تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: من المرجح أن "روبرتو أزيفيدو" المدير العام لمنظمة التجارة العالمية شعر بالارتياح عندما أعطى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نغمة هادئة بشأن بكين بعد التحدث إلى نظيره الصيني "شي جين بينج" عبر الهاتف في وقت سابق من هذا الشهر.
وبعد أشهر من المحادثات الصعبة وعدم وجود دليل على التوصل لحل بشأن النزاع التجاري، فاجئ ترامب "شي" والأسواق بقوله إن المحادثات التجارية تتحرك بشكل جيد.
ويُعد تخفيف وطأة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين هو ما يحتاج إليه "أزيفيدو" بشدة في قمة مجموعة الدول الـ20 في نهاية هذا الأسبوع، حيث يواجه بالفعل المهمة الصعبة المتمثلة في التوفيق بين الكثير من المقترحات بشأن إصلاح منظمة التجارة العالمية، بحسب تحليل نشره بنك الاستثمار "أي.إن.جي".
ومن شأن تصعيد آخر للحرب التجارية بين أكبر دولتين تجاريتين أن يؤدي إلى تعريض سلطة منظمة التجارة العالمية للخطر.
وكان ترامب انتقد منظمة التجارة العالمية خلال حملته في مسعى للتفاوض على شروط تجارية أفضل مع الدول التي تدير فائضاً مع الولايات المتحدة.
ولا يرغب الرئيس الأمريكي أن تعوقه هيئة تدعم الاتفاقيات متعددة الأطراف بدلاً من الصفقات الثنائية.
وتتخذ منظمة التجارة العالمية أيضاً إجراءات ضد التدابير الحمائية مثل زيادة الرسوم الجمركية خارج قواعد منظمة التجارة العالمية.
وفي بعض الأحيان هدد ترامب بانسحاب بلاده من منظمة التجارة العالمية إذا لم تقم بتنفيذ إصلاحات، حيث يريد أن تقوم المنظمة بتغيير قواعدها بطريقة تجعل من السهل على الدول الأعضاء اتخاذ تدابير ضد الممارسات التجارية غير العادلة من أعضاء آخرين.
خارج العمل
وفي حالة استمرار الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن ترامب سيواصل إضافة المزيد من القيود التجارية على الواردات القادمة من الصين، وهو ما يزيد من فرص حدوث مواجهة بين منظمة التجارة والولايات المتحدة.
وكلما زادت الإجراءات التقييدية التي تتخذها الولايات المتحدة كلما كان من المرجح أن يشكو المزيد من أعضاء منظمة التجارة العالمية الآخرين.
وبالنظر إلى الدوافع المشكوك فيها لهذه التدابير، مثل حجة "الأمن القومي" في حالة التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم، فإن الشكاوي ضد الولايات المتحدة من المحتمل أن تتصاعد كما أن احتمال قرار منظمة التجارة العالمية ضد واشنطن سيرتفع كذلك.
وربما يعني هذا أن تقرر الإدارة الأمريكية السير بمفردها، الأمر الذي قد يؤدي لاحتمال إرسال مشروع قانون إلى الكونجرس للانسحاب من منظمة التجارة أو ببساطة جعل منظمة التجارة العالمية غير فعالة في عام 2020 عبر الاستمرار في منع تعيين قضاة جدد في هيئة تسوية النزاعات.
ومن الصعب تصور كيفية قيام منظمة التجارة العالمية بوظيفتها بشكل صحيح بدون مشاركة ثاني أكبر دولة في مجال التجارة حول العالم.
كما أنه إذا قررت الولايات المتحدة مخالفة القواعد قد يصبح الأمر مغرياً للآخرين للقيام بنفس الفعل، ويمكن أن تصبح منظمة التجارة العالمية بدون دور حقيقي فعال.
ويجب ألا ننسى أنه حتى في الإطار الحالي، قام أعضاء منظمة التجارة العالمية في بعض الأحيان بتنفيذ إجراءات تقييدية تجارية كبيرة مع وجود نزاعات تجارية منتظمة نتيجة لذلك، وهو ما يدل على أن الحافز لحماية الصناعات المحلية ليس بعيداً في التجارة الدولية.
وفي حالة كان تعرض دور منظمة التجارة بصفتها حكماً تجارياً عالمياً للتفريغ من مضمونه بانسحاب الولايات المتحدة أو بسبب عدم وجود قضاة كافيين لاتخاذ القرارات فإن كمية التدابير المقيدة للتجارة - الآخذة في الارتفاع بالفعل - يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.
لذا فإن منع المزيد من التصعيد للنزاع الأمريكي الصيني وبالتالي تقليل فرصة المواجهة بين منظمة التجارة العالمية والولايات المتحدة، أمر ذات أهمية في الحفاظ على سلطة منظمة التجارة العالمية.
ومن شأن تصعيد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أن يؤدي إلى إثارة تطورات ديناميكية تجعل منظمة التجارة خارج نطاق العمل فعلياً.
