TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

فنزويلا.. الاشتراكية تدمر الدول أحياناً

فنزويلا.. الاشتراكية تدمر الدول أحياناً

تحرير: سالي إسماعيل

مباشر: من الصعب المبالغة في تقدير حجم الكارثة التي خلفها هوجو تشافيز وخليفته نيكولاس مادرور للاقتصاد الفنزويلي.

ويتجول الأطفال الجياع في الشوارع والمواطنين آخذون في الهرب من البلاد كما أن الرعاية الصحية تكاد معدومة ويصبح العنف متوطناً حتى أن المياه باتت أمراً نادراً.

وقامت ثورة تشافيز والمعروفة بالثورة البوليفارية بتحويل دولة خالية من الاضطراب ومتوسطة الدخل إلى كابوس.

ومن المهم بالنسبة للدول الأخرى بما في ذلك الدول الغنية مثل الولايات المتحدة، عدم تجاهل فنزويلا ولكن التعامل معها على أنها قصة ذات مغزى.

وتبنى السياسيون مثل السيناتور بيرني ساندرز والسياسية ألكساندرا أوكاسيو كورتيز النهج الاشتراكي كما فعل الكثير من الشباب الأمريكي.

لكن ما هي الدروس المستفادة من تجربة فنزويلا؟، ولماذا تحولت الدولة لحالة سيئة كهذه؟، الإجابة يقدمها تحليل نشرته وكالة "بلومبرج فيو" الأمريكية.

وكثيراً ما يقدم مؤيدي الثورة البوليفارية مبررات لنظام تشافيز ومادورو تحت مزاعم أن فقر الدولة ناجم عن قوى خارجية.

وعلى سبيل المثال، يجادل البعض بأن هبوط أسعار النفط في أواخر عامي 2014 و2015 هو الذي أغرق البلاد.

وتُعتبر فنزويلا بمثابة دولة بترولية، حيث أن المنتجات البترولية شكلت حوالي 95% من صادرات البلاد في عام 2015، لذا فإن انخفاض الأسعار النفطية بطبيعة الحال كان بمثابة ضربة.

لكن على الرغم من أن انخفاض أسعار النفط بدون شك جعل الأوضاع أكثر صعوبة بالنسبة لفنزويلا، لكن لا يمكن أن تكون السبب الرئيسي في الانهيار الذي تعرضت له البلاد.

وتوقفت فنزويلا عن الإفصاح عن العديد من الأرقام الاقتصادية في عام 2014.

لكن دول بترولية أخرى مثل السعودية وروسيا ونيجيريا وأنجولا والكويت شهدوا حالة من الركود أو حتى هبوط للعائدات بعد عام 2014 لكنهم لم يعانوا أيّ شيء مثل الدمار الذي ضرب فنزويلا.

 

الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد في الدول المنتجة للنفط

ولم تتعرض فنزويلا لهجوم من جانب القوى الرأسمالية، ففي ظل حكم الرئيس باراك أوباما، قامت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على عدد قليل من المسؤولين في الدولة خلال عام 2015 كما رفض الرئيس جورج دبليو بوش بيع الأسلحة لفنزويلا ولكن هذه لم تكن عقوبات واسعة النطاق تمتلك القدرة على التأثير بشكل جاد على اقتصاد البلاد.

ولم تدمر الجيوش أو الانتحاريين المدن الفنزويلية، لكن إفقار البلاد كان بالكامل من صنع مسؤوليها بأنفسهم.

ويمكن أيضاً أن يكون منتقدي فنزويلا سيئون للغاية، فمن السهل إعلان أن الاشتراكية دائماً تفشل، لكن بوليفيا وهي دولة أخرى في أمريكا اللاتينية ويعتمد اقتصاداها على الموارد الطبيعية، قامت بانتخاب رئيس اشتراكي "إيفو موراليس" في عام 2006.

وتشهد بوليفيا تقدماً جيداً، حيث نمت المستويات المعيشية في البلاد والتي ظلت راكدة لنحو 30 عاماً، بشكل سريع ومستمر منذ تولي "موراليس" زمام السلطة.

الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي  للفرد في بوليفيا

 

وفي الوقت نفسه، نجحت بوليفيا في الحد من عدم المساواة في الدخل بشكل كبير.

تضييق الفجوات في الدخول

 

وبالرغم من الإشارات السلبية بأن موراليس بات أكثر استبداية، إلا أن بوليفيا لم تعاني حتى الآن من أيّ شيء مثل الدمار الذي أصاب فنزويلا.

وإذا لم تكن أسعار النفط أو الضغوط الخارجية أو الاتجاهات الحتمية للاشتراكية، فما الذي أغرق فنزويلا؟، من الصعب تحديد أخطاء السياسة التي ارتكبها تشافيز ومادورو بشكل دقيق ولكن يوجد 3 إخفاقات تلوح في الأفق؛ وهي، سوء إدارة الاقتصاد الكلي، وتأميم الصناعة، والتدخل في شركة النفط المملوكة للدولة.

