TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

الأزمات السياسية تعمق جراح اقتصاد منطقة اليورو

الأزمات السياسية تعمق جراح اقتصاد منطقة اليورو

من: سالي إسماعيل

مباشر: "الاستقرار يولد تلقائياً حالة من عدم الاستقرار"، هذه المقولة الشهيرة للاقتصادي هيمان منسكي برزت في الأساس في محاولة لتفسير النظام المالي لكنها قد تنطبق على الوضع الحالي داخل منطقة اليورو.

وبعد أن كانت منطقة اليورو واحدة من المناطق المضيئة اقتصادياً قبل أقل من عامين فقط باتت اليوم مهددة بضغوط كثيفة على كافة الأصعدة سواء على الجانب الاقتصادي أو نظيره السياسي.

وتماشياً مع الآفاق الاقتصادية التي تشير إلى نظرة أقل توسعاً في النشاط الاقتصادي في كافة دول العالم، فإن اقتصاد منطقة العملة الموحدة عرضة كذلك لتباطؤ نمو ناتجها المحلي الإجمالي، لكن ما يعمق الجراح الأوضاع السياسية العصيبة التي تترك بصمتها هي الأخرى.

وبالعودة إلى الوراء، فإن اقتصاد منطقة اليورو نما بنسبة 2.5% خلال عام 2017 لتكون أفضل وتيرة نمو في نحو 10 سنوات لكن الأرقام المعدلة أشارت إلى أن الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو ارتفع 2.3% فقط.

لكن على صعيد إجمالي العام الماضي، فإن التقديرات الأولية تظهر أن اقتصاد منطقة اليورو نما بنسبة 1.8% في عام 2018 مقارنة مع العام السابق له.

وبالنظر إلى المستقبل، فإن المفوضية الأوروبية قلصت تقديراتها بشأن النمو في منطقة اليورو خلال العامين الحالي والمقبل إلى 1.5% و1.7% بدلاً من 1.9% و1.8% تقديرات سابقة على الترييب مستشهدة بحالة عدم اليقين في السياسة النقدية العالمية إلى جانب التوترات التجارية التي تقوض الثقة.

وفي هذا السياق، فإن مراجعة آفاق الزخم الاقتصادي بالخفض لا تقتصر فقط على الوضع داخل منطقة اليورو لكنها امتدت لتشمل الاقتصاد العالمي، حيث أعطى صندوق النقد الدولي وكذلك البنك الدولي نظرة قاتمة بشأن المستقبل مع حقيقة أن التأثيرات السلبية للاحتكاكات التجارية بين أكبر اقتصادين حول العالم كانت السبب الرئيسي لمثل هذه الخطوات.

واتجه الأداء الاقتصادي إلى الضعف بالتزامن مع اتجاه البنوك المركزية العالمية للتخلص من سياسات التيسير الكمي والتوجه نحو التشديد النقدي قبل التحول المفاجئ في تلك النبرة مع بداية العام الحالي.

يذكر أن البنك المركزي الأوروبي أنهى برنامج شراء السندات في العام الماضي كما قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بزيادة معدل الفائدة 4 مرات خلال عام 2018.

وبالتعمق قليلاً داخل اقتصادات المنطقة، تأتي ألمانيا في المقدمة مع احتمالات استمرار الضعف على الأقل خلال النصف الأول من العام الحالي مع إخفاق قطاع السيارات في ظل الصراعات التجارية العالمية.

واستطاع الاقتصاد الألماني بصعوبة تجنب الدخول في مرحلة ركود اقتصادي (انكماش اقتصادي لمدة ربعين متتاليين) في خطوة كان من شأنها أن تكون الأولى من نوعها في نحو 6 سنوات، وذلك على الرغم من فشله في النمو خلال الربع الأخير من العام الماضي مسجلاً "صفر".

يذكر أن المفوضية الأوروبية خفضت تقديرات النمو الاقتصادي في ألمانيا إلى 1.1% مقابل 2.8% المتوقعة سابقاً لكنها قلصت تقديرات نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا بشكل حاد إلى 0.2% مقابل 1.2% تكهنات سابقة.

