TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

القصة الكاملة لـ"الساحر" صاحب أكبر عملية احتيال على بنك إماراتي

القصة الكاملة لـ"الساحر" صاحب أكبر عملية احتيال على بنك إماراتي

قبل 20 عاماً، تعرض أحد البنوك الإماراتية لأكبر عملية احتيال مالي في العالم، قيل وقتها أنها تمت باستخدام "السحر الأسود".. اليوم بطل القصة "فوتانجا باباني سيسوكو" يكشف تفاصيلها.

وأجرت "بريجيت شيفر" الصحفية بهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" لقاء مع "سيسوكو" في مسقط رأسه بدولة مالي.. والطريف أنه لا يزال حراً طليقاً ويعيش في مالي دون أن يدخل السجن يوماً واحداً.

ويروي "سيسوكو" لـ "بي بي سي" قصة أكثر حيل النصب جرأة وثقة في التاريخ والتي تعود لـ 20 عاماً مضت، عندما ذهب لطلب قرض من بنك دبي الإسلامي لشراء سيارة، وكان الخطأ الذي ارتكبه مدير البنك "محمد أيوب" هو قبول دعوته على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض.

سيسوكو

وأثناء العشاء بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مذهل، وهو امتلاكه قدرات سحرية تُمكنه من "توليد الأموال"، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا صديقه الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ مالي لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.

ولم ينتظر مدير البنك طويلا حتى ذهب مجددا إلى منزل سيسوكو ومعه أمواله، وقابله الرجل مندفعا من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن "الجن" هاجمه للتو، وحذره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب أيوب على الفور وترك الأموال في الغرفة المسحورة وظل ينتظر.

وروى أيوب ما حدث معه وقال "رأيت ضوءً ودخانا وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت".. وكانت المفاجأة أن الأموال "توالدت" وتضاعفت كما وعده الساحر، وهنا ظهر السرور على وجه أيوب، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى.

ويصف ألان فاين، محقق من ميامي استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلا "أيوب آمن بأن ما حدث كان سحرا أسودا، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال".

ويوضح أنه بعد ذلك أرسل أموالا إلى سيسوكو، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليها أضعافا مضاعفة ويستفيد منها.

وبحسب أوراق القضية فقد أجرى أيوب 183 تحويلا ماليا إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998.

كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان أيوب يتولى تسوية هذه الأموال بدلا منه.

وفي عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية. حينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريرا عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.

سعت حكومة دبي لتهدئة الأزمة، وقالت إنها "مشكلة صغيرة ولن تتسبب في أية خسائر مالية سواء في استثمارات البنك أو حسابات المودعين"... لكن هذا لم يكن صحيحا.

يقول فاين عن حقيقة ما حدث "مالكو البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جدا. ولم تكن أموال التأمينات لتغطيها". وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، "لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا".

سيسوكو

وضع "سيسوكو" مخططا من البداية يقضي بعدم التواجد في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيدا عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج.

وبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه سيسوكو في نوفمبر 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر بكثير من فتح حساب.

وقال ألان فاين: "لقد دخل إلى مقر سيتي بنك يوما ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها".

ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة "لعبت دورا في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة".

ووفقا للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، "خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب". وقد تم إسقاط القضية لاحقا.

ومع تدفق الأموال عليه كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا. واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز هوكر-سيديلي 125 وطائرتين عتيقتين من بوينغ 727 إس . وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران "أير دابيا"، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي.

لكن سيسوكو ارتكب خطأ كبيرا، في يوليو 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز هيوي تعودان لحرب فيتنام، ومن غير المعروف السبب وراء هذه الصفقة.

ويقول فاين عن هذه الصفقة :"أوضح سيسوكو أنه أراد شراءهما لاستخدامهما في خدمة الإسعاف الطائر. لكن المروحيات التي كان يبحث عنها كانت كبيرة جدا، فهي ليست النوع الذي يستخدم في المستشفيات ومراكز الصحة في الولايات المتحدة، كانت أكبر بكثير من ذلك".

سيسوكو

ولأنها يمكن إعادة تهيئتها كطائرات حربية، فإن المروحيات تحتاج إلى رخصة تصدير خاصة في الولايات المتحدة.

حاول رجال سيسوكو تسريع الأمور من خلال تقديم رشوة بقيمة 30 ألف دولار إلى ضابط الجمارك. وبدلا من ذلك، فقد عرضوا أنفسهم للاعتقال. وأصدر الإنتربول أمرا بتوقيف سيسوكو أيضا. وتم القبض عليه في جنيف، حيث ذهب إلى فتح حساب مصرفي جديد.