وكانت أسوأ كارثة بالنسبة لاقتصاد فنزويلا هي التضخم الجامح.

دوامة التضخم الجامح

يرى صندوق النقد الدولي أن التضخ في فنزويلا سيتسارع إلى 13 ألف بالمئة بنهاية 2018.

وجعل هذا المستوى من الزيادات في الأسعار من المستحيل إدخار المال، فعلى الرغم من أن معدلات الدخل تميل للارتفاع مع الأسعار، إلا أن عدم القدرة على التنبؤ عندما ترتفع الأسعار بمقدار 20 أو 40 مثلاً في العام يجعل من الصعب للغاية التخطيط للاستهلاك.

وربما تعتقد أن وجبة الغد لن تكلفك سوى 10 ملايين بوليفار ولكن بدلاً من ذلك قد تكلفك 20 مليون بوليفار، ما يعني أنك قد تشعر بالجوع إذا لم تقم بالشراء في الحال.

ومن الصعب أيضاً على الشركات، حتى تلك المملوكة للدولة، التخطيط لاستثماراتها عندما تكون تكلفة تلك الاستثمارات غير مؤكدة بدرجة كبيرة.

وفي الوقت نفسه، فإن التضخم الجامح دفع الحكومة لفرض ضوابط على الأسعار، والتي تسببت في نقص الاحتياجات الأساسية وجعلت المواطنون يلجأون للسوق السوداء الفاسدة والأقل كفاءة.

وليس من الواضح كيف بدأ التضخم الجامح لكن يمكن أن يساعد انخفاض قيمة العملة والعجز المالي وضوابط الأسعار في ذلك، وبمجرد أن تبدأ الأزمة يكون من الصعب وقفها.

وكان يفترض أن ترى فنزويلا أن هذا الخطر قادماً، حيث أن معدل التضخم يتزايد باستمرار عاماً بعد الآخر غير أن قادتها جعلوا المشكلة أكثر سوءاً.

وفي الوقت نفسه، نجحت بوليفيا في إبقاء التضخم منخفضاً للغاية.

ويعتبر تأميم الصناعة على نطاق واسع ومصادرة الملكية الخاصة بمثابة خطأ كبير آخر.

وكان تشافيز يميل إلى تأميم كل من الشركات الأجنبية والمحلية بكافة أنواعها، وهذه طريقة مؤكدة لتدمير القطاع الخاص، وإذا كان أصحاب الشركات المحلية والمستثمرون الأجانب لا يعتقدون بأن ممتلكاتهم آمنة فلن يقوموا بالاستثمار وسيتأثر الإنتاج سلباً.

ويمكن أن يتسبب ذلك في حدوث دوامة، حيث تضطر الحكومة إلى تأميم المزيد من الاقتصاد مع انسحاب القطاع الخاص.

وعلى النقيض من ذلك، كان موراليس أكثر حذراً بشأن عمليات التأميم في بوليفيا والتي قصر فيها غالبية ملكية الحكومة على صناعة النفط والغاز والشبكة الكهربائية، وهي صناعات مركزية ومستقرة، كما هو شائع في جميع أنحاء العالم.

وأخيراً، تدخل قادة فنزويلا في العملية السلسلة لصناعة تديرها الحكومة بالفعل وهي شركة النفط المملوكة للدولة "بتروليوس دي فنزويلا إس.إيه، أو كما هي معروفة بـ"بي.دي.في.إس.إيه".

وكانت تعمل الشركة بشكل مستقر نسبياً، لكن تشافيز تدخل في شؤونها وقام بطرد موظفين وقام باستبدالهم بآخرين محترفون بالحزب الشيوعي أو كما يطلق عليهم "أباراتشيك"، ما أدى لمنع الشركة من الاستثمار من أجل حصوله على الأموال لأغراضه الخاصة وإبعاد أو مصادرة حيازة الشركاء الأجانب الذين ساعدوا الشركة للاستمرار في الإنتاج.

والنتيجة التي لم تكن مفاجئة هي أن الاستثمار النفطي الفنزويلي قد انهار كما أن البنية التحتية النفطية آخذة في الانهيار وكذلك الإنتاج، كل ذلك في الدولة صاحبة أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم.

ويجب على الاشتراكيين في الولايات المتحدة أن يدركوا أنه إذا كانت هناك طريقة صحيحة لتنفيذ الاشتراكية، فهذه ليست هي.

وبدلاً من السياسات الحذرة مثل تلك التي اتبعتها بوليفيا، اختار قادة فنزويلا تجاهل خطر التضخم الجامح وتأميم الشركات الخاصة بالاقتصاد والتدخل في العمل الناجح لشركة "بي.دي.في.إس.إيه".

وكانت النتيجة القابلة للتوقع، هي واحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية الذاتية التي شهدها هذا القرن حتى الآن.