ودخلت إيطاليا مرحلة ركود اقتصادي رسمياً بعد أن كشفت البيانات انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير من العام الماضي للفصل الثاني على التوالي لكن في عام 2018 بأكمله نما الاقتصاد بنسبة 0.8%.

وتمكن الاقتصاد الفرنسي من تسجيل توسعاً اقتصادياً خلال العام الماضي على الرغم من الاضطرابات السياسية التي ضربت البلاد في هيئة إضرابات السترات الصفراء والتي أسفرت عن قتلى ومصابين وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يؤثر سلباً على نشاط الأعمال لكنه ترك بصمته على الأداء في إجمالي العام، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5% مقابل 2.3% مسجلة في عام 2017.

وفي غضون ذلك، فإن منطقة اليورو تعاني من المشاكل السياسية ما يؤثر على استقرارها بشكل كبير بدايةً من البريكست ومروراً بالاحتجاجات التي ضربت فرنسا إلى جانب التوترات في إسبانيا مع مغادرة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منصبها وانتهاءً بالتحولات التي أثارها الشعبويون في إيطاليا، كل ذلك يأتي بالتزامن مع الخريطة السياسية الكثيفة بالانتخابات.

وبالنسبة لمسألة البريكست، فإن الصورة الضبابية تتصدر المشهد وسط افتقار القدرة على التوصل إلى صفقة تنظم العلاقة بين الجانبين بعد مغادرة المملكة المتحدة لعضوية الاتحاد الأوروبي وتحظى بقبول مجلس العموم البريطاني قبل الموعد المقرر في 29 مارس المقبل خاصةً مع ظهور انقسامات بين أعضاء البرلمان.

والبريكست الصعب أيّ البريكست بدون صفقة من شأنه أن يلقي بآثار سلبية للغاية على الاقتصاد البريطاني، حيث ينظر إلى هذه المرحلة على أنها السيناريو الأسوأ على الإطلاق.

وداخل نطاق الدولة صاحبة الاقتصاد الأكبر في أوروبا، فإن المستجدات السياسية تتجسد داخلها في اعتزام أنجيلا ميركل عدم الترشح مجدداً لرئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي بعد أن ظلت في المنصب لنحو 18 عاماً لكنها ستظل رغماً من ذلك في الاستشارية حتى نهاية ولايتها الحالية في عام 2021.

أما في الدولة التي تحمل لقب ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، فإن احتجاجات السترات الصفراء أدت إلى هزة في النظام السياسي لفرنسا لدرجة أنها طالبت برحيل الرئيس إيمانويل ماكرون كما ساهمت في تقويض ثقة المستثمرين.

وداخل إيطاليا التي شهدت تصعيد الشعبويين للسلطة بالعام الماضي، فإن الصدامات مع الاتحاد الأوروبي لا تتوقف، والتي كان أبرزها الخلاف الدائم حول عجز الموازنة لعام 2019 والذي دام لفترة طويلة قبل أن يتوج بتسوية صعبة للغاية.

والشكوك السياسية طالت كذلك إسبانيا التي عانت قبل أقل من عامين تقريباً من محاولة استقلال لجزيرة كتالونيا، حيث تشهد في الوقت الحالي الدعوة لانتخابات عامة مبكرة في خطوة هي الثالثة من نوعها في غضون 4 سنوات تقريباً.

وبسبب الخلاف حول الموازنة، فإن حكومة بيدرو سانشيز تقدما بطلب لعقد انتخابات مبكرة في 28 أبريل المقبل.

كما أن الذاكرة الحديثة تشير إلى وجود انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل، ما يوحي إلى أن هناك وجبة دسمة للغاية تنتظر الكتلة في العام الحالي.

ومن المتحمل أن تمهد هذه الانتخابات المرتقبة الطريق أمام القوى المناهضة للاتحاد الأوروبي لحصد أغلبية بالبرلمان وبالتالي احتمالات تغيير الطريقة التي تنتهجها الكتلة في الوقت الحالي تتزايد.

وتشير نتائج مسح حديث إلى أنه من المتوقع أن يكون حزب الرابطة اليميني بقيادة ماتيو سالفيني أكبر الفائزين في انتخابات البرلمان الأوروبي في مقابل تكهنات بأن تخسر مجموعات يسار الوسط ويمين الوسط التي هيمنت على البرلمان لعقود من الزمن.