تم ترحيل سيسوكو إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ في حشد داعمين مؤثرين.. وأصيب قاضي جلسة الاستماع الخاصة بقضيتة بصدمة عندما رأى استعداد دبلوماسيين لضمان سيسوكو.

كانت الحكومة الأمريكية تريد احتجاز سيسوكو في السجن، ولكن تم إنقاذه بكفالة 20 مليون دولار، وهو رقم قياسي في ولاية فلوريدا في ذلك الوقت.

وبعد خروجه بدأ في الإنفاق ببذخ، وكافأ فريق الدفاع بسيارات مرسيدس أو جاغوار. ولكن هذه كان مجرد بداية.

أنفق سيسوكو نصف مليون دولار في متجر مجوهرات واحد فقط، ومئات الآلاف في متاجر أخرى، ودفع أكثر من 150 ألف دولار في متجر ملابس للرجال، بحسب ما يتذكره فاين.

وقال رونيل دوفرين، تاجر سيارات :"قد يأتي يوما ليشتري سيارتين أو ثلاث أو حتى أربع سيارات في وقت واحد، ويعود بعد أسبوع ويشتري سيارتين وثلاث وأربع سيارات في وقت واحد. وكان ينفق الأموال في الهواء"، حيث يكشف تاجر السيارات أنه باع له ما بين 30 و35 سيارة.

سريعا أصبح سيسوكو من المشاهير في ميامي. كان لديه بالفعل عدة زوجات، ولكن ذلك لم يمنعه من الزواج أكثر، وإيوائهم في بعض الشقق من 23 شقة استأجرها في المدينة.

كما كان يمنح مبالغ مالية كبيرة لأسباب جيدة. ومع اقتراب موعد محاكمته كان يدرك قيمة الدعاية الجيدة. وفي إحدى الحالات التي شهدها ابن عمه، قدم سيسوكو 413 ألف دولار إلى فرقة موسيقية بمدرسة ثانوي لأنهم كانوا بحاجة للمال للسفر إلى نيويورك لحضور موكب عيد الشكر.

ويقول محاميه :"كنت أفكر هل هذا روبن هود العصر الحديث؟ لماذ تسرق الأموال ثم تتبرع بها؟ هذا ليس منطقيا".

وحول ما أنفقه يوضح أن صحيفة هيرالد في ميامي نشرت تقرير بعد مغادرته، قالت إنهم يقدرون أنه تبرع بحوالي 14 مليون دولار، في 10 أشهر فقط، أي أكثر من مليون دولار في الشهر.

وكان الحكم بالسجن لمدة 43 يوما وغرامة قدرها 250 ألف دولار يدفعها بنك دبي الإسلامي بطبيعة الحال، حتى وإن كان لا يعرف أنه سيدفعها.

وبعد أن قضى فقط نصف هذه المدة، حصل على إفراج مبكر مقابل دفع مليون دولار إلى ملجأ للمشردين. وكان من المفترض أن يقضي بقية العقوبة رهن الإقامة الجبرية في مالي، وبدلا من ذلك عاد إلى وطنه كبطل.

سيسوكو

وخلال هذه الفترة كانت الحقائق بدأت تتكشف في الإمارات وبدأ عملاء بنك دبي الإسلامي يدركون أن شيئا ما خطأ قد وقع. وأصبح مدير البنك أيوب عصبيا، ولم يعد سيسوكو يرد على اتصالاته.

وفي النهاية لم يتحمل أيوب الضغوط واعترف لأحد زملائه بما حدث معه وتحويله أموالا للخارج، وعندما سأله زميله عن المبالغ التي حولها لم يتجرأ على أن ينطقها وكتبها على ورقة، وكانت المفاجأة أنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل "242 مليون دولار".

وفي النهاية تمت إدانته بالاحتيال المالي وصدر الحكم بسجنه ثلاث سنوات، وكان هناك شائعات بإجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود.

أما سيسوكو فلم يخضع للعدالة قط. وحكمت عليه محكمة في دبي بالسجن غيابيا ثلاث سنوات للاحتيال المالي وممارسة السحر الأسود. وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله ومازال مطلوبا للعدالة.

وأصبح سيسوكو عضوا في برلمان مالي لمدة 12 عاما، من 2002 وحتى 2014، وهو ما منحه حصانة سياسية ضد الملاحقة القضائية. وبعد خروجه من البرلمان وطوال أربع سنين ماضية تمثلت حصانته في أن مالي لم توقع أي معاهدة لتسليم مواطنيها المطلوبين قضائيا في الخارج.

