TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

إمبراطورية الصين.. كيف هزت "توصية" الأسواق الأمريكية؟

إمبراطورية الصين.. كيف هزت "توصية" الأسواق الأمريكية؟
من: محمد سليمان
 
مباشر: "توصية بتقليل أو وقف الشراء".. 5 كلمات فحسب تسببت في مخاوف كبيرة في أسواق الدين الأمريكية خلال الأسبوع الماضي مع ارتباط الأمر بالصين التي تعد أكبر دائن للولايات المتحدة في الوقت الحالي.
 
ونقلت وكالة "بلومبيرج" عن مصادر صينية قولها إن هناك توصية من جانب مسؤولين حكوميين بخفض أو وقف مشتريات سندات الخزانة الأمريكية، وهو الأمر الذي تزامن مع توترات بين الجانبين بالفعل بسبب قضايا تجارية وسياسية.
 
وتمتلك الصين سندات أمريكية بقيمة 1.12 تريليون دولار بنهاي ة شهر أكتوبر الماضي، لتتصدر قائمة أكثر دول العالم امتلاكاً لديون الولايات المتحدة، يليها اليابان ثم إيرلندا.
 
وقفزت عوائد السندات الأمريكية لأعلى مستوى منذ مارس الماضي عقب التقرير، قبل أن تستقر في اليوم التالي بعد تصريحات رسمية ش ككت في صحة الأمر.
 
ويرصد "مباشر" بداية الإمبراطورية الصينية في السندات الأمريكية، ومدى أثر أي خفض في المشتريات على الوضع بين الجانبين.
 
بداية الإمبراطورية
 
قامت الصين بمايعرف بـ"معجزة اقتصادية" دفعتها لتحقيق طفرة في معدلات النمو الاقتصادي والإنتاج الصناعي والتصدير منذ أواخر الثمانينيات، لتقفز للمرتبة الثانية في قائمة أكبر الاقتصادات العالمية بعد الولايات المتحدة.
 
وبدأت الصين في تسجيل فائض ملحوظ في الميزان التجاري مع الولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات، ليبدأ الاحتياطي النقدي الأجنبي في الارتفاع.
 
وتشير البيانات الرسمية الصينية إلى أن الاحتياطي النقدي الأجنبي ارتفع من 212 مليار دولار في عام 2001 ليسجل 3.34 تريليون دولار في عام 2012، وهي الفترة التي شهدت بناء الامبراطورية الصينية  في السندات الحكومية الأمريكية.
 
واستمر الصعود في الاحتياطي النقدي الأجنبي للصين مسجلاً مستوى قياسياً بلغ 3.99 تريليون دولار في يونيو 2014.
 
تطور الاحتياطي النقدي للصين وارتباطه بحيازة السندات الأمريكية
 
وعلى الجانب الآخر، تحظى الولايات المتحدة بمعدل ادخار ضعيف مقارنة بالاقتصادات الكبرى، مع حاجتها المستمرة والمتزايدة لسد العجز في الموازنة، مايجعلها نهمة لجذب الأموال من الخارج.
 
في حين أن الصين التي تمتلك أكبر احتياطي نقدي في العالم بحاجة لاستثمار آمن لجزء كبير من هذه الاحتياطات، خاصة مع استمرار التصنيع والصادرات التي تدر دخلاً ضخماً من العملات الأجنبية.
 
أزمات محلية بآثار خارجية
 
ولكن تحول الوضع إلى النقيض في منتصف عام 2015 مع قرار بنك الشعب في الصين خفض السعر المرجعي لليوان – المسموح بتحرك العملة منه 2% صعوداً أو هبوطاً؛ ما أثار مخاوف حادة في الأسواق العالمية.
 
 
تطور أداء اليوان الصيني خلال السنوات الماضية
 
وشهد الاحتياطي النقدي للصين تراجعاً ملحوظاً بدءاً من نهاية عام 2015 بفعل قرار خفض قيمة اليوان الذي أثار قلق المستثمرين حول العالم، وبدء موجة من هروب رؤوس الأموال من الصين.
 
وانخفض الاحتياطي الأجنبي لدى الصين أدنى 3 تريليونات دولار في يناير 2017، مسجلاً أدنى مستوى منذ بداية عام 2011، مع خسائر حادة لليوان.
 
وفقدت العملة الصينية نحو 7% من قيمتها خلال عام 2016، وهي أكبر وتيرة هبوط للعملة منذ عام 1994، والتراجع السنوي الثالث على التوالي.
 
وتدخلت الصين لكبح جماح هبوط اليوان عبر سحب مليارات الدولارات من الاحتياطي لدعم العملة، بالإضافة إلى تشديد القيود على هروب رؤوس الأموال من البلاد.
 
وتسبب النمو الاقتصادي الذي تجاوز التوقعات وعمليات دعم اليوان إلى استقرار الوضع مجدداً ليسجل اليوان مكاسب في عام 2017، بالإضافة إلى عودة الاحتياطي النقدي الأجنبي للصعود أعلى 3 تريليونات دولار.
 
وبلغ احتياطي الصين من النقد الأجنبي بنهاية شهر ديسمبر الماضي نحو 3.140 تريليون دولار، مسجلاً أعلى مستوى منذ سبتمبر 2016.
 
