TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

كيف فقد مؤشر ثقة المستهلك أهميته التاريخية؟

كيف فقد مؤشر ثقة المستهلك أهميته التاريخية؟

تحرير - سالي إسماعيل:

مباشر: لم يعد مؤشر ثقة المستهلكين مقياساً مفيداً لوضع الاقتصاد بعد الآن، هذه هي الحقيقة التي أقرها تحليل نشره منتدى الاقتصاد العالمي.

وكان "سي.سي.آي" الذي يمثل اختصاراً لمصطلح "Consumer Confidence Index"، أنشئ في عام 1967 من قبل جمعية رجال الأعمال "مجلس المؤتمرات"، كرد فعل لأول تباطؤ اقتصادي في مرحلة زخم ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وبما أن زخم النمو الاقتصادي لم يعد من الممكن اعتباره بمثابة أمر مسلم به، فكان من الضروري فهم ومراقبة محركات النمو بشكل أكثر وضوحاً من أجل ترتيب ما يمكن تسميته بنظرية التغيير.

وبما أن الاستهلاك بات جزءاً هاماً بشكل متزايد من الاقتصاد، فكانت المعادلة بسيطة والتي تتمثل في أنه كلما تسبب الاستهلاك الإضافي في زيادة الناتج المحلي الإجمالي فإنه من شأن تعزيز ثقة الأفراد في الاستهلاك أن يكون مؤشراً قوياً للنمو.

وتعتبر تركيبة المؤشر بسيطة أيضاً، حيث يكون خلاصة مسح قصير لتصورات شخصية يتم تقديمها شهرياً من خلال عينة تمثيلية لعدة مؤشرات تغطي حالة الاقتصاد الوطني والمحلي والوضع المالي الشخصي والهدف سواء الإنفاق أو الإدخار.

كما ينظر للمؤشر على أنه مقياساً قوياً للتأثير في قرارات الأعمال إلى جانب كونه مقياس استجابة مبكر لتدخلات سياسة الحكومة.

ومع شيوع وتكثيف منطق الاستهلاك على مدى النصف الثاني من القرن العشرين، جعلت بساطة مؤشر ثقة المستهلكين من السهل التوسع في رصد هذه العملية.

وقامت منظمات الأبحاث بتكرار النموذج عبر الولايات المتحدة أولاً ومن ثم حول العالم وهو الأمر الذي جعلها تنافس بعضها البعض كي تصبح المصدر الرئيسي لبيع التحليل والخدمات الأخرى بخبراتها.

وفي الوقت الحالي، يتم قياس مؤشر ما قريباُ من النموذج الأصلي على أساس شهري في غالبية الدول.

وفي فترة الثمانينيات، وصلت شعبية "سي.سي.آي" إلى الذروة عندما بدا أن الاستهلاك قد لا يؤدي فقط إلى نمو اقتصادي لا نهاية له لكنه يحل كذلك كافة مشاكل المجتمع.

لكن في أوائل القرن الحادي والعشرين تغير الكثير، مما أثار 3 تساؤلات هامة.

السؤال الأول

ويتمثل السؤال الأول في: هل لانزال نرغب في زيادة الاستهلاك؟

وبالنظر إلى أرقام الناتج المحلي الإجمالي فإن هناك إجماع آخذ في التزايد بأن النمو الكمي قد تجاوز مدة استخدامه كمقياس للنجاح المجتمعي ويجب أن يستبدل بمفهوم الرفاهية.

وبالتالي فإنه من الضروري أن يكون مكان الاستهلاك كمحرك للنجاح أمراً متاحاً للتساؤل.

ومن المؤكد أن هناك أدلة قليلة بأن استهلاك المزيد في حد ذاته يؤدي إلى زيادة الرفاهية بأي طريقة بسيطة أو مباشرة سواء على المستوى الفردي أو الاجتماعي.

وحتى إذا كنا لا نزال نرغب في زيادة جزء من الاستهلاك، فإن السؤال سيكون حول أيّ نوع من هذا الاستهلاك.

