TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

ألمانيا.. هل انتهى "العقد الذهبي" لأكبر اقتصاد أوروبي؟

ألمانيا.. هل انتهى "العقد الذهبي" لأكبر اقتصاد أوروبي؟

من: سالي إسماعيل

مباشر: تعرض اقتصاد ألمانيا إلى مجموعة من الضغوط في الآونة الأخيرة دفعته نحو اتجاه هبوطي، لكن هل انتهى "العقد الذهبي" للاقتصاد الأكبر في أوروبا؟

من الواضح أن ألمانيا كانت أكبر المتضررين من التباطؤ العالمي والصراعات التجارية كون برلين تعتمد بشكل أساسي على الصادرات.

وشهدت صادرات ألمانيا تراجعاً خلال شهر يونيو/حزيران الماضي على أساس سنوي وذلك بوتيرة هي الأكبر في نحو 3 سنوات.

والأكثر من ذلك أن أحدث أرقام اقتصادية تشير إلى أن أكبر اقتصاد في أوروبا أوشك على الدخول في مرحلة الركود الاقتصادي بعد الانكماش الذي سجله بالربع الثاني من هذا العام.

ويُعرف الاقتصاديون الركود الاقتصادي من الناحية الفنية في الغالب على أنه انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لمدة ربعين متتالين.

وبحسب بيانات رسمية صادرة عن هيئة الإحصاءات الفيدرالية في ألمانيا؛ فإن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تراجع بنحو 0.1 بالمائة في الربع المنتهي في شهر يونيو/حزيران الماضي مقارنة مع النمو المسجل في أول ثلاثة أشهر من العام والبالغ 0.4 بالمائة.

وحذر البنك المركزي الألماني من احتمالية دخول البلاد في مرحلة ركود اقتصادي، مع إمكانية تسجيل انكماش في الربع الثالث من العام الحالي.

وبالنظر إلى المؤشرات الاقتصادية الأخيرة، فمن غير المرجح أن يكون الربع الحالي أفضل على أية حال؛ ما يعني أن مخاطر الركود الاقتصادي لا تزال تلوح في الأفق.

وخلال شهر يوليو/تموز الماضي، سجل النشاط الصناعي في ألمانيا واحدة من أسوأ قراءات الانكماش التي تم رصدها منذ عام 2009 بعدما تراجع مؤشر مديري المشتريات الصناعي إلى أدنى مستوى في 7 سنوات تقريباً، هذا فضلاً عن تراجع الإنتاج الصناعي بالفترة نفسها.

وفي الوقت نفسه، هبطت ثقة المستثمرين في اقتصاد ألمانيا خلال يونيو/حزيران الماضي إلى أدنى مستوى منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب مؤشر "زد.آي.دبليو".

ويأتي هذا الأداء الاقتصادي المخيب للآمال في ألمانيا، بالتزامن مع انزلاق الصناعة الألمانية - التي تعد المحرك الأساسي لاقتصاد البلاد - في فترة طويلة من الركود.

ويفوق الإحباط والتشاؤم في الاقتصاد الأوروبي الأكبر النظرة المتفائلة؛ نظراً لعدة أسباب لا تختلف كثيراً عن الوضع العالمي، التي يأتي على رأسها النزاعات التجارية إضافة إلى الأزمة ذات الصلة بقطاع السيارات.

ويضاف إلى ما سبق أيضاً المخاطر المرتبطة باحتمالية تنفيذ البريكست دون اتفاق بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إضافة لموجة الاضطرابات السياسية داخل هونج كونج وتأثير ذلك على العلاقات التجارية.

ولم يكن انكماش الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثاني مفاجئاً لكن النقطة الهامة هي أن الاقتصاد الألماني لا يشهد حتى الآن أزمة مثلما كان الوضع في 2008 أو 2009، على حد قول "كارستن برزيسكي" كبير الاقتصادين في البنك الاستثماري "آي.إن.جي".

ورغم مرور نحو 10 سنوات من النمو القوي للاقتصاد الألماني ورغم أن الوضع لم يصل بعد لمرحلة الأزمة المالية التي وقعت عام 2008، إلا أن الوضع الراهن يعني نهاية "العقد الذهبي" خاصةً في ظل انعدام الإصلاحات الهيكلية إضافة إلى الافتقار إلى الاستثمارات في البنية التحتية؛ وفقاً لما ذكره "برزيسكي".

