TV مباشر
اتصل بنا اعلن معنا   ENGLISH

خبراء تحديث السياسة الصناعية الأردنية أولوية لصناعة المستقبل

خبراء تحديث السياسة الصناعية الأردنية أولوية لصناعة المستقبل

يعتبر قطاع الصناعات التحويلية أحد القطاعات الديناميكية الواعدة عالميا من حيث نمو الانتاجية ودعم ميزان المدفوعات والاحتياطات الأجنبية، الى جانب تطوير الاقتصاد القائم على المعرفة والتقنية العالية، وبالتالي المساهمة في خلق فرص العمل عالية الاجور وتنويع هيكل الاقتصاد الوطني ومصادر نموه. بحسب جريدة العرب

لكن هذا القطاع الواعد، بحجم يبلغ خمس الاقتصاد الوطني في حالة الاردن، يتعرض أيضا وبصورة متزايدة لمخاطر المنافسة العالمية وتداعيات الأزمات الدولية والاقليمية، مما يفرض على الدول عموما "خصوصا تلك المستوردة للطاقة وتلك التي تعاني من عجز تجاري" اعداد وتنفيذ خطط استراتيجية لهذا القطاع، بهدف تعظيم الفرص وتقليل التهديدات "كتهديد اغراق الصناعات الصينية" واجراء تقويم دوري للتنفيذ.

وعمدت دول عربية عديدة الى تبني سياسات واستراتيجيات صناعية وطنية متكاملة وشاملة ومتسقة وقابلة للتنفيذ والتمويل مثل السعودية والامارات والمغرب، ويسعى الاردن كذلك ليكون ضمن هذه الفئة.

ففي اطار مساعي التخطيط القطاعي التي تبذلها وزارة الصناعة والتجارة منذ مطلع الألفية الجديدة وتستهدف قطاع الصناعات التحويلية في المملكة، قامت الوزارة بمبادرات وطنية متعددة لصياغة سياسة صناعية موحدة ومتسقة للمملكة بالتشاور مع الجهات المعنية الخاصة والعامة، بما فيها وزارة التخطيط وغرف الصناعة، كان آخرها وثيقة سياسة صناعية خمسية نشرت عام 2010 سميت بـ"السياسة الصناعية الوطنية- برنامج دعم الصناعة 2010-2014″.

واعدت الوثيقة بخبرات محلية ودون الاستعانة بخبرات عالمية متخصصة، على عكس بعض التجارب الريادية في دول الخليج.

وتتلخص أبرز المبادئ العامة للسياسة الصناعية الوطنية حسب صيغتها الأخيرة في تعظيم مساهمة القطاع الصناعي في التنمية الاقتصادية، والتركيز على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الصناعية، وتقديم الدعم والحوافز التي تخدم القطاعات الصناعية بشكل عام مع التركيز على المنشآت الصغيرة والمتوسطة وعلى الصناعات التصديرية، وتطوير آلية حديثة للشراكة بين القطاعين العام والخاص في اصدار القرارات والتشريعات ذات الصلة بالقطاع الصناعي.

وخلال السنوات التي أعقبت صياغة السياسة الصناعية، تعرض الاقتصاد الصناعي في الاردن الى عدة مستجدات محلية رئيسية وصدمات خارجية اضافية أثرت سلبيا وجوهريا في نمو الطلب المحلي وفي جانب العرض، أبرزها: الارتفاع المستمر في أسعار الطاقة عالميا ومحليا "الوقود الصناعي والطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي"، واستمرار تباطؤ الطلب المحلي والدولي من جراء تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وزيادة كلف مدخلات الانتاج الصناعي عموما بما فيها الحد الأدنى للأجور عام 2012 واشتراكات الضمان الاجتماعي عام 2014، وتخفيض الحوافز الضريبية للصناعة "في قانون ضريبة الدخل مثلا"، وزيادة رسوم بعض الخدمات الحكومية، وكذلك تأزم الأحداث الاقليمية في المنطقة عموما بدءا من عام 2011، بما فيها مستجدات الأزمة العراقية مؤخرا وتداعياتها على الصادرات الصناعية الوطنية الى السوق العراقية.

ولقد كان لهذه الصدمات تداعيات سلبية صافية على النمو الصناعي في مرحلة ما بعد الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، رغم التأثير الايجابي للاجئين السوريين "ما يقارب 20 % من السكان" في انعاش الانفاق الاستهلاكي المحلي، وما تبعه من نمو استثماري مرتفع في بعض الصناعات التحويلية كما تعكسه بيانات التكوين الرأسمالي الثابت للقطاع.