مفاجأة إيجابية؟
ورغم أن حدوث مفاجأة إيجابية مثل الاتفاق الذي وقعه ترامب مع رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر" في يوليو الماضي يعتبر أمراً لا يمكن استبعاده، إلا أن مدير منظمة التجارة "روبرتو أزيفيدو" لا يجب أن يراهن عليه.
ويدرك ترامب حقيقة أنه مع الصين يواجه خصماً أقوى بكثير من المعارك التجارية الثنائية الأخيرة، حيث يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل أقل على الطلب الأمريكي على منتجاتها مقارنة مع دول النافتا على سبيل المثال.
وإذا أخذنا في الاعتبار حقيقة أن الصين مهمة للغاية بالنسبة لسلاسل توريد الشركات متعددة الجنسيات الأمريكية، فإنه يصبح من الواضح أن الحرب التجارية تضر كلا البلدين.
لكن الفجوة بين ما تطلبه الولايات المتحدة من الصين وبين ما يستعد الصينيون لمنحه تبدو أكبر من أن يتم الاتفاق على صفقة في أي وقت قريب.
ويريد ترامب من الصين تعديل خططها الهيكلية لتطوير اقتصادها كما يطالب الصين بتخفيض فائضها التجاري الثنائي مع الولايات المتحدة إلى النصف بحلول عام 2020، ويعني ذلك تراجعاً قدره 190 مليار دولار في غضون عامين، بينما في الربيع الماضي عرضت الصين أن تستورد سلعاً أمريكية إضافية بقيمة 70 مليار دولار فقط.
وحتى اللقاء في منتصف الطريق يعني خفض بنحو 130 مليار دولار لفائض الصين التجاري مع واشنطن، وهو ما يبدو بعيداً عن الوضع الحالي لكلا الجانبين.
وعلاوة على ذلك، فإن مسألة اضطرار الصين للتخلي عن جزء من خططها للتنمية الاقتصادية عبارة عن تدخل في السياسة الصينية المحلية وبالتالي لا تتوافق مع السلطات الصينية.
لعبة محفوفة بالمخاطر
ويمارس ترامب لعبة محفوفة بالمخاطر، فإذا لم تنجح استراتيجيته المتعلقة بإجبار شركاء التجاريين على الرضوخ عبر رفع التعريفات مع الصين فستستمر زيادة التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية لفترة طويلة من الزمن.
ومن شأن فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين أن يقلص نحو 1% من نمو التجارة العالمية في عام 2019.
ويتوقع التحليل أن يساهم مثل هذا الوضع في جعل 2019 أسوأ عام للتجارة منذ انهيارها في عام 2009 لتسجل نموا هامشيا بنحو 1.3%.
ومن المحتمل أن يعاني كل من الاقتصادين الصيني والأمريكي من خسائر في الناتج المحلي الإجمالي بسبب التأثير السلبي على الطلب المحلي من ارتفاع الأسعار إضافة إلى انخفاض الطلب الأجنبي على الصادرات.
ونظراً لأن الصين تصدر 4 أضعاف ما تقدمه الولايات المتحدة لبكين، فإن اقتصاد الصين سوف يتضرر أكثر ولكن واشنطن لن تكون خالية من الخسائر.
ويمكن أن تصبح الشركات الأمريكية أقل قدرة تنافسية بسبب ارتفاع الأسعار التي يجب عليهم دفعها مقابل السلع الصينية المستخدمة في عملية الإنتاج.
وقف إطلاق النار؟
ومن شأن حدوث هدنة مؤقتة، مثل ما حدث بين ترامب ويونكر في يوليو حول النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يكون بمثابة مخرجاً من الأزمة.
دائماً ما تكون المفاجآت أمر ممكن لكنها غير مرجحة بشكل كبير في هذه الحالة، حيث يبدو أن الخطاب القاسي تجاه الصين ليس مجرد استراتيجية تفاوضية، ففريق ترامب التجاري مليء بأشخاص يرون الصين أكبر خطر على مستقبل الولايات المتحدة مثل المستشار التجاري الأمريكي "بيتر نافارو" والممثل التجاري الأمريكي "روبرت لايتايزر".
وبما أن نافارو ولايتايزر طالبا باتخاذ إجراءات صارمة ضد الصين لفترة طويلة، فمن غير المرجح أن يشجعان ترامب على اتخاذ خطوة كبيرة للتوصل إلى حل وسط ممكن.
واليوم الجمعة وخلال عطلة نهاية الأسبوع الحالي، سيراقب العالم بأكمله اجتماع مجموعة دول الـ20 في العاصمة الأرجنتينية "بوينس آيرس" لكن "أزيفيدو" سيكون أحد الأشخاص الأكثر حرصاً على معرفة نتيجة الاجتماع بين ترامب وشي كون مستقبل منظمة التجارة العالمية على المحك.