ومن منظور بيئي، فإن الاستهلاك المستدام يعتبر بمثابة موضوعاً مثاراً للنقاش لكن من جانب اقتصادي بحت، يجادل الرئيس السابق لهيئة الخدمات المالية في المملكة المتحدة "أدير تيرنر" بأننا بحاجة إلى توسيع التمييز بين الاستهلاك والاستثمار المفيد في المجال الخاص والأسري.

وفي حالة كان الائتمان يستخدم في تمويل الاستهلاك بدلاً من الاستثمار المفيد فمن المرجح أن الديون التي يتم تكوينها ستثبت لاحقاً أنها غير مستدامة، كما يوضح "تيرنر".

وهناك حقيقة يتم دائماً إدراكها بشأن الدين العام، ألا وهي أن العجز المالي الذي يمول الاستهلاك بدلاً من الاستثمار المعزز للنمو من المرجح بشدة أن يتسبب في خلق أعباء الديون العامة غير المستدامة، وهي الحقيقة التي تنطبق كذلك على إنشاء الائتمان للقطاع الخاص.

سؤالاً آخر

والسؤال الثاني هو ما إذا كان قياس والإفصاح عن مؤشر ثقة المستهلكين قد يكون له في الواقع بعض العواقب النفسية الضارة؟، لقد حولت ميادين علم النفس من الافتراضات العقلانية في صنع القرار رأساً على عقب، مع حصول "دانييل كانيمان" على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002.

وبدأت التجارب الحديثة في توثيق التأثيرات النفسية المقلقة في توصيف الأفراد كـ"مستهلكين"، حيث إن التقارير الإعلامية المنتظمة بشأن مؤشر ثقة المستهلك يمكن القول إنها تعمل على نطاق اجتماعي.

فرصة العيش

أما السؤال الثالث فيكمن في؛ هل يمتلك مؤشر ثقة المستهلكين على فرصة الاستمرار حتى طبقاً لشروطه الخاصة؟، مع زيادة تعقيد الاقتصاد العالمي عادةً ما تقدم الأسواق مؤشراً قيادياً للنمو أفضل من مؤشر ثقة المستهلكين.

وفي الوقت الذي لا يزال يتداول فيه مؤشر ثقة المستهلكين على نطاق واسع من قبل القنوات الإعلامية إلا أن مؤشرات أخرى تكتسب دوراً في الاستراتيجية وتشكيل السياسية.

أين يكمن البديل؟

ماذا لو أمكن توفير مؤشراً بديلاً لـ"سي.سي.آي" يقيس ثقة الناس في قدرتهم على تلبية مطالب الثورة الصناعية الرابعة؟.

ماذا لو أمكن تطوير مؤشر قائم على الدليل بشأن الإنتاجية والمشاركة والرفاهية وليس فقط للاستهلاك؟.

ماذا لو كان بالإمكان تطوير مؤشر ساعدنا على زيادة الإحساس بالهدف والقوة الشخصية والاتصال الاجتماعي أيّ الأشياء التي تجعل الناس تزدهر؟، ماذا لو أمكن استبدال مؤشر ثقة المستهلك بمؤشر ثقة المواطن؟.

وتعتبر نقطة البداية هي الاعتقاد بأن الناس يستطيعون ويريدون دفع المجتمع الذي يعيشون فيه للأفضل في إطار الظروف المناسبة للقيام بذلك، حيث يفضل الأفراد النظر إليهم كمواطنين وليس مجرد مستهلكين.

وفي العصر الرقمي، أصبحت الوسائل متوفرة في الوقت الراهن كي يحدث ذلك لكن الأنظمة القديمة والهياكل والأهداف مثل "سي.سي.آي" تبقي الجميع في حالة حصار.

ومن شأن مؤشر ثقة المواطن أن يسأل الناس ليس فقط عن مدى ثقتهم في الاستهلاك ولكن أن يسألهم عن الظروف والغرض والدعم من المجتمع وسبب المشاركة بشكل هادف في العالم.