TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

تحليل.. كيف يتسبب الاقتصاد القوي في انهيار أسواق الأسهم؟

تحليل.. كيف يتسبب الاقتصاد القوي في انهيار أسواق الأسهم؟
من: محمد سليمان
 
مباشر: "البورصة مرآة للاقتصاد".. عبارة كلاسكية أخرى أثبتت الأحداث الأخيرة في أسواق الأسهم عدم صحتها، بعد أن تراجعت البورصات العالمية في وقت يعيش فيه الاقتصاد العالمي واحدة من أفضل فتراته في السنوات الماضية.
 
ويشهد الاقتصاد في الدول المتقدمة والناشئة على السواء حالة من الانتعاش الملحوظ حالياً، دفعت صندوق النقد الدولي لرفع تقديرات النمو في العامين المقبلين.
 
ولكن هذا التعافي الاقتصادي تسبب في إثارة مخاوف المستثمرين من تشديد السياسة النقدية بعد سنوات من "الأموال الرخيصة"، ما عمق موجة بيعية شملت معظم أسواق الأسهم حول العالم.
 
وفي حين يرى البعض أن هبوط أسواق الأسهم العالمية لا يتعدى كونه "عملية تصحيح صحية ومتوقعة وطبيعية"، يعتقد أخرون أن أسواق الأسهم تشهد فقاعة لن تستمر طويلاً.
 
تعافٍ اقتصادي.. ولكن
 
ضخت البنوك المركزية في الدول المتقدمة وخاصة الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان تريليونات الدولارات في الأسواق، عبر برنامج للتيسير الكمي.
 
وشمل برنامج التيسير الكمي خفض الفائدة لمستويات قياسية متدنية "وسالبة أحياناً مثلما هو الحال في اليابان ومنطقة اليورو"، بالإضافة إلى شراء سندات حكومية وخاصة بوتيرة شهرية.
 
وتسببت برامج التحفيز التي اتبعتها البنوك المركزية عقب الأزمة المالية العالمية وأزمة ديون منطقة اليورو في تقليص تكلفة اقتراض الشركات والأفراد، بالإضافة إلى ضخ سيولة قوية في أسواق الأسهم والسندات.
 
ونجحت خطة البنوك المركزية في رفع قيم الأصول خاصة العقارات والأسهم والسندات، مع تزايد ثروات المستثمرين ما انعكس على الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري.
 
ورغم استمرار أزمة تباطؤ التضخم دون المستهدف في معظم الاقتصادات الكبرى، إلا أن النمو الاقتصادي شهد انتعاشة ملحوظة بدعم إنفاق المستهلكين والاستثمارات.
 
وسجل اقتصاد منطقة اليورو نمواً في العام الماضي هو الأفضل في عقد من الزمن، كما نجح اقتصاد اليابان في تحقيق أفضل وتيرة توسع منذ تسعينيات القرن الماضي، مع استمرار الأداء القوي في الولايات المتحدة.
 
و رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إلى 3.9% في العامين الجاري والمقبل، بدعم التعافي الملحوظ في اليابان ومنطقة اليورو.
 
كما دعمت خطة الإصلاح الضريبي في الولايات المتحدة توقعات تسارع نمو أكبر اقتصاد في العالم خلال الفترة المقبلة، مع الدعم المتوقع لإنفاق المستهلكين والشركات المستفيدين من تراجع الضرائب المطلوب سدادها.
 
ومع انتفاء الحاجة إلى برنامج التيسير الكمي الذي لايزال سارياً في منطقة اليورو واليابان والمملكة المتحدة، بدأت التكهنات تشير إلى قرب تشديد السياسة النقدية وإنهاء عصر "التمويل رخيص التكلفة" خوفاً من أن يؤدي تسارع النمو الاقتصادي إلى صعود التضخم متجاوزاً المستهدف.
 
وبالفعل رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي معدل الفائدة 3 مرات في عام 2017، مع توقعه عدد زيادات مماثلة في العام الحالي، كما زادت المملكة المتحدة وكندا وكوريا الجنوبية الفائدة لأول مرة منذ سنوات.
 
بينما أشار عضو بمجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي إلى ضرورة إنهاء برنامج التيسير الكمي "في أقرب وقت ممكن"، في حين توقع رئيس بنك اليابان وصول التضخم للمستهدف خلال الفترة المقبلة. 
 
وأخيراً أظهر بيان السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في الأسبوع الماضي توقعاته لتسارع التضخم في البلاد ليصل للمستهدف، بينما كشف تقرير الوظائف الشهري أكبر زيادة في أجور العمال في نحو 8 سنوات، في تأكيد على تكهنات مزيد من تشديد السياسة النقدية.
 
أسواق الأسهم تتهاوى
 
تمثل عملية رفع معدلات الفائدة (أو التوقعات بزيادتها) أمراً سلبياً بالنسبة لأسواق الأسهم، مع توافر استثمار آمن بديل بعائد أعلى بالنسبة للمستثمرين.
 