فوفقا لآخر بيانات القيمة المضافة الصناعية الصادرة عن دائرة الاحصاءات العامة، سجل قطاع الصناعات التحويلية معدل نمو حقيقي بلغ متوسطه 2.5 % خلال الفترة 2009-2013 بالمقارنة مع معدل نمو مرتفع وصل متوسطه الى 10 % خلال الفترة 2004-2008 .

وبناء على كل ما سبق، يفترض في هذا العام اجراء مراجعة وتقويم موضوعي معمق لنتائج وثيقة السياسة الصناعية الأردنية 2010-2014 من حيث درجة التنفيذ ومعوقاته التمويلية وغير التمويلية بغية تجاوزها في المستقبل، وكذلك تقويم النتائج التنموية المتحققة على النمو الصناعي وصادرات واستثمارات الصناعات التحويلية، جنبا الى جنب مع البدء بصياغة سياسة صناعية محدّثة للمرحلة المستقبلية (2015-2019) تنسجم مع الخطة الاقتصادية العشرية للدولة قيد الاعداد، ومع توجهات الاستراتيجية الوطنية للتصدير والاستراتيجية الوطنية للابداع اللتين أقرتا مؤخرا في الأردن.

ويعتبر محور تطوير القدرة التصديرية والتنافسية للمنشآت الصناعية ذو أولوية وطنية في ضوء اتساع عجز الميزان التجاري من ناحية، ومحدودية حجم السوق المحلي اللازم للتمتع بوفورات الحجم الكبير في مجال الانتاج الصناعي ولنقل التقنية الأجنبية والابتكار المحلي الصناعي، من ناحية أخرى.

وعليه، هنالك حاجة ملحة لتمكين عدد أكبر من الصناعات والمنشآت الوطنية في قطاع الصناعات التحويلية لاقتحام الأسواق العالمية بحصة تفوق نصف انتاجها الكلي ومن خلال تطوير قدرتها التنافسية في مجال النوعية والسعر معا.

ويقترح أن تتضمن السياسة الصناعية الجديدة أهدافا رقمية طموحة وواقعية في آن واحد، وآليات مبتكرة للتنسيق والتشاور بين المؤسسات ذات العلاقة بصنع السياسة الصناعية كتأسيس مجلس أعلى للتنمية الصناعية يضم مؤسسات القطاع الخاص والعام المعنية ويرتبط مباشرة برئيس الوزراء أو نائبه "باعتبار الصناعة قطاعا ذا أولوية وطنية"، وكذلك تحديث الاطار التشريعي المسؤول عن تنمية القطاع الصناعي بما يضع الشراكة مع القطاع الخاص موضع التنفيذ ويحفز الاستثمار الصناعي الخاص، واستهداف عدد من العناقيد والتجمعات الصناعية الواعدة بما فيها الصناعات الخضراء والصناعات ذات التقنية العالية، وتعزيز المنافسة المحلية كمحرك أساسي للكفاءة الانتاجية، وتطوير نظام محكم للمتابعة والتقويم الصناعي الدوري، ونظام لادارة مخاطر التنفيذ، بما في ذلك مؤشرات أداء رئيسية واطار زمني لمراحل التنفيذ، واعتماد برنامج للتطوير المؤسسي وبناء المقدرات يتصف بنتائج مستدامة.

ويمكن لمشروع الاتحاد الاوروبي الأخير حول "بناء المقدرات والدعم الفني" في وزارة الصناعة والتجارة ان يساعد ويمول بفاعلية مشروع المراجعة والتحديث الجوهري للسياسة الصناعية الوطنية في الاردن.

كما يمكن لـ"برنامج التنافسية الاردني" الذي ينفذ حاليا بالتعاون مع الولايات المتحدة أن يدعم مثل هذا المشروع الأساسي لقطاع اقتصادي واعد يمثل خمس الناتج المحلي الاجمالي في الاردن.

ودوما ينبغي التذكير بأن الاستراتيجيات القابلة للتنفيذ حتى ولو كانت متوسطة النوعية هي أفضل بدرجات من الاستراتيجيات النظرية عالية الجودة لكنها غير قابلة للتنفيذ، اما بسبب تجاهل الخصوصية المحلية أو ضعف التنسيق والمتابعة والتقويم، أو اغفال القيود المالية للموازنة العامة أو قواعد منظمة التجارة العالمية.