TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

ماذا لو كانت الفائدة الصفرية هي المستوى الطبيعي الجديد؟

ماذا لو كانت الفائدة الصفرية هي المستوى الطبيعي الجديد؟

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: منذ قيام البنوك المركزية الكبرى بخفض معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى الصفر في خريف 2008، وأحجام الشراء الضخمة اللاحقة للسندات كجزء من عمليات التيسير الكمي، ناقش الاقتصاديون موعد ومدى سرعة الخروج من هذه السياسات النقدية غير التقليدية.

لكن بعد مرور عقد من الزمن؛ فإن معدلات الفائدة في الاقتصادات المتقدمة ظلت عالقة عند مستويات أقل بكثير من مستويات ما قبل الأزمة ومن المرجح أن تبقي كذلك.

ويطرح الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة والعضو السابق في لجنة السياسة المالية البريطانية "أدير تيرنر" خلال رؤية تحليلية نقلها موقع "بروجيكيت سينديكيت"، فرضية أن تكون معدلات الفائدة الصفرية هي المستويات الطبيعية الجديدة؟

ويشير تراجع العائد على سندات الحكومة الألمانية إلى - 0.02% (في 23 مارس الماضي) إلى أن السوق يتوقع أن البنك المركزي الأوروبي سيبقي معدلات الفائدة الصفرية ليس فقط حتى عام 2020 (وهي التوقعات الرسمية للمركزي الأوروبي) لكن حتى 2030.

كما تشير عوائد السندات اليابانية الإبقاء على معدلات الفائدة الصفرية أو السالبة لمدة أطول.

وفي حين أن عوائد سندات الحكومة لأجل 10 سنوات في الولايات المتحدة وفي المملكة المتحدة أعلى قليلاً من 2.4% و1% على التوالي فإن كليهما يشير إلى زيادة ضئيلة أو لا زيادات في معدلات الفائدة لمدة عقد آخر.

وربما تكون الأزمة العالمية في عام 2008 قد مهدت الطريق أمام ربع قرن من معدلات الفائدة المنخفضة بشكل كبير.

وفي ظل هذه المستويات الطبيعية الجديدة، ربما لا تزال هناك الحاجة داخل بعض الدول إلى بعض السياسات غير التقليدية، بما في ذلك أشكال تمويل السياسة النقدية النقدي من أجل الحفاظ على وتيرة نمو اقتصادي معتدل.

وحدثت الأزمة المالية في عام 2008 بسبب سماح اللوائح التنظيمية الضعيفة لمخاطر ضخمة بالتطور داخل النظام المالي نفسه.

لكن شدة الركود الاقتصادي اللاحق والفترة الطويلة من تباطؤ النمو التي تلت ذلك، لم تكن نتيجة هشاشة النظام المالي المستمرة ولكن بسبب الإفراط في الرافعة المالية داخل الاقتصاد الحقيقي التي تطورت على مدى الـ50 عاماً الماضية.

وخلال الفترة بين عامي 1950 و2007؛ فإن ديون القطاع الخاص (الأسر والشركات) في الاقتصادات المتقدمة نمت من 50% إلى 170% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ويبدو أن النمو الاقتصادي الكافي لا يمكن تحقيقه إلا إذا نمت الديون بوتيرة أسرع بكثير من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي.

وبعد الأزمة، تحول نمو القروض إلى النطاق السلبي وظل متراجعاً لسنوات عديدة، ليس بسبب أن النظام المالي الضعيف كان يفتقر إلى رأس المال من أجل تقديم الائتمان ولكن لأن الأسر والشركات ذات المديونية المفرطة كانت مضطرة لسداد الديون حتى لو كانت معدلات الفائدة عند مستوى صفر.

كما شوهد نفس النموذج في اليابان خلال فترة التسعينيات التي شهدت أزمة انهيار أسعار العقارات والأسهم.

وفي هذه البيئة، كان التحفيز المالي واسع النطاق الطريقة الوحيدة لتحقيق حتى أقل وتيرة نمو اقتصادي.

وارتفع عجز الموازنة العامة البريطاني إلى 10.1% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2009، في حين تضخم العجز الأمريكي إلى 12.17% وحتى في منطقة اليورو زاد إلى 6.3%.

لكن الزيادة الحتمية في الدين العام دفعت العديد من الحكومات إلى التوصل لخلاصة ألا وهي أن هذه المعدلات الكبيرة من العجز يجب تقليصها قريباً.

وأدى التقشف المالي جنباً إلى جنب مع الخفض المتواصل لديون القطاع الخاص إلى بقاء معدلات التضخم دون مستهدف البنوك المركزية فضلاً عن النمو المخيب للآمال في الأجور الحقيقية بالإضافة لعودة السياسة الشعبوية.

وبحلول عام 2016، على ما يبدو أن الحكومات والبنوك المركزية كانت ذخيرتها قد نفذت سواء النقدية أو المالية كما ناقش الاقتصاديون ما إذا كانت أيّ سياسات يمكن أن تتجنب مرحلة ركود اقتصادي طويلة الآجل عندما كانت معدلات الفائدة بالفعل عند مستوى صفر كما أن مستويات الدين العام كانت مرتفعة.

