TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

كيف تؤدي عدم المساواة في الدخل لتقويض الأداء الاقتصادي؟

كيف تؤدي عدم المساواة في الدخل لتقويض الأداء الاقتصادي؟

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: منذ ما يقرب من عقد من الزمن، نشرت اللجنة المعنية بالنمو والتنمية تقريراً حاول تلخيص 20 عاماً من البحث والخبرة بمجموعة واسعة من الدول في دروس للاقتصاديات النامية.

وربما كان الدرس الأهم هو أن أشكال النمو الاقتصادي التي تفتقر إلى الشمول ومليئة بعدم المساواة في الدخل تفشل بشكل عام، بحسب رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكيت سينديكيت".

والسبب وراء هذا الفشل ليس اقتصادياً تماماً، فهؤلاء الذين يتأثرون سلباً بسبل التنمية إلى جانب أولئك الذين يفتقرون إلى الفرص الكافية لجني ثمارها، فإنهم يصبحون في حالة إحباط متزايدة.

ويغذي ذلك الاستقطاب الاجتماعي الذي يمكن أن يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي أو اتخاذ القرارات على المدى القصير مع عواقب وخيمة وطويلة الأجل على للأداء الاقتصادي.

ولا يوجد أيّ سبب للاعتقاد بأن الشمولية تؤثر على استدامة أساليب النمو الاقتصادي فقط في الدول النامية رغم أن الديناميات المحددة تعتمد على عدد من العوامل.

وعلى سبيل المثال، فإنه من غير المرجح أن تُشكل زيادة عدم المساواة اضطراباً سياسياً واجتماعياً في بيئة ذات معدل نمو مرتفع (معدل سنوي يتراوح بين 5 إلى 7%) مقارنة مع بيئة منخفضة أو معدومة النمو حيث تكون الأجور والفرص لمجموعة فرعية من السكان إما تشهد حالة ركود أو انخفاض.

وتظهر حالياً الدينامية الأخيرة في فرنسا مع احتجاجات "السترات الصفراء" في الشهر الماضي.

وكان السبب المباشر للاحتجاجات هو فرض ضريبة جديدة على الوقود ولم تكن التكلفة المضافة كبيرة للغاية (حوالي 0.30 دولار لكل جالون) لكن أسعار الوقود في فرنسا بالفعل كانت من بين الأعلى في أوروبا (تقريباً 7 دولارات للجالون بما في ذلك الضرائب الحالية).

ورغم أن مثل هذه الضريبة ربما تحقق الأهداف البيئية عبر الحد من الانبعاثات، لكنه يثير قضايا التنافسية الدولية.

وعلاوة على ذلك، وكما هو مقترح فإن الضريبة (والتي تم إلغاؤها في الوقت الحالي) لم تكن محايدة في الإيرادات ولم تكن تسعى لتمويل نفقات تهدف لمساعدة الأسر المتعثرة في فرنسا وخاصةً في المناطق الريفية والمدن الصغيرة.

وفي الواقع، فإن اندلاع احتجاجات السترات الصفراء لم يكن بدافع ضريبة الوقود بقدر ما كانت حول عدم اكتراث الحكومة بمحنة الطبقة الوسطى خارج أكبر المراكز الحضرية في فرنسا.

ومع تزايد استقطاب الوظائف والدخل في جميع الاقتصادات المتقدمة خلال العقود الأخيرة، فإن الاضطرابات في فرنسا يجب أن تكون بمثابة دعوة لاستيقاظ الآخرين.

وفي معظم الحالات، فإن السمات التوزيعية السلبية لأشكال النمو في الاقتصادات المتقدمة بدأت قبل نحو 40 عاماً عندما أخذت حصة العمال من الدخل القومي في الانخفاض.

وفي وقت لاحق، بدأت قطاعات التصنيع كثيفة العمالة بالاقتصادات المتقدمة تواجه ضغوطاً متزايدة من الصين التي تتميز بالمنافسة القوية، ومؤخراً باتت تلك الضغوط تتشكل في التحول للتشغيل الآلي.

ولبعض الوقت، توقف النمو الاقتصادي والعمل ما تسبب في حجب الوظيفة الأساسية واستقطاب الدخل.

لكن عندما اندلعت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 فإن النمو الاقتصادي انهار وارتفع معدل البطالة كما أن البنوك الكبرى احتاجت خطة إنقاذ من أجل منع حدوث انهيار اقتصادي أوسع نطاقاً.

