TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

هل الصين على وشك إصدار عملتها الإلكترونية؟

هل الصين على وشك إصدار عملتها الإلكترونية؟

تحرير - سالي إسماعيل:

مباشر: تحول العالم إلى النقود الورقية بدلاً من الذهب والفضة للمرة الأولى منذ أكثر من 1000 عام مضت خلال عهد أسهرة "سونج" الصينية.

ويمكن أن تحدث الثورة التالية للانتقال من النقود الورقية إلى العملة الرقمية في الصين كذلك، مع تحقيق البلاد لأهدافها الأساسية لكن مع تداعيات معقدة على التجارة العالمية والنظام الاقتصادي، وفقاً لرؤية تحليلية نشرها منتدى الاقتصاد العالمي.

ويبدو أن هذا التحول يقوده أولويات الصين المحلية والجيوسياسية، ويدعمه التكنولوجيا ويدفعه للتسارع فوضى الحرب التجارية التي شنتها الإدارة الأمريكية الحالية.

وفي منتصف سبتمبر الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعريفات على واردات صينية بقيمة 250 مليار دولار في حين هدد بفرض المزيد من الرسوم على قائمة أخرى من السلع التي تستوردها واشنطن من بكين بفاتورة قدرها 267 مليار دولار.

وفي عام 2017، قامت الصين بتصدير سلع وخدمات إلى الولايات المتحدة بقيمة 505.5 مليار دولار في مقابل فاتورة بـ130 مليار دولار تم إرسالها من واشنطن إلى بكين.

وتعهدت الصين بالانتقام عبر تعريفات مضادة، لكن بصفتها المستورد الأصغر فإن بكين في حاجة لتجاوز أدواتها التجارية.

وتعتبر إحدى الخطوات الإستراتيجية التي يمكن أن تقوم بها الصين هي إطلاق حصانها الأسود: "الرنمينبي الرقمي" أو ما يعرف بـ"أر.إم.بي".

وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، قام شخص مجهول الهوية أو مجموعة من الناس أطلق عليهم "ساتوشي ناكاموتو" بإصدار عملة "البيتكوين".

وكان هدف "ساتوشي ناكاموتو" عالم غير مركزي أكثر ومتحرر من تدخل المؤسسات المركزية مثل البنوك المركزية.

وتعكس الطريقة التي يتم بها تكييف الأداة بشكل عام المبدأ وليس الأداة، ومع ذلك قد يضطر أتباع "ساتوشي" إلى استيعاب أن واحداً من أقوى المؤسسات المركزية في العالم هو بنك الشعب الصيني قد يتبنى تكنولوجيا البيتكوين الأساسية "البلوكشين" لرقمنة "الرنمينبي".

وهذا الأمر ليس نظرياً فقط، ففي الأشهر الأخيرة أعلن المركزي الصيني مراراً أنه يقوم ببحث وتطوير عملته الرقمية الخاصة به.

وفي 5 أكتوبر الجاري، نشرت مجلة "تشينا فايننس"، وهي مجلة رسمية تابعة لبنك الشعب الصيني، مقالاً يتضمن تحليل بشأن ضرورة إصدار عملة إلكترونية رسمية.

وتُعد الصين في وضع يمكنها من التحول بسرعة إلى العملة الرقمية كما أن الحكومة الصينية ترى مزايا كبيرة سواء فيما يتعلق بالوضع المحلي أو الجيوسياسي في تدشين عملة.

وتعتبر الصين بالفعل هي أكثر اقتصاد غير معتمد على النقود بين الاقتصادات الكبرى، وذلك بسبب احتكار تطبيقا الدفع عبر الهاتف "ويشات" التابع لشركة "تينست" و"علي باي" التابع لشركة "علي بابا".

وفي عام 2017، بلغ حجم المدفوعات عبر الإنترنت في الولايات المتحدة 337 مليار دولار لكنه في الصين بلغ 15.7 تريليون دولار بزيادة 3.2 تريليون دولار عن حجم مدفوعات شركتي "فيزا" و"ماستر كارت" معاً حول العالم.

