TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

"صراع الأفيال".. كيف سيدفع الفقراء ثمن الحرب التجارية

"صراع الأفيال".. كيف سيدفع الفقراء ثمن الحرب التجارية

تحرير - سالي إسماعيل:

مباشر: "عندما تتعارك الأفيال، العشب هو الذي يعاني".. مثل أفريقي قديم يعبر عما حدث للعشب في حديقة أمبوسيلي الوطنية في كينيا جراء تحدي بين فيل شاب وبين آخر يكبره سناً، الأمر نفسه ينطبق على الحروب التجارية الكاملة.

وتؤكد رؤية تحليلية نشرها موقع "بروجيكت سينديكيت" أنه عندما يحدث تصادم بين الاقتصادات الكبرى فإن نظيرتها النامية تكون هي أكثر الدول تضرراً.

وتساهم خطوات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن فرض تعريفات جمركية على الصلب والألومنيوم في زيادة فرص حرب تجارية عالمية حقيقية.

ومن شأن هذه الحرب المحتملة أن تلقي بظلالها في كل مكان لكن التأثير سيظهر بشكل خاص في أكثر دول العالم فقراً كما أن كل شيء بداية من الانتعاش العالمي الحالي وحتى أهداف التنمية المستدامة يمكن أن يكون الآن في خطر.

وفي 1 يونيو من العام الحالي، قررت الإدارة الأمريكية فرض تعريفات قدرها 25% على واردات الصلب و10% على الألومنيوم، وهذه الرسوم لن تؤثر سلباً على الصين وحسب لكن كذلك على كندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي.

"لسنا في حرب تجارية، لكن يمكننا أن نكون كذلك".. هكذا جاءت تصريحات مفوضة الاتحاد الأوروبي للتجارة "سيسيليا مالمستروم" خلال مشاركتها بحدث عقده مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) مؤخراً.

وتابعت: "هذا موقف يجب أن يكون مصدر قلق الجميع".

ويشير التاريخ إلى أنه لا يوجد فائز في الحرب التجارية، حيث تمثل التعريفات المتزايدة من قبل الدول التجارية الرئيسية انعكاساً للجهود بدايةً من نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى تقليص الحواجز التجارية وتسهيل التجارة العالمية.

ومنذ سريان الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (الجات) في عام 1947، فإن متوسط حجم التعريفات تراجع بنحو 85% في جميع أنحاء العالم.

وهذا الهبوط في حجم الرسوم التجارية عالمياً لم يكن مصادفة ولكنه كان نتيجة تعاون متعدد الأطراف و8 جولات من مفاوضات التجارة العالمية في البداية تحت مظلة اتفاقية "الجات" ثم بعد ذلك في إطار منظمة التجارة العالمية، والتي تعتبر تحديث للجات.

وساهم خفض التعريفات إلى جانب التقدم التكنولوجي في التوسع الاستثنائي للتجارة العالمية التي نشهدها في الوقت الراهن.

وفي عام 1960، كانت حصة التجارة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي تبلغ 24% لكنها اليوم تصل إلى حوالي 60%.

وأدى التوسع في التجارة إلى تعزيز النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وزيادة دخل الأسر حول العالم إضافة إلى أنه يعتبر عاملاً رئيسياً في انتعاش دول الجنوب، حيث شهدت عشرات الدول النامية نموا اقتصاديا قويا وتغيير اجتماعي إيجابي.

كما ساعد في تحقيق أكثر إنجاز ملحوظ في تاريخ البشرية وهو إنقاذ مليار شخص من دائرة الفقر في حوالي عقدين من الزمان فقط.

ومع ذلك فإن الجميع لم يحقق مزايا متساوية من التوسع التجاري بل أنه في بعض الحالات تسبب في التدهور البيئي والخسائر الاقتصادية.

ورغم أنه توجد قضايا شرعية وجادة يجب أن يتم معالجتها إلا أن التحرك الفردي ليس السبيل لتحقيق ذلك، حيث أن التحديات العالمية تتطلب حلولاً عالمية.

ولسوء الحظ، فإن الإجراءات التجارية الحالية تكشف عن وضع سيخسر فيه الجميع، ففي الحرب التجارية ستشهد الشركات في عدد كبير من القطاعات خسائر في الأرباح كما أن العمال سيفقدون الوظائف والحكومات ستخسر العائدات وسيكون متاحاً أمام المستهلكين خيارات أقل للمنتجات.

وبالتالي فإن الشركات والحكومات والأسر في كل مكان في العالم سوف تتحمل تكاليف مرتفعة.

والأسوأ من ذلك أن حرب تجارية عالمية ستجعل النظام التجاري متعدد الأطراف نفسه عرضة للخطر، كما ستؤدي بدون شك إلى زيادة في التعريفات ستكون هي الأكبر خلال التاريخ الحديث.

وتوصل بحث "الأونكتاد" إلى أن متوسط التعريفات قد يرتفع من مستويات لا تذكر إلى حوالي 30% بالنسبة للمصدرين الأمريكيين و35% و40% بالنسبة لمصدري الصين والاتحاد الأوروبي على الترتيب.

وبالتالي حتى لو كانت "الأفيال" ذات ثقل اقتصادي كافي لتحمل حرباً تجارية فإنهم لن يستفيدوا منها.

وبالطبع فإن الدول النامية والتي لم تلعب أي دور في بداية النزاع التجاري قد تكون أقل قدرة على تحمل تكاليف هذا الصراع.

وفي المتوسط، من الممكن أن ترتفع التعريفات المطبقة على صادرات الدول النامية من 3% لتصل إلى 37%، ولكن في حين أن متوسط التعريفات التي تؤثر في دول مثل نيجيريا وزامبيا قد لا تتجاوز 10% إلا أن الرسوم المفروضة على المكسيك قد تصل إلى نحو 60%.

وبالمثل، يمكن أن تواجه دول مثل كوستريكا وإثيوبيا وسريلانكا وبنجلاديش وتركيا متوسط تعريفات يتراوح بين 40 إلى 50%.

وعلاوة على ذلك، قد تكون الحرب التجارية بمثابة ضربة قاسية لأكثر دول العالم فقراً، وكذلك قد تلقي بآثارها على آمال مضاعفة حصة الدول الأقل نموا من الصادرات العالمية بحلول عام 2020 في إطار أهداف التنمية المستدامة.

ومن شأن الحرب التجارية أن تعرض التعافي الاقتصادي الهش منذ الأزمة المالية العالمية قبل عقد من الزمان للخطر، وبالتالي تقويض النمو والتنمية في جميع أنحاء العالم.

كما من شأنها الحد من مدى إمكانية استخدام التجارة لتعزيز الأهداف العالمية.

ومن المقرر أن يظهر الضرر الناجم عن حرب تجارية شاملة بعيداً عن إطار التجارة الدولية، حيث يعكس المناخ التجاري اليوم اتجاهاً عالمياً مقلقاً تجاه الأحادية القومية.

وباتت الدول التي ساعدت في إعادة تشكيل عالمنا نحو الأفضل عبر التجارة تتخلى عن التعاون الدولي وربما يكون لهذا التحول آثار خطيرة على مجالات أخرى مثل الجهود العالمية لمواجهة التغيير المناخي وضمان السلام والرخاء للجميع.

إن أسهل طريقة للفوز في حرب تجارية هي تجنبها بشكل كامل.