TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

"حدث الأسبوع".. أردوغان يقود الليرة التركية نحو الهاوية

"حدث الأسبوع".. أردوغان يقود الليرة التركية نحو الهاوية

من - سالي إسماعيل:

مباشر: "لهم دولاراتهم.. ولنا الله".. بهذه الكلمات الأربعة أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مزيداً من الألم على قيمة العملة التي تشهد بالفعل هبوطاً لمستويات هي الأدنى في تاريخها.

وتصدر الوضع في أنقرة أهم الأحداث العالمية خلال الأسبوع الماضي وسط تساؤلات جمة حول العملة التركية والدوافع المسببة وكذلك مصيرها.

ماذا يحدث؟

وتراجعت الليرة التركية بنحو 22.2% خلال الأسبوع الماضي بعد أن أنهت تعاملات الجمعة عند مستوى 6.4323 ليرة لكل دولار كما أن عوائد السندات الحكومية في البلاد لآجل 10 سنوات تصعد بسرعة فائقة لتتجاوز مستوى 21% للمرة الأولى في التاريخ.

وتهاوت عملة تركيا المحلية إلى أدنى مستوى في تاريخها خلال تعاملات الجمعة الماضية لتسجل 6.8703 ليرة لكل دولار ما يعني أن خسائرها مقابل الورقة الخضراء منذ بداية العام تفاقمت لنحو 44.88%.

ومع نهاية تعاملات الجمعة الماضية، سجلت الليرة التركية انخفاضاً لمدة 12 يوماً متتالياً مقابل الدولار الأمريكي لتسجل أطول سلسلة خسائر يومية منذ نوفمبر 1990.

ويعتبر الهبوط في قيمة الليرة التركية واحداً من أسوأ العملات أداءً خلال العقد الماضي مقارنة مع أيّ اقتصاد في مجموعة دول العشرين بما في ذلك فترة الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009.

وساهم قلق المستثمرون بشأن عدم قدرة المقترضون الأتراك على سداد ديونهم، في زيادة تكلفة التأمين ضد التعثر عن سداد ديون الحكومة التركية بشكل حاد هذا العام.

ولم تكن الخسائر من نصيب الليرة وحدها، حيث صاحب الهبوط التاريخي في قيمة العملة المحلية لأنقرة خسائر ملحوظة في اليورو إلى جانب عملات الأسواق الناشئة وكذلك قطاع البنوك داخل الأسواق الأوروبية في ظل العلاقات المشتركة بين الجانبين.

وعلى النقيض تماماً، استفادت العملة المحلية لليابان باعتبارها أحد الملاذات الآمنة لتسجل مكاسب ملحوظة كما صعد الدولار لمستويات هي الأعلى في نحو 14 شهراً.

لماذا يحدث؟

منذ إعادة انتخاب أردوغان في يونيو الماضي بتأييد أكثر من نصف الأصوات الناخبة، وهو يعطي إشارات متزايدة بشأن التدخل السياسي في كافة الشؤون الاقتصادية، وهو الأمر الذي ساهم في إرسال العملة التركية لمستويات هي الأدنى على الإطلاق بدلاَ من المكاسب التي كانت تستعد لحصدها.

ويفسر المستثمرون عدم تحرك المركزي التركي والذي أبقى على معدل الفائدة كما هو دون تغيير خلال اجتماع السياسة النقدية الأخير، لمواجهة معدلات التضخم المرتفعة والفجوة الضخمة في الحساب الجاري بأن قبضة أردوغان أصبحت محكمة على البنك.

ومن المعروف للجميع أن أردوغان الذي يلقب نفسه بأنه "عدو معدلات الفائدة المرتفعة" يحارب تحرك المركزي التركي لتعديل معدلات زيادة الفائدة في الاتجاه الصاعد بما يتماشى مع متطلبات الاقتصاد.