وأدى ذلك إلى كشف عدم الأمان الاقتصادي بعيد المدى في حين أن الثقة في قادة المؤسسات والمنشآت تم تقويضها.

ومن المؤكد أن فرنسا شأنها في ذلك شأنها عدد من الدول الأوروبية الأخرى، لها نصيبها من العوائق أمام النمو الاقتصادي والتشغيل مثل تلك التي تكمن جذورها في هيكل وتنظيم أسواق العمل.

لكن أيّ جهد لمعالجة هذه القضايا يجب أن يكون مصحوباً بتدابير من شأنها تخفيف وفي النهاية عكس اتجاه استقطاب الوظائف والدخل الذي أدى إلى استياء شعبي وعدم استقرار سياسي.

ومع ذلك، فشلت أوروبا حتى الآن فشلاً ذريعاً فيما يتعلق بهذا الأمر سالف الذكر، كما دفعت الثمن باهظاً.

وفي العديد من الدول، اكتسبت القوى السياسية القومية والمناهضة للمؤسسات شعبية واضحة، وفي المملكة المتحدة ساهم الإحباط من الوضع الراهن على نطاق واسع في تغذية التصويت خلال عام 2016 لمغادرة عضوية الاتحاد الأوروبي والشعور المماثل حالياً يقوض الحكومتين الفرنسسية والألمانية.

وفي إيطاليا، تسبب هذا الشعور النابع من الإحباط في فوز حكومة ائتلافية شعبوية.

وفي هذه المرحلة، من الصعب اكتشاف حلول قابلة للتطبيق من أجل تعميق التكامل الأوروبي ناهيك عن القيادة السياسية المطلوبة لتنفيذها.

والوضع في الولايات المتحدة ليس أفضل كثيراً، فكما هو الحال في أوروبا فإن الفجوة بين أصحاب الطبقة المتوسطة ومن هم في قمة توزيع الدخل والثروة تنمو على نحو متزايد.

وساهم ذلك في رفض الناخبين للسياسيين التابعين للدولة، الأمر الذي مكن من انتصار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عام 2016، والذي تسبب في إحباط الناخب منذ توليه المنصب نتيجة وضع سياسات قد لا تؤدي إلا لتفاقم عدم المساواة.

وعلى المدى الطويل، يمكن أن تؤدي أشكال التوزيع غير العادل للنمو الاقتصادي  إلى شلل السياسات أو الانتقال من أجندة سياسات متطرفة نسبياً إلى أخرى.

وعلى سبيل المثال، فإن أمريكا اللاتينية لديها تجربة جديرة بالاعتبار بشأن الحكومات الشعبوية والتي تتبع جداول أعمال غير مستدامة مالياً وتفضل مكونات توزيع الدخل على الاستثمارات التي تعزز النمو.

كما أن لديها خبرة جديرة بالاهتمام بشأن التحولات المفاجئة اللاحقة إلى نماذج يقودها السوق الحر والتي تتجاهل الأدوار التكميلية التي يجب أن تلعبها الحكومة والقطاع الخاص للحفاظ على نمو قوي.

وتسبب استقطاب سياسي أكبر في إتباع نهج تصادمي متزايد في العلاقات الدولية، بالإضافة بالنمو الاقتصادي العالمي عبر تقويض قدرة العالم على تعديل القواعد التي تنظم التجارة والاستثمار والمعلومات.

كما أنه سيعيق قدرة العالم على معالجة تحديات على المدى الطويل مثل تغير المناخ وإصلاح سوق العمل.

ولكن بالعودة للبداية، فإن الدروس الأساسية من التجربة في الاقتصادات النامية والمتقدمة الآن هي أن الاستدامة بمعنى أوسع وأشمل مرتبطة بشكل وثيق.

وبالإضافة لذلك، فإن الإخفاقات واسعة النطاق تعطل الإصلاحات والاستثمارات التي تدعم النمو الاقتصادي على المدى الطويل.

ويجب متابعة التقدم الاقتصادي والاجتماعي بشكل فعال وليس بقائمة بسيطة من السياسات والإصلاحات لكن مع وجود استراتيجية وجدول أعمال يتضمن التسلسل الدقيق ووتيرة الإصلاحات.

في حين أن الجزء الأصعب من بناء استراتيجيات النمو الشاملة يتمثل في عدم معرفة أين تريد أن ينتهي بك الأمر بقدر معرفة كيفية تحقيق الهدف.

ويُعد هذا أمر صعب، وهو ما يفسر سر أن مهارة القيادة وصناع السياسة ذات دور حاسم.