ويؤكد الاقتصادي في "آي.إن.جي" أن ألمانيا بحاجة إلى نوع من التحفيز كخفض الضرائب على الشركات وتوفير السيولة من أجل المساعدة في التحول نحو نظام السيارات الكهربية إضافة إلى برامج استثمار طويلة الاجل وسط توفير الحوافز اللازمة لذلك.

لكن رغم تزايد مطالب القيام بإجراءات تحفيزية لدعم الوضع الاقتصادي إلا أن الحكومة الألمانية لا تزال تتمسك برأيها والمتمثل في أنه ليس هناك حاجة لتحرك كهذا في الوقت الحالي.

وفي تقرير نشره موقع "دويتشه فيله"، أرجع الخبراء الانكماش الفصلي إلى تراجع الصادرات، حيث تلقى القطاع التصنيعي ضربة قاسية على خلفية عدم اليقين ذات الصلة بنتيجة الصراع التجاري الأمريكي الصيني المطول إضافة للتأثير المتوقع من البريكست الصعب.

ويقتنع المصدرون تماماً بأن الاقتصاد الألماني قد يواجه مشاكل إضافية حال تنفيذ عملية الخروج للمملكة المتحدة يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول بدون اتفاق؛ وفقاً للتقرير.

وبالنسبة لركيزة النمو الأساسية لألمانيا على المدى الطويل، وهي الاستهلاك المحلي، ربما تبدأ هي الأخرى في الانهيار، على الرغم من أن الطلب لا يزال قوياً إلى حد ما في ظل فرص العمل المرتفعة والأجور القوية في العديد من قطاعات الاقتصاد فضلاً عن تكاليف الاقتراض المنخفضة.

ويشير تقرير "دويتشه فيله" إلى التحرك البطيء للحكومة في الوقت الحالي رغم تأرجح اقتصاد ألمانيا على حافة الركود، وذلك بعد أن رفضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مؤخراً دعوات محلية ودولية من أجل مزيد من الحوافز المالية مع الإصرار على أنه ليس هناك حاجة لخطوة كهذه الآن.

لكن في المقابل، اعترف وزير الاقتصاد الألماني "بيتر ألتماير" في تصريحات مع صحيفة "بيلد" الألمانية بأن أحدث أرقام النمو الاقتصادي كانت بمثابة إشارة تحذيرية كما أنها توضح أن النزاعات التجارية قد تسببت في خسائر.

ومن أجل تفادي ألمانيا الدخول في مرحلة ركود اقتصادي، يجب تنفيذ المزيد من الاستثمارات في التكنولوجيات الموجهة نحو المستقبل والرقمنة بالتزامن مع خفض ضريبة الشركات كنوع من الدعم لتلك المؤسسات؛ وفقاً للوزير الألماني.

ويوضح الكاتب بموقع دويتشه فيليه "هنريك بوهمي" أن هذا الاتجاه الهابط في الأداء الاقتصادي لألمانيا رغم أنه ناتج عن عوامل خارجية لكنه نتيجة تهدئة طبيعية لدورة الأعمال بعد نحو 8 سنوات من التوسع الاقتصادي في ألمانيا.

ويشير إلى أن الخطوة التي قد تساعد على الفور في تخفيف التباطؤ الاقتصادي الحالي هو التخفيض السريع في ضريبة الدخل بالنسبة للموظفين؛ كون استهلاك الأسر في الوقت الحالي بات الداعم الرئيسي للنمو في البلاد.

وسلط الضوء على أحد الأفكار الذكية التي قد تنقذ ألمانيا من هاوية الركود، التي صاغها الاقتصادي الألماني "مايكل هوثر" مؤخراً.

وتكمن هذه الفكرة في المطالبة بإنشاء "صندوق ألمانيا" بقيمة 450 مليار يورو (503 مليار دولار) يتم إنفاقه على مدى العشر سنوات المقبلة في أغراض عدة بما في ذلك النقل العام والإنترنت الأسرع والإسكان والتعليم وحماية المناخ.

ويمكن تمويل هذا الصندوق من خلال بيع الديون الألمانية نظراً لقوة الإقبال عليها كون المستثمرين على استعداد لقبول العوائد السالبة في مقابل المخاطر المنخفضة.