وفي خطوة ينظر إليها على نطاق واسع بأنها تمنح الرئيس التركي مزيداً من النفوذ داخل السياسة النقدية للبلاد، قرر أردوغان في أوائل يوليو الماضي أن تكون سلطة تعيين محافظ البنك المركزي في يده كما ألغى فقرة تعيينه بقرار من مجلس الوزراء لمدة 5 سنوات.

ومن بين الإشارات التي تساهم في إثارة المخاوف لدى المستثمرون كذلك قيامه بتعيين صهره "بيرات البيرق" في منصب وزير المالية والخزانة بالبلاد في التشكيل الوزاري الأخير ما يعني مزيد من إحكام القبضة السياسة على البنك.

ويضاف إلى تدخلات رجل السياسة "أردوغان" مجموعة من المشاكل الاقتصادية المزمنة التي تحاوط أنقرة دفعت التصنيف الائتماني للبلاد إلى مستويات متدنية، حيث يشهد التضخم تسارعاً لأعلى مستوى في نحو 15 عاماً كما يتفاقم عجز الحساب الجاري.

كما لم تفلح خطة وزير المالية الجديدة بشأن التعهد بإصلاحات هيكلية ودعم استقلالية المركزي في السيطرة الليرة التركية التي انفرط عقدها مع آخر جلسات الأسبوع الماضي.

وعلاوة على ذلك، تطفو بقوة على السطح التوترات الجيوسياسية في العلاقات بين واشنطن وأنقرة على خلفية المأزق الدبلوماسي بين الجانبين جراء تعنت تركيا في تسليم القس الأمريكي "أندرو برونسون".

وربطت الحكومة التركية مصير "برونسون" مقابل تسليم إدارة الرئيس دونالد ترامب الواعظ "فتح الله كولن" والذي يواجه اتهامات بشأن القيام بمحاولة انقلاب في عام 2016.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث قررت واشنطن فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل الأتراك، وهو الوضع الذي شهد مفاوضات مختلفة على مدى الأسبوع المنصرم لم يكتب لها النجاح كونها لم تسفر عن أية حلول أو حتى تطورات لتهدئة الموقف.

وفي خطاب ألقاه الرئيس أردوغان في وقت متأخر من مساء الخميس الماضي، يقول: "لا تنسوا إن كان لديهم دولارات فنحن لنا الشعب ولنا الله.. نحن نعمل بجد أنظروا أين كنا منذ 16 عاماً وأين نحن الآن".

تصريحات أردوغان لم تكن إلا بمثابة حافز لاستكمال ميسرة الهبوط في قيمة العملة المتراجعة بالفعل، حيث بدأ المستثمرون في إتخاذ موقف ضد الرئيس التركي.

ومع نهاية الأسبوع المنقضي، تطورت الأوضاع الجيوسياسية بين الجانبين لتشمل المسائل التجارية، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سوف تضاعف الرسوم على واردات الصلب والألومنيوم من تركيا لتصبح 50% و20% على الترتيب بدلاً من 25% و10% سابقة.

ورغم ذلك، فإن الرئيس التركي لم يقف صامتاً بل دعا شعبه للتخلص من الدولار والعملات الأجنبية الأخرى إضافة إلى الذهب في مقابل شراء الليرة المحلية من أجل المساهمة في مساعدة البلاد لمواجهة "الحرب الاقتصادية" التي تتعرض لها كما أجرى محادثات هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.

 

هل تتجه البلاد نحو أزمة جديدة؟

ويؤكد الجميع أن تركيا تسير بخطى ثابتة إن لم تكن متسارعة نحو أزمة اقتصادية محتملة بعد سنوات طويلة من النمو الذي كان في بعض الحالات قوياً، بفعل التعنت الصريح والتدخل القوي من قبل أردوغان.

لكن يبقي السؤال مطروحاً؛ مع احتمالية أن تكون تركيا المحطة المقبلة لقطار أزمات الأسواق الناشئة، هل ستكون أنقرة مجبرة على طلب خط ائتماني أيضاً من صندوق النقد الدولي كما سبق وفعلت في عام 2001.