماكري الصديقة للسوق، المستثمرين للإقبال على شراء "سندات القرن" في منتصف عام 2017، وهي الديون الحكومية مستحقة السداد بعد 100 عام، لتكون بذلك الأرجنتين هي الثانية فقط من دول أمريكا اللاتينية التي تُقبل على هذه الخطوة بعد المكسيك في عام 2010.

تراجع سندات القرن - (المصدر: فاكتست وبلومبرج)

لكن سرعان ما انقلبات الأمور رأساً على عقب، حيث عانت الأرجنتين بشكل تدريجي من أزمة مالية يمكن القول إنها نتيجة الإصلاحات الاقتصادية غير المخططة، بل تفاقمت الأمور حدة مع هزيمة الرئيس الحالي للبلاد في نتائج استطلاعات أولية عقدت يوم 11 أغسطس/آب الماضي.

أداء اقتصادي سلبي

يعيش ثالث أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية داخل مجموعة من المشاكل الاقتصادية التي تعمل على تشويه الصورة المتفائلة المرسومة مع تولي "ماكري" زمام الأمور.

وعلى الرغم من البداية الموفقة للرئيس في عام 2015، لكن جهود مواجهة أزمة العملة التي اندلعت في العام الماضي جاءت بنتائج عكسية.

ولم تكف خطوات كفرض ضرائب جديدة لتغطية العجز المالي أو عجز الحساب الجاري في البلاد على سبيل المثال أو حتى مواجهة الصعوبات التي قد تدفعه حتماً نحو أزمة ديون جديدة.

وفي شهر أغسطس/آب الماضي، جمعت الأرجنتين 458.495 مليار بيزو (7.7 مليار دولار) من إيرادات الضرائب وهو أعلى بنحو 56.3 بالمائة عند المقارنة مع الفترة المماثلة من العام الماضي.

وسجلت الأرجنتين فائضاً أولياً بالموازنة (بعد استبعاد فوائد وأقساط الديون) بقيمة 25.9 مليار بيزو (600 مليون دولار أمريكي) في شهر مايو/أيار الماضي، وهو الأعلى منذ عام 2011، كما حققت فائضاً أولياً بقيمة 10 مليارات بيزو في الربع الأول من العام الحالي.

ولكن تعتبر الديون وراء تسجيل العجز المالي الكبير في الأرجنتين، ما يمثل سبباً رئيسياً لجميع حالات عدم الاستقرار التي تؤثر سلباً على الاقتصاد الكلي، كما تقول الخبيرة الاقتصادية ناتاليا موتيل المحللة في مؤسسة الحرية والتقدم الأرجنتينية في تعليقات مع وكالة "شينخوا" الصينية.

وتوضح: "انتهى هذا العجز المالي إلى تشويه الاقتصاد، ويكمن الحل ف إجراءات مالية قوية".

وفي الوقت نفسه، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للأرجنتين بنحو 5.8 بالمائة خلال أول ثلاثة أشهر من هذا العام بعد تراجعه 2.5 بالمائة في عام 2018.

كما أن الأرجنتين تشهد واحدة من أعلى معدلات التضخم حول العالم، حيث بلغ 55 بالمائة تقريباً في شهر يوليو/تموز الماضي.

وتملك الأرجنتين أعلى معدل فائدة في العالم والذي يقف عند 75 بالمائة بعدما نفذت عدة زيادات كبيرة منذ العام الماضي لدعم العملة الآخذة في الهبوط.

السياسة تزيد الأمور سوءاً

وبعيداً عن الأوضاع الاقتصادية المخيبة للطموحات، فإن احتمالات الإطاحة بحكومة ماكري خلال الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في 27 أكتوبر/تشرين الأول المقبل تعمق الأزمة أكثر وأكثر.

وبحسب نتائج الاستطلاع، فإن مرشح المعارضة "ألبرتو فرنانديز" فاز بأغلبية 47 بالمائة بينما حصل الرئيس الأرجنتيني الحالي "ماكري" على تأييد 32.7 بالمائة فقط.

وتشير هذه النتائج التي كانت صادمة بالنسبة للأسواق، إلى أن مرشح المعارضة يحظى بالدعم الكافي، حيث يحتاج المرشحون إلى الفوز بنسبة 45 بالمائة في الجولة الأولى لتفادي الجولة الثانية المحددة لها 24 نوفمبر/تشرين الثاني أو 40 بالمائة مع فارق 10 بالمائة أعلى من منافسه التالي.

شبح الإفلاس

وتكافح الأرجنتين كذلك اليوم من أجل تفادي عملية التخلف عن سداد ديونها، والتي من شأنها أن تكون المرة الخامسة في غضون ثلاثين عاماً، لكن في المجمل تخلفت عن سداد الديون 8 مرات منذ أن حصلت على استقلالها عن إسبانيا في عام 1816.

وتسعى الأرجنتين إلى تأجيل مدفوعات إلى صندوق النقد الدولي من أجل التعامل مع الأزمة، وذلك عبر مد آجال استحقاق ديونها في مسعى لتأمين المزيد من الوقت لتسديد الأموال المستحقة.

وفي الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، أعلنت الحكومة الأرجنتينية خطة للتفاوض مع الدائنين لتمديد فترة استحقاقات ديون تصل قيمتها إلى 101 مليار دولار.

وتعتزم حكومة الأرجنتين تأجيل دفع 7 مليارات دولار من سنداتها المحلية قصيرة الآجل لمدة تصل إلى ستة أشهر، كما تسعى لتأخير سداد 44 مليار دولار من قروض صندوق النقد.