وقام البعض بانتهاك السياسة الممنوعة واقترحوا الحاجة للنظر في تمويل السياسة النقدية في حالات العجز المالي المتزايدة.

وجادل رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأسبق بن برنانكي بأنه طالما أن البنوك المركزية المستقلة تقوم بتحديد حجم مثل هذا التمويل، فمن الممكن تحقيق التحفيز الجيد للاقتصاد دون حدوث تضخم مفرط.

ومع ذلك، بعد عامين فقط من رؤية الغيوم بعام 2016، بدت السماء أكثر وضوحاً بشكل كبير، وبحلول عام 2018، تزايدت توقعات نمو الاقتصاد العالمي والتضخم بشكل ملحوظ كما ركزت البنوك المركزية والأسواق مجدداً على الخروج من السياسات غير التقليدية.

ومن الهام أن نفهم ماهية دوافع هذا التحسن المفاجئ.

والإجابة بسيطة: التوسع المالي الهائل الذي تم تمويله جزئياً أو كلياً في اثنين من الاقتصادات الكبرى عبر أموال البنك المركزي.

وصعد العجز المالي الأمريكي من 3.9% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2015 ليصل إلى 4.7% في عام 2018 ومن المتوقع أن يبلغ 5% في عام 2019.

وشهدت الصين زيادة في العجز المالي من أقل من 1% في عام 2014 إلى أكثر من 4%، بينما ظلت اليابان عند حدود 4% متخلية عن الخطط السابقة بشأن خفض العجز إلى الصفر بحلول عام 2020.

وفي حين كان التوسع المالي بالولايات المتحدة يتم تمويله عبر بيع السندات للقطاع الخاص، قام البنك المركزي في الصين بشراء كميات كبيرة من السندات بطريقة غير مباشرة وذلك عبر المصارف التجارية.

بينما في اليابان؛ فإن صافي الزيادة في الدين العام بأكملها تم تمويلها عبر مشتريات البنك المركزي للسندات الحكومية.

ولقد تعافي الاقتصاد العالمي بسبب رفض أكبر 3 اقتصادات فكرة أن أعباء الدين العام المرتفعة جعلت سياسة التوسع المالي مسألة مستحيلة.

لكن أثر هذا التحفيز قد تلاشى، والنمو الاقتصادي بالولايات المتحدة آخذ في التباطؤ مع تقلص تأثير التخفيضات الضريبية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

كما تكافح الصين لكبح ديون الرافعة المالية المفرطة وإدارة تأثير زيادة تعريفات ترامب على الصادرات.

وفي أكتوبر المقبل، من المقرر أن تقر اليابان زيادة ضريبة المبيعات المخطط لتنفيذها منذ فترة طويلة التي تهدد بإبطاء وتيرة نمو الاستهلاك.

ويتعرض نمو اقتصاد منطقة اليورو كذلك للتباطؤ في ظل انخفاض الطلب الخارجي.

وبالتالي نعود لنفس السؤال كما حدث في عام 2016: ماذا تفعل إذا كان الركود الاقتصادي يلوح في الأفق عندما تكون معدلات الفائدة قريبة بالفعل من الصفر؟

ومن بين الإجابات المقدمة كانت أشكال مختلفة من تمويل السياسة النقدي.

ويجادل مؤيدو النظرية النقدية الحديثة بأن الإنفاق المالي الممول عن طريق طباعة الأموال يجب أن تكون الآلية الطبيعية لإدارة الطلب الاسمي كما أن الصفقة الخضراء الجديدة تقدم التمويل النقدي كأحد الخيارات لتمويل الاستثمار المرغوب اجتماعياً وبيئياً.

وشرح ميلتون بريدمان خلال مقالة نُشرت عام 1984، الرؤية الصحيحة وراء هذه المقترحات وهي أن الحكومات والبنوك المركزية معاً يمكنها دائماً أن تخلق طلباً اسمياً.

لكن من الهام أيضاً أن نفهم أن تمويل السياسة النقدي المفرط ضار بشكل كبير ومن الأمور الخطرة أن ننظر إليه على أنه طريق غير مكلف لحل التحديات طويلة الأجل بدلاً من استخدام أداة إدارة الطلب في الظروف الاستثنائية.

وفي مقابل تباطؤ النمو الاقتصادي والسخط السياسي وأعباء الديون الكبيرة، لا يمكن أن يكون تمويل السياسة النقدي خياراً محرماً.

وفي اليابان؛ فإن التمويل النقدي الدائم يحدث بالفعل على الرغم من إنكار البنك المركزي هذا الأمر.

ويتمثل التحدي في التأكد من أنه يستخدم فقط بانضباط ومعايير محددة مثلما اقترح برنانكي بدلاً من افتراض أن الحياة الطبيعية قبل الأزمة سوف تعود في أيّ وقت قريب.