لكن شركتي "علي بابا" و"تينست" لا يخضعان لملكية الدولة ومن غير المرجح بشدة أن تسمح الحكومة الصينية أن يكون مثل هذا التحول الهام خاضع لسيطرة الشركات الخاصة.

وباعتبارها عملة الاحتياط العالمية، فإن واحداً من بين عدة أسباب التي تجعل الاقتصاد الأمريكي لا يزال تنافسياً هو دور الدولار المهيمن في التجارة العالمية.

وهناك نحو 10 تريليونات دولار تتداول خارج الولايات المتحدة، ورغم الدين القومي الهائل للولايات المتحدة فإن الدولار لايزال محتفظاً بقوته حتى الآن.

لكن التنبؤ بالوقت الذي سوف يخسر فيه الدولار الأمريكي هيمنته العالمية قد بات التكهن المفضل لدى الاقتصاديين.

وتشهد منطقة اليور تحدياتها الداخلية الخاصة بها، كما أن الين الياباني يفتقر إلى الطموح العالمي، والسؤال الحقيقي الآن هو كيف سيقوم بنك الشعب الصيني بتشكيل وتنفيذ استراتيجية تدويل عملته.

من المفترض أن يتجاوز الناتج المحلي الاسمي الصيني نظيره الأمريكي في غضون بضع سنوات لكن الصين تكافح من أجل تحقيق التوافق بين طموحها في تدويل عملتها ورغبتها في الحفاظ على ضوابط رأسمالية صارمة.

يمكن أن تسمح مبادرة "حزام واحد طريق واحد" للصين بالسيطرة على شريان التجارة في الأسواق الناشئة حول العالم، حيث أن غالبية النمو الاقتصادي سوف يتم فيها خلال العقود المقبلة.

ومن شأن قيام بنك الشعب الصيني بإصدار عملته الإلكترونية واستخدامها لتحل محل الدولار في التجارة مع الدولة الواقعة بطول شريط "الحزام والطريق"، أن يشكل تحدياً بالنسبة لهيمنة الدولار ويوفر خيارات لمثل هذه الدول.

وتقوم الشركات الصينية المملوكة للدولة بتنفيذ جزء كبير من تجارة واستثمارات "الحزام والطريق" بتفويض سياسي، ما يدعم جعل العملة الافتراضية المدعومة من بنك الشعب الصيني أكثر كفاءة.

ويمكن لمثل هذه النهج في العملة الرقمية الخاضعة للسيطرة أن يتيح للصين تحقيق توازناً بين الضوابط الرأسمالية وبين تدويل الرنمينبي، وهو الأمر الذي لم يكن أمراً ممكناً من قبل.

ومن شأن ثورة العملة الرقمية في الصين أن تسرع عملية الانسحاب المتسارع للولايات المتحدة من التجارة الدولية بينما تخدم الخطط المحلية الرئيسية للحكومة الصينية وقد يكون لها تأثير عميق على المجتمع.

ومن الناحية الفنية، فإن القيود الحالية على قابلية توسع العديد من تقنيات "البلوكشين" تُشكل حاجزاً أمام إنشاء عملة مدفوعات ذات فعالية وكفاءة كاملة، وخاصةً على المستوى التي ستكون الصين في حاجة إليه.

ومع ذلك، فإن الطبيعة تكنولوجيا "البلوكشين" غير القابلة للتغير وقدرات عقودها الذكية تقدم حوافز فريدة.

وفي حال قام بنك الشعب برقمنة الرنمينبي فإنه سيوفر "دفتر الأستاذ" الرقمي الثابت بشكل مباشر بين االمواطنين الأفراد والشركات وبين الحكومات المحلية.

كما من شأنه أن يسمح للبنك المركزي بامتلاك آلية مثالية بشأن الضوابط الرأسمالية بما أن تكنولوجيا البلوكشين الخاصة ببنك الشعب ستؤدي إلى تسجيل كافة التدفقات الرأسمالية.