وبحسب بيان صادر عن صندوق النقد الدولي يوم الأحد في أعقاب قرار ضوابط العملة، أكد صندوق النقد أنه سوف يستمر مساندة الأرجنتين خلال هذه الأوقات الصعبة.

واعتبر الصندوق الدولي القرار الذي اتخذته الأرجنتين بشأن إدارة تدفق رؤوس الأموال بمثابة خطوة تهدف إلى حماية استقرار سعر الصرف والمدخرين.

وفي العام الماضي، حصلت حكومة ماكري على موافقة صندوق النقد لإمدادها بأكبر قرض في تاريخ الصندوق بقيمة 57 مليار دولار وسط تعهد البلاد بحزمة من الإصلاحات والإجراءات التقشفية من أجل منع التعثر عن السداد.

تاريخ القروض بين صندوق النقد والأرجنتين - (المصدر: هيئة الإذاعة البريطانية)

لكن هذه الخطوة اعتبرتها وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز" بمثابة "تعثر انتقائي" وسط تحذيرات من عدم القدرة على سداد الديون طويلة الآجل.

كما أن وكالة "فيتش" خفضت هي الأخرى التصنيف الائتماني لديون الأرجنتين إلى "نعثر مقيد" مستشهدة بالإخفاق في سداد الديون.

تراجع أسعار "سندات القرن" منذ النتائج الأولية للانتخابات - (المصدر: وكالة بلومبرج)

وترى شركة "كابيتل إيكونوميكس" للأبحاث أن قرار الأرجنتين بتأجيل سداد الديون المستحقة جاء بعد فشل الحكومة في بيع سندات جديدة قصيرة الآجل، ما جعلها تكافح من أجل الحصول على الأموال اللازمة لذلك.

وبحسب شركة الاستثمارات "أشمور"، فإن الأرجنتين مطالبة بسداد 30 مليار دولار في عام 2020 على أن يوجد نحو 25 مليار دولار تقريباً مستحقة السداد في العام التالي.

أما عامي 2022 و2023، فيجب على الأرجنتين دفع ما مجموعه 70 مليار دولار.

جهود مواجهة الأزمة المتفاقمة

في مسعى لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، فإن الإجراء الأول الذي اتخذته الأرجنتين كان إعلان فرض ضوابط على العملة يوم 1 سبتمبر/أيلول 2019.

ويهدف هذا الإجراء إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق المالية بعدما تركت خسائر البيزو بصمتها بشكل واضح.

وبموجب هذه الضوابط، فإنه يتعين على الشركات طلب إذن من البنك المركزي لبيع البيزو وشراء عملات أجنبية وإجراء تحويلات في الخارج.

ومن المقرر سريان مفعول هذه القيود حتى نهاية العام الحالي، لكن تلك القيود - والتي يقف حدها الأقصى عند 10 آلاف دولار شهرياً - بكل تأكيد هي أفضل مما حدث في عام 2001 والذي أوقف جميع عمليات سحب الدولارات من الحسابات المصرفية لمدة عام كامل.

واعتبرت الحكومة هذا الإجراء كأمر ضروري لضمان الأداء الطبيعي للاقتصاد كما يراه البنك المركزي في الأرجنتين بأنه يهدف للحفاظ على استقرار العملة.

وتأتي ضوابط العملة بعد أن تم استنزاف نحو ثلاثة مليارات دولار من احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي في آخر يومين في شهر أغسطس/آب الماضي.

كما تتزامن مع الوقت الذي تخرج فيه العملة المحلية للأرجنتين - والتي كانت الأسوأ أداءً في العام الماضي - عن نطاق السيطرة، ما يعني أن البلاد تخاطر باستنفاذ احتياطياتها الصافية حال استمرار خسائر البيزو.

ومن شأن هذه الخطوة أن تكون مصدر حرج للرئيس الذي تعهد بتحرير الاقتصاد بعد سنوات من تدخل الدولة.

وترى "مارينا دال بوجيتو" المدير التنفيذي لشركة الاستشارات "إيكوجو" أن الضوابط على رأس المال ليست مثالية لكنها ضرورية عند الرغبة في وضع قيود على سعر صرف العملات الأجنبية.

وتؤكد "بوجيتو" في تعليقات نقلتها صحيفة "ذا نيويورك تايمز" أن معرفة مدى فعالية مثل هذه الإجراءات سوف يظهر خلال الأيام القليلة المقبلة.

وفي خطوة جديدة، قررت الأرجنتين يوم 3 سبتمبر/أيلول زيادة الحد الأدنى للأجور بنحو 35 بالمائة على ثلاث دفعات في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ليصعد من 12.5 ألف بيزو (215 دولار أمريكي) إلى 16.875 ألف بيزو شهرياً.

الأسواق تعاني

فقد البيزو الأرجنتيني ثلث قيمته تقريباً في الآونة الأخيرة مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية.

وفي غضون أول ثمانية أشهر من العام الجاري، فقد البيزو الأرجنتيني نحو 36.8 بالمائة من قيمته أمام الدولار الأمريكي لكنه تعافى في بداية سبتمبر/أيلول الجاري مع جهود الحكومة لدعم العملة.

كما أن العملة سجلت مستوى قياسي متدني ضد الورقة الخضراء مؤخراً، ليصبح الدولار الواحد يعادل 61 بيزو تقريباً.

أداء البيزو الأرجنتيني مقابل الدولار الأمريكي - (المصدر: وكالة بلومبرج)

وبالنظر إلى الأسواق المالية في الأرجنتي، فإن البورصة فقدت أكثر من 40 بالمائة من قيمتها منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية أغسطس/آب الماضي.