توترات وتهديدات متبادلة
 
لا تعتبر هذه المرة الأولى التي تشهد جدلاً في الولايات المتحدة أو الصين بشأن ملكية بكين للديون الأمريكية، حيث أبدى مهتمون ومسؤولون من الجانبين قلقاً حيال هذه العلاقة لأسباب مختلفة.
 
وشهد عام 2009 إعلان رئيس الوزراء الصيني آنذاك تخوفه بشأن مدى أمان حيازة بلاده من الديون الأمريكية، كما تجددت المخاوف في عام 2011 مع خفض التصنيف الائتماني للسندات الأمريكية، ومع بدء برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة.
 
كما أبدى العديد من واضعي السياسة المالية في الولايات المتحدة قلقهم مراراً من مدى حيازة الصين للسندات الأمريكية، محذرين من تأثير محتمل لأيّ خفض كبير في هذه الملكية حال وقوع أزمة بين الجانبين، بحسب دراسة لخدمة أبحاث الكونجرس.
 
لكن تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قيادة البيت الأبيض وتهديداته المتتالية للصين بسبب ارتفاع العجز التجاري لبلاده مع بكين أعاد التوتر للعلاقات بين الجانبين.
 
 
وقال ترامب في نوفمبر الماضي إن العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين "ضخم للغاية ويجب معالجة الممارسات التجارية غير العادلة على الفور".
 
وأظهرت بيانات صينية رسمية أن بكين حققت فائضاً تجارياً قياسياً مع الولايات المتحدة في عام 2017 بقيمة 275.8 مليار دولار.
 
كما أبدى "ترامب" استياءه مما اعتبره "استمرار تصدير الصين النفط إلى كوريا الشمالية"، وهو الأمر الذي نفته بكين لاحقاً مطالبة بإثبات حدوث هذا الأمر.
 
وتمتلك الصين حالياً نحو 19% من إجمالي السندات الأمريكية المملوكة لأجانب والبالغة قيمتها 6.3 تريليون دولار، بينما تتوزع باقي ديون الولايات المتحدة التي سجلت 20 تريليون دولار بين ديون داخلية وأخرى مملوكة للاحتياطي الفيدرالي.
 
من يحتاج إلى الآخر؟
 
تحتاج الولايات المتحدة إلى تمويل لإدارة أعمال الحكومة وتمويل المصروفات؛ لذا تقوم بالاقتراض عبر طرح سندات حكومية للمستثمرين.
 
ويعني شراء الصين للسندات الأمريكية أنها تمنح قروضاً للولايات المتحدة مقابل فائدة بالإضافة إلى أصل القرض بعد فتر الاستحقاق.
 
وقالت شركة "جيفيرس" للوساطة في مذكرة بحثية الأسبوع الماضي إنه في حال توقف الصين عن شراء السندات الحكومية الأمريكية فإن السوق سوف يعاني.
 
ويشهد الوقت الحالي وضعاً مختلفاً بالنسبة للولايات المتحدة، حيث من المتوقع ارتفاع عجز الموازنة خلال العام الجاري بعد إقرار قانون الإصلاح الضريبي والذي من شأنه تقليص الضرائب على الشركات والأفراد.
 
كما بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي خطة لتقليص حيازته من السندات التي سبق واشتراها بعد الأزمة العالمية في 2009، حيث قرر خفض قيمة ميزانيته البالغة 4.5 تريليون دولار تقريباً.
 
ويعني تراجع أو توقف مشتريات الصين من السندات الأمريكية هبوط الطلب ما قد يصعد بالعائد على السندات، وهو ما حدث بالفعل عقب تقرير "بلومبرج".
 
وارتفع العائد على السندات الحكومية الأمريكية لأجل 10 سنوات ليلامس مستوى 2.6% لأول مرة منذ مارس 2017، بعد ساعات من تقارير احتمالية اتجاه الصين لوقف أو تقليص مشتريات السندات.
 
وتعافى العائد على الديون الأمريكية بعد تشكيك إدارة النقد الأجنبي في صحة هذه التقارير.
 
وعلى الجانب الأخر، ذكرت مؤسسة "كابيتال إيكونومكس" أن بنك الشعب الصيني بحاجة للاستثمار في السندات الأمريكية لما تتمتع به من قدرة سريعة على التسييل بمعدل عائد مرتفع.
 
ويعتبر سوق السندات في الولايات المتحدة الأكثر سيولة حول العالم، ما يمثل أصل ذو قدرة على التسييل السريع.
 
كما تستهدف الصين إبقاء قيمة اليوان منخفضة لاستمرار تنافسية منتجاتها في الأسواق الخارجية، مايستدعي الاحتفاظ بحصيلة الصادرات في استثمار آمن وسريع التسييل.
 
وكانت دراسة صادرة عن خدمة أبحاث الكونجرس الأمريكي في عام 2013 قد أشارت إلى أن الواقع يشير إلى أن الصين لاتمتلك أي أفضلية في الوضع الحالي، لأنها بالاستثمار في الدين الأمريكي ربطت عملتها واحتياطاتها بالدولار، وبالتالي أيّ هبوط في العملة الخضراء يعني خسائر كبيرة لبكين أيضاً.
 
كما أن مبيعات الصين المحتملة من الديون الأمريكية قد يؤثر سلباً على اقتصاد الولايات المتحدة، وبالتالي ستتراجع قدرة الأمريكيين على استيراد البضائع الصينية ما يعني أيضاً خسائر قوية لبكين.