"وتقول بريجيت شيفر صحفية "بي بي سي": "توجهت إلى باماكو، عاصمة مالي، للبحث عن أي شخص يتحدث معي عن سيسوكو، وتتبعت سيدة كانت تحيك ملابسه والتي تذكرته باعتزاز.

وقالت لي :"لم أره منذ عامين أو ثلاثة، صنعت له حقيبة ملابس. دائما ما يكون سعيدا عندما يقدم الهدايا. إنه أسلوبه. إنه يحب أن يقدم للناس أي شيء".

كما التقت بريجيت سائقه أيضا ويدعى لوكالي إبراهيم.

وقال لها :"الشيء الجيد معه هو أنه عندما تسير الأمور بشكل جيد يمكنك أن تتوقع الكثير من الهدايا منه، ويحب مساعدة الذين يواجهون مشاكل".

سيسوكو

أما عن الأمور السيئة فيقول :"أستطيع أن أخبركم بعضا، إنه الشخص الذي يعطي الناس دائما الأمل ولكن بدلا من أن يقول الحقيقة، فإنه يُظهر خلاف ذلك."

في السوق وجدت الصائغ الذي أثنى عل سيسوكو كعميل مهم، ودائما ما كان يطلب منه تقديم الهدايا لأصدقائه.

وسمعت بريجيت أيضا أنه يمكنها الوصول إليه وأنه يعيش بالقرب من قريته الأصلية، دابيا، بالقرب من حدود مالي مع غينيا والسنغال.

وبالفعل ذهبت هناك وتقول :"بعد قيادة السيارة لمسافة طويلة وجدت منزل يتفق مع الوصف الذي حصلت عليه".

فجأة ظهر سيسوكو هناك محاطا بحراس مسلحين. ربما عمره الآن حوالي 70 عاما.

وافق على إجراء مقابلة. كان المناخ جادا والأمور سيريالة، لكنه ما لبث يحكي قصته مع العالم.

وقال :"اسمي سيسوكو فوتانغا ديت باباني. أتعرفين أن اليوم الذي ولدت فيه احترقت كليا جميع القري المحيطة بالمنطقة. وخرج القرويون يصرخون (ماريتو رزق بصبي). وانتشرت النار أكثر وأكثر. فقد كان هناك الكثير من الأدغال حولنا".

وبعد ذلك تحدث عن جهوده لإعادة بناء القرية، والتي بدأت في 1985، والثروة التي حققها. وبلغت في مرحلة ما 400 مليون دولار.

وسألته بريجيت عن حقيقة قصة الأموال التي حصل عليها من بنك دبي الإسلامي، وبلغت 242 مليون دولار.

وقال في إجابته :"سيدتي، إنها 242 مليون دولار، إنها قصة مجنونة قليلا. مسؤولو البنك يجب أن يشرحوا كيف ضاعت كل هذه الأموال.أعني 242 مليون دولار. اسمعي، كيف يمكن نقل هذه الأموال من البنك، ما الطريقة التي تم بها هذا؟ هذه هي المشكلة. الأمر لا يتعلق بهذا الرجل وحده (أيوب) الذي أعطى أوامر النقل. فعندما ينقل بنك أموالا لا يتعلق الأمر بشخص واحد.بل الكثير من الناس يتدخلون في العملية".

وقالت له "أيوب أقر في المحكمة أنك أثرت فيه بالسحر".

واعترف :"رأيت والتقيت الرجل الذي تتحدثين عنه"، لكنه نفى السرقة.

وأضاف :"الاتصال الوحيد معه (أيوب) عندما ذهبت لشراء سيارة. اشتراها البنك من أجلي وأعدت دفع قيمة القرض، وكانت سيارة يابانية الصنع".

وسألته، هل يسيطر على الناس باستخدام السحر الأسود؟

فرد سيسوكو :"سيدتي إذا امتلك شخص هذه القوة فلماذا يضطر للعمل؟ فإذا كان معكي هذه القوة يمكنك الجلوس مكانك وسرقة كل البنوك في العالم. في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكل مكان أخر. حتى هنا في أفريقيا. يمكن سرقة أي بنك تريدين".

سألته هل مازال ثريا؟.

فأجاب بحدة "لا، لم أعد ثريا، أنا فقير".

ونجح سيسوكو في تحدي الإنتربول، وقضى 20 عاما هاربا حتى أنه كان قد بدد كل أمواله ولم يعد باستطاعته مغادرة مالي.