ومع توقعات رفع الفائدة وإنهاء برنامج التيسير الكمي في الاقتصادات المتقدمة شهدت أسواق السندات الحكومية موجة بيعية رفعت العائد على الديون لمستويات لم تشهدها منذ سنوات.
 
وارتفع العائد على  السندات الأمريكية لآجل 10 أعوام من 2.4% في بداية العام الجاري إلى 2.8% يوم الإثنين الماضي، كما غادر العائد على السندات الألمانية لآجل 5 أعوام النطاق السالب لأول مرة منذ سنوات.
 
وعلى عكس المتعارف عليه سابقاً، فإن ارتفاع عوائد السندات لا يعود لأسباب اقتصادية سلبية وإنما جاء بفعل عوامل إيجابية تمثلت في انتعاش النمو وتوقعات رفع الفائدة نتيجة تسارع النشاط.
 
ومع توفر بديل أكثر آمناً للمستثمرين (السندات الحكومية) وارتفاع فرص صعود الفائدة ظهرت موجة بيعية في أسواق الأسهم العالمية منذ الأسبوع الماضي.
 
وفقد "داو جونز" في الأسبو ع الماضي أكثر من ألف نقطة، بينما تراجع "نيكي" الياباني بنحو 1.5%، وشهدت الأسواق الأوروبية أسوأ أداء أسبوعي منذ عام نوفمبر 2016.
 
أداء مؤشر "داو جونز" خلال أخر 5 جلسات
 
وخلال جلسة دامية ومتقلبة بالأمس، خسر "داو جونز" نحو 1775 نقطة كاملة، بعد أن وصلت خسائره خلال الجلسة إلى 1500 نقطة، في أكبر هبوط يومي من حيث عدد النقاط في تاريخ المؤشر.
 
واستهلت مؤشرات الأسهم الآسيوية تعاملات اليوم على هبوط حاد، ليفقد "نيكي" الياباني أكثر من 1000 نقطة، وتتراجع البورصات الأوروبية بشكل قوي في المستهل.
 
ويرى أحد مديري صناديث التحوط إن الأمر يقتصر على "حركة تصحيحية صحية" في أسواق الأسهم العالمية، مؤكداً أن آفاق الاقتصاد العالمي شهد تحسناً.
 
وكان "جولدمان ساكس" قد توقع في مذكرة بحثية صادرة نهاية يناير الماضي أن تشهد أسواق الأسهم العالمية حركة تصحيحية، بعد مكاسب قياسية مسجلة في الأشهر الماضية.
 
واعتبر البنك أن أي تراجع في أسعار الأسهم سيكون "فرصة لإعادة الشراء".
 
في حين حذر رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأسبق "آلان جريسبنان" قبل أيام من أن أسواق الأسهم والسندات الأمريكية تشهد حالياً "فقاعة سعرية".
 
وكان صندوق النقد قد توقع فيما يبدو "سيناريو محتمل لهبوط أسواق الأسهم" احتمالية حدوث حركة تصحيحة في البورصات العالمية نتيجة تشديد السياسة النقدية المتوقع في الاقتصادات المتقدمة.
 
مخاطر اقتصادية مقبلة
 
تؤكد مؤسسات اقتصادية دولية وأخرى سياسية محلية قوة أساسات الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، بعد سنوات من إعادة تنظيم الوضع عقب الأزمة المالية العالمية في 2009.
 
وذكر صندوق النقد ومديرته "كريستين لاجارد" أن الاقتصاد العالمي في مرحلة زخم كبيرة، مع تعافي التجارة الدولية وتسارع الإنفاق.
 
ومن جانبه، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض "سارة هوكابي" إن الرئيس دونالد ترامب يهتم بالأساسات الاقتصادية طويلة الآجل والتي تظل قوية، مع تسارع النمو ومعدل البطالة المنخفضة وزيادة أجور العمال.
 
وكان ترامب قد أبدى فخره مراراً بمكاسب أسواق الأسهم الأمريكية منذ انتخابه، معتبراً أن هذا الارتفاع يبرز نجاح سياساته الاقتصادية.
 
وقالت جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي التي غادرت منصبها في بداية الشهر الجاري إنه في حال حدوث انخفاض في أسعار الأسهم أو الأصول بشكل عام فإن ذلك لن يضر أساس النظام المالي العالمي، رغم اعترافها بأن أسعار الأسهم والعقارات "مرتفعة".
 
ولكن على الجانب الأخر، تظهر حقيقة أن الكثير من الأسواق الناشئة والشركات رفعت قيم ديونها بوتيرة كبيرة خلال السنوات الماضية، مستفيدة من الشروط والتكاليف اليسيرية للاقتراض.
 
وتوقعت مؤسسة "ستاندرد أند بورز" احتمالية ارتفاع عدد حالات التعثر عن سداد الديون لدى الشركات ذات الأعباء المالية الكبيرة، مع تشديد شروط الائتمان خلال الفترة القادمة.
 
وترى المؤسسة أن الابتعاد عن برامج التيسير الكمي من قبل البنوك المركزية قد يؤدي إلى دورة جديدة من التخلف عن سداد الديون.