تحرير نهى النحاس
مباشر: النزاع بين الرئيس الأمريكي ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي وصل إلى مراحل خطيرة للغاية مع نهاية العام الماضي، حيث أعلنها دونالد ترامب صراحة بأنه قد يقيل جيروم باول من منصبه.
ولكن في الأيام القليلة الماضية خرج باول وأكد على أنه لن يستقيل من منصبه حتى ولو حاول دونالد ترامب تنفيذ ذلك.
ويقول مقال نشرته "بلومبرج فيو" إنه بالرغم من أن الحكمة التقليدية تقول إن الرئيس الأمريكي لا يمكنه إقالة باول من منصبه، لكن ذلك الأمر لم يتم اختباره بعد على أرض الواقع ومن الممكن أن تثبت تلك الحكمة فشلها ولا تتمكن من الصمود.
وكباقي الأعراف الأخرى التي تعدى ترامب عليها، فإقالة رئيس الفيدرالي تبدو وأنها هشة أكثر مما تبدو عليه في بادئ الأمر، وتاريخ الوكالات المستقلة مثل بنك الاحتياطي الفيدرالي تشير إلى أن استقلاليتهم تعتمد على العادات والتقاليد بدلاً من القوانين الراسخة.
والدستور الأمريكي واضح بشأن قدرة رئيس الجمهورية على تعيين المسؤولين ولكنه يسكت بشكل ملحوظ عن السؤال المتعلق ما إذا كان يستطيع أن يُقيل هؤلاء المسؤولين من مناصبهم أم لا، وتسبب ذلك التقصير في نقاش طويل حينما عقد الكونجرس أولى جلساته عام 1789.
وكان الحافز وراء ذلك الجدال هو التشريع المتعلق بإنشاء وزارة الشؤون الخارجية، وناقش الكونجرس مسألة من يمكنه إقالة رئيس الدبلوماسية الأمريكية، وفي النهاية مرر الكونجرس القانون الذي يمنح الرئيس وحده السلطة المطلقة لإقالة مسئول الخارجية.
وعلى مدار السنوات اللاحقة أعاد الكونجرس نقاش المسألة وحاول - وغالباً ما كان يفشل - أن ينتزع تلك السلطة من الرئيس، وفي عام 1863 نوُقش مشروع قانون يتطلب مشورة من الكونجرس في حالة أن أراد الرئيس التخلص من المراقب المالي على العملات.
وكُللت تلك المحاولات في عام 1867، حينما نص القانون على ضرورة موافقة أعضاء مجلس الشيوخ على أي إقالة لمسئول، وحينما قام الرئيس الأمريكي الأسبق أندرو جونسون بإقالة وزير الحرب قام الكونجرس بالاستشهاد بأجزاء من هذا القانون لتأكيد هذه المخالفة.
ولا حاجة للقول إن ميزان القوى تحول مرة أخرى لصالح الرئيس مع تعاقب السنوات وفي العديد من الدعاوى القضائية أيد القضاة سلطة القائد العام بإقالة المرؤوسين في السلطة التنفيذية.
ولكن ذلك كله كان قبل ابتكار الوكالات الفيدرالية المستقلة ومن ضمنها بنك الاحتياطي الفيدرالي، وكانت لجنة التجارة بين الولايات التي تأسست بواسطة الكونجرس عام 1887 أول أنواع الهيئات التنفيذية شبه المستقلة.
ولكن بخلاف القطاعات الأخرى التي تحت السيطرة المباشرة من جانب الرئيس فإن اللجنة كانت تحت السيطرة ولكن فيما عدا الجزء التنفيذي.
وفي حين أن الرئيس الأمريكي يمكنه تعيين الأعضاء فيمكنه فقط إقالتهم بسبب انعدام كفاءتهم أو إهمالهم لواجبتهم أو تجاوزهم.
وتلك اللغة تعني أن الرئيس لايمكنه إقالة هؤلاء الأفراد بدون سبب محدد، وذلك يمنحهم قدراً من الاستقلالية والأمن الوظيفي لا يمتلكه المسؤولون التنفيذيون، ويمكن لأوجه الاختلاف في تلك التدابير أن تغطي الوكالات المستقلة الأخرى التي أسسها الكونجرس في السنوات التي أعقبت ذلك.