ويعتبر القضاء على الفقر المدقع بحلول عام 2020 هو وعد أساسي قدمه الرئيس الصيني "شي جين بينج".

وكانت الصين انتشلت نحو 66 مليون شخص من الفقر الشديد خلال الخمس سنوات الماضية، ولا يزال حوالي 30 مليون نسمة معظمهم يعيش في مناطق ريفية بعيدة، يعيش تحت خط الفقر الرسمي والبالغ 2300 يوان (360 دولار تقريباً) سنوياً.

وفي الغالب، تقوم طبقات فاسدة من المسؤولين المحليين باختلاس مساعدات الحكومة المركزية لهؤلاء السكان، بينما يمكن أن تتلقى هذه العائلات المساعدات بشكل مباشر عبر حساب مصرفي من البنك المركزي.

وفي الآونة الأخيرة، أعلن الرئيس "شي" تقديم 60 مليار دولار من المساعدات إلى الدول الأفريقية التي تركز على بناء البنية التحتية، ومن خلال الرنمينبي الرقمي، ستكون الصين قادرة على تتبع كيفية إنفاق هذه المساعدات المالية محلياً.

ويمكن لمثل هذا التقدم أن يخدم الصين بشكل جيد على الصعيد العالمي في عدة جوانب وعلى المستوى المحلي كذلك.

لكن من سيتحمل تكاليف هذا التغيير على المدى الطويل؟، على الصعيد المحلي إذا كان يمتلك كل فرد أو شركة حساب مصرفي مباشر مع البنك المركزي، فمن الواضح أن ذلك سيحل محل العديد من الوظائف الرئيسية للبنوك التجارية.

ويتطلب هذا الإجراء إصلاحاً رئيسياً لنظام مصرفي يواجه تحديات بالفعل.

لكن كيف يمكن لبنك الشعب تسهيل كافة عمليات الإقراض للأفراد والشركات؟، قد يكون أحد الطرق هو الاستفادة من الحواسيب العملاقة في الصين والتعلم الآلي مثلما تفعل بعض الشركات الناشئة في الصين اليوم في القروض الصغيرة.

ويمكن أن تكون هذه الطريقة جيدة لمنع الفساد كونه من الصعب عرض رشوة على "الخوارزميات"، ولكن سيكون الأمر طائشاً إذا تركت الصين ديونها البالغة 275% من الناتج المحلي إلى الآلات.

وعلاوة على ذلك، فإن عدم القابلية للتغير وهي السمة الأساسية لتكنولوجيا البلوكشين هو الالتزام بالعدالة والشفافية المحتملة، وهو أمر إيجابي ولكن فقط إذا كانت الحكومة مستعدة لفعل ذلك.

وعلى الجانب الآخر، فإن الثمن الذي سيدفعه الأفراد مقابل عدم القابلية للتغير هو تجاهل الخصوصية.

والأهم من كل ذلك هو أن الرقمنة المفرطة والمراقبة والملكية المركزية للبيانات هي أكبر تهديدات يتعرض لها الجيل الحالي وحتى الحرية الشخصية والديمقراطية الحديثة.

ونحن نشهد إلى حد بعيد رد الفعل السياسي والاقتصادي الكبير ضد التكنولوجيا على مستوى العالم منذ الطفرة الأولى للإنترنت.

ومن المرجح أن العملة الإلكترونية المدعومة من البنك المركزي خطوة ذكية وحتمية لخدمة المصالح الوطنية الهامة، ومن الممكن أيضاً أن توفر راحة كبيرة في حياتنا اليومية.

ومع ذلك، لقد قدمنا ​​بالفعل كميات هائلة من البيانات الشخصية القيمة للمؤسسات والشركات المركزية في مقابل وسائل الرفاهية.

وفي حال بدء الدول في إصدار عملاتها الرقمية واستمرار تسليمنا لبيانات عملياتها الشخصية أيضاً، سيكون السؤال هنا متى سندرك أنه فات أوان وأصبح من المستحيل أن نعود أحراراً؟.