ولكن اللهجة التي تحمي المعينين لم تكن هي نفسها بالنسبة لكل الوكالات، وعلى الرغم من أن بعض النصوص صريحة حول الشروط التي قد تبرر إقالتهم، ففي المقابل فإن البعض الآخر كان غامضاً إلى حد ما، ويقع الاحتياطي الفيدرالي في هذه الفئة الأخيرة.
وتقول التشريعات ذات الصلة إنه ببساطة يمكن إقالة أعضاء مجلس الفيدرالي لسبب ما، وفي حين أن ذلك السبب يمكن قراءته على اعتبار أن اختصاراً لحالات"الإهمال أو عدم الفاعلية"، فإنه ليس من الواضح بشكل تام كيف يمكن للقضاء أن يحدد ذلك، والأسوأ أن هذه اللغة تقتصر على أعضاء المجلس ولكنها لا تشمل رئيس البنك.
وأشار بيتر كونتي براون الباحث الأول عن استقلال بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلى التقليد المتعلق بالحكم الذاتي الذي يتمتع به البنك المركزي مقارنة بالوكالات المستقلة الأخرى، فالرؤساء الأمريكيين لطالما تعاملوا مع الاحتياطي الفيدرالي بطريقة مختلفة.
وعلى سبيل المثال، حينما تولي الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي مهام منصبه طالب باستقالة كافة رؤساء الهيئات المستقلة عدا رئيس الفيدرالي.
وفي الواقع فكر خليفته ليندون جونسون في إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي ويليام مارتن، ووفقاً لكاتب سيرة مارتن فإنه ذكر أن المدعي العام وقتها أخبر جونسون أن إقالة ذلك المسئول يجب أن تكون لسبب وجيه بخلاف عدم الاتفاق بينهما، ما اضطر الرئيس الأمريكي إلى التخلي عن الفكرة والامتثال للتقاليد.
ولكن ترامب ليس جونسون، كما أن الأول لم يبدي أي امتثال للعادات والتقاليد، وكأن ترامب اتخذ وعداً على نفسه خلال حياته السياسية القصيرة بتدمير العادات الأكثر جدلاً.
وفي حال أن اتجه ترامب نحو اتخاذ قرار بإقالة باول أو أي مسئول من الوكالات المستقلة فإن ذلك الصراع سينتهي به المطاف داخل أروقة المحاكم، ولسوء الحظ فإنه هناك القليل للغاية من الحالات القانونية بشأن التساؤل المتعلق بما يرقى بالضبط لأن يكون سبباً للإقالة في مثل تلك الحالات.
أما عن أكثر القضايا التي توضح تلك المسألة، فإنه النزاع بين الرئيس فرانكلن روزفلت والمعين من جانب سلفه هربرت هوفر في وزارة التجارة، وقام الرئيس الأمريكي بإقالته لاختلافهما ولكن المفوض ويليامن هامبراري استمر في الحضور إلى عمله بشكل طبيعي، لكنه توفى قبل انتهاء القضية، لكن منفذي وصيته أحالوا القضية إلى المحكمة العليا.
ووجد القضاة أن روزفلت تصرف بدافع الحقد السياسي، وأن الخلاف لم يرتقي إلى مستوى عدم الكفاءة أو إهمال الواجب أو سوء التصرف في المنصب، كما هو منصوص عليه في النظام الأساسي الذي يحكم لجنة التجارة الفيدرالية.
كما رسمت المحكمة تمييزاً حاداً بين الرؤساء التنفيذيين تحت قيادة الرئيس والمسئولون في الوكالات المستقلة.
وينصح مقال "بلومبرج" بضرورة الاطلاع على مقال نُشر في 2008 تولى تلك المسألة الحساسة، والتي فيها عبر فيها الكاتب عن عمق تشككه إزاء فكرة أن رؤساء الهيئات المستقلة يجب أن يكونوا في مأمن من الإقالة.
ويتساءل المقال لماذا لا يوجد أحد يمتلك سلطة إقالة شخص في مثل ذلك المنصب وأنه في حالة تملك أحد مثل تلك السلطة فيجب أن يكون رئيس الجمهورية، ومع ذلك أقر كاتب المقال بأنه قد يكون هناك استثناءات للقاعدة، وفي مقدمتها بنك الاحتياطي الفيدرالي.
أما عن مؤلف ذلك المقال الذي نُشر منذ 10 سنوات فهو بريت كانفنش مرشح ترامب للمحكمة العليا.